بعد إخفاء بعض البنود
ترامب يخدع العرب والمسلمين ويرغمهم على خطة اغتيال الحلم الفلسطيني

خدع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ملوك وأمراء ورؤساء دول وحكومات 8 دول عربية وإسلامية، بشأن خطة إيقاف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني، ودفعه للتهجير خارج قطاع غزة.. بإعلانه عن خطة مخالفة لما تم الاتفاق عليه معهم خلال اجتماعه بهم على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.. وذلك وفقاً لتصريح نائب رئيس وزراء باكستان ووزير خارجيتها، محمد إسحاق دار، الذي قال "خطة ترامب لإنهاء الحرب ضد غزة ليست الوثيقة التي اتفقنا عليها، والبنود التي نُشرت هي بمثابة إعلان من جانبهم، ولم تشمل القضايا الرئيسية التي وضعناها بالخطة وهي ضمان وقف إطلاق النار ووقف نزيف الدماء والسماح بتدفق المساعدات الإنسانية وإنهاء النزوح القسري"..
وماقاله إسحاق دار، يتفق مع ما كشف عنه موقع أكسيوس الأمريكي، نقلاً عن مسؤولين أميركيين بأن الصيغة الأخيرة التي اعتمدت لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف الحرب في غزة هي غير الصيغة التي تمّ الاتفاق عليها مع قادة الدول العربية والإسلامية، وأن تعديلات أدخلت على الصيغة بناء على المفاوضات التي جرت مع رئيس الحكومة الإسرائيلية، وتمّ اعتمادها دون العودة مرة أخرى للدول العربية والإسلامية التي اطلعت على الصيغة الأخيرة من الخطة بعد المؤتمر الصحافي لترامب ونتنياهو، وهو ما أكده رئيس حكومة قطر ووزير خارجيتها محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، الذي أكد ـ وفقا لأكسيوس ـ أنه استلم الخطة ليل الإثنين (عقب المؤتمر).. وقال بن عبد الرحمن "هناك قضايا كثيرة تتطلب المفاوضات والإيضاحات، منها مسألة الانسحاب الإسرائيلي من كامل قطاع غزة تحتاج إلى بحث مع الجانب الأميركي لأنها كانت واضحة في ما تم الاتفاق عليه مع الجانب الأميركي.. كما نقل الموقع عن مصدر عربي ـ لم يسميه ـ أن الصيغة التي تم اعتمادها دون العودة للقادة في الدول العربية والإسلامية شهدت تعديلات جوهرية، والتعديلات نسفت التعهد الأميركي بعدم ضمّ إسرائيل للضفة الغربية وشطبت الدولة الفلسطينية، وتراجعت عن صيغة إدارة قطاع غزة من حكومة فلسطينية تتولى السلطة على غزة والضفة الغربية معاً.
** أمريكا ترغم العرب والملسمين على الموافقة
وفي سياق متصل، قال رئيس حكومة الاحتلال "إنه لم يوافق على قيام دولة فلسطينية خلال محادثاته مع الرئيس الأميركي في البيت الأبيض، مؤكدا استعادة جميع الرهائن الأحياء بينما سيبقى الجيش الإسرائيلي في معظم أنحاء قطاع غزة.. وأن موضوع الضفة الغربية لم يطرح للنقاش.. وهو ما كشف عنه موقع أكسيوس، الذي ذكر أن نتنياهو، وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي رون ديرمر، عقدا اجتماعا مطولا استمر 6 ساعات في واشنطن مع مبعوث البيت الأبيض ستيف ويتكوف، تمكن خلاله نتنياهو من تعديل البنود الأساسية المتعلقة بالانسحاب الإسرائيلي من غـزة، والذي تم ربطه بتقدّم عملية نزع سلاح حماس، وبقاء القوات الإسرائيلية في نطاق أمني داخل غزة إلى أن تصبح مؤمنة بشكل كامل ضد أي تهديد متجدد، مما يعني إلى أجل غير مسمّى. ويتفق ذلك مع ما قاله المصدر العربي لأكسيوس "بأنه لم يعد مستقبل سلاح المقاومة مرتبطاً بقيام سلطة تدير الضفة الغربية وقطاع غزة، ولا عاد التطبيع العربي مع إسرائيل مرتبطاً بقيام الدولة الفلسطينية.
