اتفاقية دفاع مشترك بين السعودية وباكستان
العرب لم يتفقوا على الوحدة العسكرية.. وصنعاء تحذر الرياض.. والخليج أنقذ الشرع

وقع ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، ورئيس وزراء جمهورية باكستان الإسلامية محمد شهباز شريف، بالعاصمة السعودية الرياض أمس (الأربعاء 17 سبتمبر 2025) على "اتفاقية الدفاع الإستراتيجي المشترك"، والتي تأتي في إطار سعي البلدين لتعزيز أمنهما وتحقيق الأمن والسلام في المنطقة والعالم، والتي تهدف إلى تطوير جوانب التعاون الدفاعي بين البلدين، وتعزيز الردع المشترك ضد أي اعتداء، وتنص هذه الاتفاقية على أن أي اعتداء على أي من البلدين هو اعتداء على كليهما.. وتأتي الاتفاقية ـ وفقاً لما ذكرته وكالة الأنباء السعودية "واس"ـ انطلاقًا من الشراكة التاريخية الممتدة لنحو ثمانية عقود، بين المملكة العربية السعودية وجمهورية باكستان الإسلامية، وبناء على روابط الأخوة والتضامن الإسلامي، واستنادًا على المصالح الإستراتيجية المشتركة، والتعاون الدفاعي الوثيق بين البلدين.
الاتفاقية السعودية الباكستانية، جاءت في أعقاب رفض القمة العربية الإسلامية الطارئة التي شارك فيها قادة وملوك ورؤساء 57 دولة عربية وإسلامية، المقترح المصري بتكوين قوة عسكرية عربية موحدة، على غرار قوات الناتو التي تضم 32 دولة عضوًا، موزعة بين أمريكا الشمالية وأوروبا.. وكانت مصر سبق وطرحت الفكرة في عام 2015، إلا أن المشاركون بالقمة رفضوا مناقشة الفكرة أو وضعها على جدول الأعمال، لأنها تعد إعلان حرب عربية على إسرائيل، مما يفتح الباب لمواجهة عسكرية معها.. علماً بأن دول باكستان وتركيا وإيران كانت قد عرضت المشاركة بالقوات العسكرية العربية، لتكون قوات شرق أوسطية للدفاع عن أمن ومصالح المنطقة، كما عرضت إيران تشكيل غرفة عمليات مشتركة لمواجهة الأطماع الإسرائيلية المدعومة أمريكياً، خاصة، ووفقاً لتصريحات المتحدث باسم الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي، أن المعطيات خلال السنتين الاخيرتين، أكدت أنه لا توجد دولة مصونة من اعتداء كيان الاحتلال عليها، والاعتداء الإسرائيلي على قطر دليل واضح بأن أمريكا والكيان الصهيوني لا تريدان الاستقرار والأمن في المنطقة وتسعى لإثارة الحروب في المنطقة.
الأمن الخليجي فوق الأمن العربي
السؤال الذي يطرح نفسه، لماذا تم عرقلة المقترح المصري، وهو يهدف لتكوين قوة عسكرية عربية شرق أوسطية للدفاع عن المنطقة، ويتم توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين السعودية وباكستان، ولا يتم تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك (؟) لأن دول الخليج لا يعنيها أمن أي دولة عربية أخرى، وهي ترى أن الأمن الخليجي يختلف عن الأمن العربي، فيما ترى مصر أن الأمن القومي العربي جزء منه الأمن القومي الخليجي، وهذه الرؤية المتناقضة، والصراع السياسي والفكري بين ترابط المصالح الخليجية الاقتصادية والسياسية والأمنية مع أمريكا وإسرائيل، والذي يتعارض مع السياسة الإقليمية لعدد من الدول العربية التي هي خارج الجغرافيا الخليجية، والرافضة للتدخل الأمريكي وهيمنته على المنطقة لصالح إسرائيل، والرافضة للتطبيع، أدى لنشوب الصراعات العربية ـ العربية، مما أضعف القضية العربية، وعدم تكوين قوة عسكرية عربية تحمي السماء والأرض والحدود العربية.. وذلك وفقا لرؤية رئيس تحرير الجريدة الأوروبية العربية الدولية الدكتور خالد زين الدين، الذي يوضح لـ “الصفحة الأولى"، أن دول الخليج تعمل في المنطقة وفقاً لمصالحها، وليس وفقاً لرؤية عربية شاملة، ويأخذ سوريا مثالاً على ذلك، لافتاً إلى وجود مشكلة في الملف السوري وهي: أن عدم استقرارها لا يهدد المصالح الخليجية، فيما تهدد الرؤية والمصالح الإسرائيلية في سوريا لبنان والعراق والأردن، وهو تهديد ممتد لمصر أيضاً.. ويعطي مثالا لذلك بأن احتلال إسرائيل للجولان يحرم سوريا والأردن من 40% من المياه العذبة، مما يزيد من معاناة الشعب العربي بالبلدين، وذلك لا يهم الخليج المعني بالاستثمار، وبسط نفوذه في سوريا عبر الاقتصاد، لقطع النفوذ الإيراني.