هذا، وكشفت وسائل إعلام أمريكية وأوروبية عن محاولة قطر إقناع إدارة ترامب بعدم الإعلان عن الخطة بصيغتها الحالية، حتى لا تفقد مصداقيتها أمام الشارع العربي، لكن الإدارة أصرت ومارست ضغوطاً على الدول العربية والإسلامية لدعم المبادرة علناً.. فأصدرت الدول الثمانية بياناً رحبت فيه بإعلان ترامب، بدون دعم صريح لبنوده، ووفقاً لإسحاق دار، تضمن البيان الأهداف الرئيسية للخطة والتي نسفها ترامب وهي "ضمان وقف إطلاق النار، ووقف نزيف الدماء والسماح بتدفق المساعدات وإنهاء النزوح القسري".. كما أكدت المصادر والأوساط السياسية العربية أن التوصل لحل نهائي يتطلب وقتاً أطول وليس 72 ساعة، نظراً للخلافات حولة آلية التنفيذ والضمانات المطلوبة لتنفيذ الاتفاق.
ترامب لم يفوته الموقف العربي الإسلامي لذلك أمهل حماس 4 أيام للرد على الخطة، وفي حال رفضها أو تأخرها ستنفذ الخطة في المناطق الخالية من الإرهاب التي تسلمها إسرائيل للقوة الأمنية المؤقتة.. وكما قال في المؤتمر إذا رفضت حماس ستحصل يا بيبي على دعمنا الكامل لفعل ما يجب فعله(؟!).
إحياء الهلال السني لمواجهة شقيقه الشيعي
كان الرئيس الأمريكي قد عقد اجتماعا مع قادة 8 دول عربية وإسلامية (مصر والسعودية وقطر والأردن والإمارات وتركيا وإندونيسيا وباكستان) على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، لطرح خطته لإنهاء حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني.. والملاحظ هنا عدم حضور الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وولي العهد رئيس الوزراء السعودي محمد بن سلمان، كلاهما له موقف واضح ولم يتحرك من مكانه كالصخرة.. السعودية (حتى وإن كان أمام الناظرين) ترهن الانضمام لفيلق الإبراهيمية بوقف الممارسات الإسرائيلية لضم الضفة الغربية وقيام الدولة الفلسطينية، وهما شرطان لم يعد لهما أهمية أمام الإصرار الإسرائيلي، فيما يخص وقف الحرب، ووفقا لرؤية المستشرق الإسرائيلي تسفي بارئيل، أن ورقة التطبيع الرابحة للسعودية تآكلت، لتخلي إسرائيل عنها، ولم يعد ترامب يعتبرها ورقة ضغط، مما أصاب بن سلمان بالإحباط، لاكتشافه بعد الهجوم على قطر أن واشنطن حليف ذو مسؤولية محدودة، وترامب يستمع لبن سلمان، لكنه يستمع ويصغي لنتنياهو.
أما مصر فقد وضعت شروطها منذ فبراير الماضي بأنها غير ذاهبة للبيت الأبيض طالما سيطرح على المائدة الأمريكية تهجير الشعب الفلسطيني، وتحويل قطاع غزة لمشروع اقتصادي، كما أن مصر ترفض رفضاً قاطعاً وجود قوات أجنبية على أرض غزة، وإدارتها من قبل إدارة غير فلسطينية.. وتصر على انسحاب إسرائيلي كامل إلى ما قبل السابع من أكتوبر 2023، وذلك يتعارض مع الرؤية الصهيو أمريكية..
ومن الملاحظ أيضاً، ضم تركيا، لفريق الوساطة إلى جانب مصر وقطر، وذلك ما كان يتمناه أردوغان وسعى له منذ بداية جهود الوساطة، حتى أنه كان قد دعا العام الماضي رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية لأنقرة، لإقناعه بطلب انضمام تركيا لفريق الوسطاء، وهو ما رفضته إسرائيل وقتها، اليوم تم ضم تركيا بسبب تماهي المصالح غير المشروعة ضد العرب وإيران، وذلك واضح تمام الوضوح في سوريا، الخليفة العثماني أمير الإسلام لا يعترض على التطبيع السوري الإسرائيلي، واحتلال جنوب سوريا، كما لم نسمعه يتحدث عن الانتهاك الإسرائيلي للسيادة اللبنانية، التي تقع ضمن الخلافة العثمانية، ولا يحترم سيادة سوريا والعراق، ولا يعترض على تجريد الدول العربية من المقاومة، وتحالف مع أمريكا وإسرائيل والتنظيمات الإرهابية للقضاء على التواجد الإيراني في سوريا، ولا يفوتنا موقفه الداعم للتنظيمات الإرهابية في ليبيا، وتغذية الانقسام الليبي وذلك يصب في صالح المخطط الصهيو أمريكي، وبالتالي انضمام تركيا يحقق رغبة صهيو أمريكية بإيجاد طرف يتبنى وجهة نظرهم ويمكنه الضغط على حماس لتحقيقها، في مواجهة مصر التي لا تعتبر وسيط محايد، فهي تتبنى وتساند المقاومة في طلباتها، وتقف صخرة عثرة في طريق تحقيق المخطط "الترامبي النتن ياهو" بتهجير الفلسطينيين، وتنفيذ مشروع "ريفييرا الشرق الأوسط"، وتوطين الفلسطينيين بسيناء، أو في أي دولة أخرى.. وبالتالي يتشابه الموقف المصري بنظيره الأمريكي كلاهما غير محايد ولا يمكن إبعاده.. مع مراعاة الفارق.
ولا ننسى أيضاً ضم إندونيسيا، الدولة الإسلامية التي وافقت على تهجير الفلسطينيين لإحدى جزرها، وعرضت استقبال فلسطينيين جرحى ومتضررين من غزة مؤقتًا، لأسباب إنسانية ودون نية تهجير دائم (على حد قولها)، وهو ما قوبل بالرفض، خاصة من جانب مصر، التي اعتبرتها خطوة ضمن خطة قد تسهل تهجير الفلسطينيين. ولرفضها (أي مصر) فكرة التهجير أو الإبعاد حتى المؤقت، وأكدت على ضرورة بقاء الفلسطينيين بأمان على أرضهم.
وأيضاً، باكستان التي يراها ترامب شريك مناسب لتحقيق توازن النفوذ بالمنطقة، خاصةً في قضايا الشرق الأوسط، نظراً لموقعها الاستراتيجي وعلاقاتها المتشابكة مع الصين وإيران، ودعمها لإيران القائم على تحالف استراتيجي ضد النفوذ الغربي مع الحفاظ على مصالحها. فضلاً عن تأثيرها بالقضايا الإسلامية والدولية، مما يجعلها لاعب مهم بالمنطقة، ونقطة وصل مهمة للقمة.. ولا ننسى أنها الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاحا نووياً، ووجب تحييدها ووضعها تحت المظلة الصهيو أمريكية، ونزعها من الحضن الإيراني الصيني، كما أن باكستان تحاول عمل توازن في علاقاتها لحماية مصالحها في مواجهة تحالف الهند وإسرائيل.. وربما يحاول ترامب إحياء المشروع الأمريكي القديم الذي وأده الزعيم خالد الذكر جمال عبد الناصر، تكوين هلال سني يضم باكستان وتركيا ومصر وبينهما السعودية لمواجهة الهلال الشيعي والذي يضم إيران والعراق ولبنان.