دول الخليج تنقذ الشرع
وفي ذلك السياق، يكشف زين الدين عن محاولة أمريكية لتغيير النظام السوري الحالي، خاصة بعد أحداث السويداء، وتقاربه الشديد مع تركيا، والذي يهدد الرؤية والمصالح الإسرائيلية، فتدخلت الأردن والإمارات والسعودية لمنح النظام فرصة، لذلك بدى واضحا الإسراع في خطوات التطبيع السوري الإسرائيلي.. ويكشف أيضاً عن قيام إسرائيل بعد سقوط نظام الأسد بتطبيق رؤية "شد الأطراف" وهي الرؤية التي طبقها "بن جوريون" في الخمسينات، والتي تعني "شد الأقليات"، وبدأت إسرائيل في تطبيقها منذ العام 2017، مع الدروز السوريين، بتقديم كافة أشكال الدعم المالي والإنساني، وسمحت لهم بالتطوع بالجيش الإسرائيلي، والحصول على الجنسية الإسرائيلية حتى أن 20% منهم حصل على الجنسية الإسرائيلية، خاصة مع ما تعرضت له الأقليات على يد النظام الحالي، موضحاً أن إسرائيل تهدف لتكوين جيش من الدروز، وشد الأقليات المضطهدة كالأكراد والعلويين، والمسيحيين، والطائفة الإسماعيلية.. كل ذلك لا يعني دول الخليج، لأنه لا يهدد حدودها، ولا يتعارض مع رؤيتها القائمة على السلام مع إسرائيل والاستثمار مع أمريكا وإسرائيل.
ويرى زين الدين أن القضية الفلسطينية قضية ثنائية، فإذا كان طوفان الأقصى، وحرب الإبادة أعادت إحياء القضية في قلب القارة الأوروبية، فهي قتلتها في الدول العربية بسبب تعارض المصالح، فالقضية الفلسطينية لا تعني دول الخليج ولا تؤثر على حدودها واستثماراتها، فيما تؤثر على مصر، التي تم إنهاكها بمحيطها (السودان وليبيا وقطاع غزة)، وسد النهضة، والديون والبنك الدولي، لشغلها عن دورها الإقليمي.. وتم عرقلة الفكرة المصرية بتكوين جيش عربي، لأن ذلك سيزيد من قوتها ويظهرها كلاعب رئيسي وأساسي بالمنطقة.. وبالنسبة لقطر، فقد أرسلت أمريكا رسالة لها من خلال الهجوم الذي تعرضت له بأن إسرائيل فوق كل اعتبار، وكل مظلة.
أنصار الله يحذرون السعودية وبريطانيا
في الأثناء هددت حكومة صنعاء، السعودية وبريطانيا، ردا على تنظيمهما مؤتمرا، بالرياض، بزعم حماية خطوط الملاحة في المياه اليمنية، وقالت وزارة خارجية صنعاء في بيان لها "إن تعزيز الأمن البحري وأمن الممرات المائية في المنطقة يستوجب مغادرة الأساطيل العسكرية الأجنبية التي لا شرعية لتواجدها، بعد عسكرة أمريكا وبريطانيا، البحر الأحمر وتحويله لساحة صراع، وسعتا لإنشاء تحالفات لا علاقة لها بمصالح شعوب المنطقة.. وأكدت صنعاء في بيان خارجيتها أن عملياتها في البحر الأحمر تستهدف العدو الإسرائيلي ومصالحه كوسيلة ضغط لوقف جرائمه في غزة، في الوقت الذي لم تتخذ فيه دول الخليج، وغيرها من الدول المطبعة مع إسرائيل قرار مصيري ردا على جرائمها في قطاع غزة، خلال قمة الدوحة.. كما قال محافظ ذمار وعضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله "الحوثيين" محمد البخيتي في تدوينة على (إكس) متسائلاً "هل يملكون الشجاعة لوقف تعاونهم العسكري والأمني مع الكيان الصهيوني ضد اليمن(؟) وهل ستكف الحكومات الخليجية عن دفع أموال الحماية لأمريكا، والتي تستخدم كوقود للمجهود الحربي الصهيوني في عدوانه على الأمة العربية(؟).
وكانت العاصمة السعودية الرياض قد استضافت يوم الثلاثاء (16 سبتمبر 2025) مؤتمر "الأمن البحري في اليمن" برعاية سعودية بريطانية، بمشاركة 40 دولة، لإطلاق شراكة دولية كبرى لتعزيز قدرات اليمن في إنفاذ القانون البحري والأمن، والذي اعتبره رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، (المقيم بالسعودية) تدشينًا لشراكة نوعية تعزز أمن الممرات المائية اليمنية، وتجديدًا لالتزام الحكومة بمكافحة الإرهاب والتهديدات العابرة للحدود وحماية مصالح الشعب وأمنه القومي.. فيما اعتبرت السفيرة البريطانية لدى اليمن عبدة شريف، المؤتمر إشارة قوية على التزام جماعي بدعم الحكومة اليمنية وخفر السواحل، الذي يقف في الخطوط الأمامية، لتأمين سبل عيش المجتمعات الساحلية واعتراض التهديدات الإرهابية.. يرى البخيتي أن المؤتمر بهدف إلى حشد الدعم العسكري للمرتزقة، ليتولوا مهمة حماية سفن الكيان بعد أن فشلت واشنطن ولندن في القيام بها مباشرة.