وبالتالي يكون ترامب قد وجد مجلس إدارة بقيادة المدير التنفيذي البريطاني توني بلير، يضم دول تتماهى مع الخط الصهيو أمريكي وهي الإمارات وإندونيسيا وتركيا، ودول وسطية الأردن، وباكستان، وقطر، التي قدم لها البيت الأبيض رشوة بتوقيع ترامب مرسوم رئاسي يعتبر أي هجوم عليها أو سيادتها تهديداً لأمن الولايات المتحدة.. في مواجهة مصر والسعودية (إذا ما استمرت الأخيرة على ذلك الخيط، وإن كان من الصعب عليها التراجع، لأنها ستخسر مكانتها المقدسة بفضل مكة والمدينة، وتنفرد منافستها التقليدية مصر بزعامة المنطقة).
اغتيال فلسطين واختفاء البند 21
علماً بأن الخطة التي عرضت على مجموعة الثمانية، اختفى منها البند21، الخاص بضمانة أميركية بأن إسرائيل لن تضم أراضي الضفة الغربية المحتلة.. وأن تفضي الخطة لقيام الدولة الفلسطينية.. وكانت مفاجئة الإعلان غياب الضمانة، ونص البند 20، "ستُطلق الولايات المتحدة حواراً بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي لتعايش سلمي ومزدهر".. كما لم تتطرق الخطة لاعتراف الولايات المتحدة بالدولة الفلسطينية.
مبادرة ترامب، أو خطة اغتيال الحلم الفلسطيني، لا تتضمن جداول زمنية لتنفيذها، سوى 72 ساعة يتم خلالها إعادة جميع الرهائن، أحياءً وأمواتاً، وبمجرد إطلاق سراح جميع الرهائن، ستفرج إسرائيل عن 250 محكومًا عليهم بالسجن المؤبد، بالإضافة إلى 1700 من سكان غزة الذين اعتُقلوا بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بمن فيهم جميع النساء والأطفال المعتقلين، ومقابل كل رفات رهينة إسرائيلية، ستفرج إسرائيل عن رفات 15 غزياً، دون أن يحدد موعد الإفراج الإسرائيلي عن الفلسطينيين.. ولا يوجد جدول زمني لانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة..
من ألغام الخطة التي تثير الريبة والقلق، وفقا للبند الثاني عشر، الادعاء بأنه لن يُجبر أحد على مغادرة غزة، وسيكون من يرغب في المغادرة حراً في ذلك وحرية العودة، سنشجع الناس على البقاء ونمنحهم فرصة بناء غزة أفضل".. فيما نص البند الثالث عشر، على توافق حماس والفصائل الأخرى على عدم الاضطلاع بأي دورٍ في حكم غزة، سواءً بشكل مباشرٍ أو غير مباشرٍ أو بأي شكلٍ من الأشكال، وسيتم تدمير جميع البنى التحتية العسكرية والإرهابية والهجومية، بما في ذلك الأنفاق ومنشآت إنتاج الأسلحة، ووفقاً للبند الرابع عشر سيقدم الشركاء الإقليميون ضمانًا لضمان امتثال حماس والفصائل لالتزاماتها، وعدم تشكيل غزة الجديدة أي تهديد لجيرانها أو شعبها.. وقد تم ذكر تهديد الجيران في البند الأول "ستكون غزة منطقة خالية من التطرف والإرهاب، لا تُشكل تهديدًا لجيرانها".. الخطة تطالب بضمان التزام حماس والفصائل، ولا تنص على ضمان تنفيذ إسرائيل بنودها، ولا تلزمها بأي شيء.. كما أن الخطة نصت على تسليم إدارة قطاع غزة للسلطة الفلسطينية بعد استكمال الإصلاحات التي لم تحددها ولم تضع لها موعداً.