بدأت بالتصريحات والتحريض
"ثغرة الجدار" .. معركة مصر وإسرائيل القادمة لمحاولة تهجير أهل غزة لسيناء

مع بدء الاجتياح العسكري لمدينة غزة ومحيطها، طالب جيش الاحتلال، لأول مرة الأهالي بالتوجه إلى رفح المصرية ومنها لسيناء، مهدداً بقتل كل من يبقى في المدينة، مع الإشارة إلى أن الجيش الإسرائيلي يلقي منشورات تطالب السكان بالنزوح نحو منطقة المواصي في جنوب القطاع، وذلك وفقاً لما كشفت عنه مواقع فلسطينية وعبرية.. وكان الاحتلال قد أعلن مساء الإثنين (15 سبتمبر 2025) أثناء انعقاد القمة العربية الإسلامية الطارئة بالعاصمة القطرية الدوحة عن بدء العملية البرية لاحتلال غزة، بإدخال الفرقتان 162و98، وأرجأ يوم الخميس (18 سبتمبر 2025) دخول الفرقة 36، إلى مدينة غزة بسبب بطء وتيرة إخلاء السكان في محافظتي الشمال وغزة، التي يسكنهما 1.3 مليون نسمة، بينهم نحو (398 ألفاً) بمحافظة شمال غزة، موا يزيد عن (914 ألفاً) بمحافظة غزة، لم ينزح منهم سوى قرابة 190 ألف مواطن تحت وطأة مخططات التهجير الدائم، بينما رفض قرابة المليون فلسطيني النزوح.. وأوضح المكتب الإعلامي الحكومي بقطاع غزة أن سكان الشمال نزح غالبيتهم قسراً إلى غرب المحافظة، أما محافظة غزة، بينهم ما يقارب (350 ألفاً) اضطروا للنزوح من الأحياء الشرقية للمدينة باتجاه وسطها وغربها.. ورصد المكتب من خلال طواقمه حركة نزوح عكسي، إذ عاد أكثر من (15 ألفاً) إلى مناطقهم الأصلية داخل مدينة غزة حتى ساعات ظهر اليوم الثلاثاء (16 سبتمبر 2025) بسبب انعدام أدنى مقومات الحياة في الجنوب.
** الأونروا.. إسرائيل تدفعهم للهجرة
ويطالب الجيش الإسرائيلي، سكان مدينة غزة ومحيطها بالخروج من ديارهم وإخلاء المدينة والنزوح جنوباً عبر شارع الرشيد، معلناً المدينة بالكامل "منطقة قتال خطيرة" يجب تركها فوراً.. وقال المتحدث باسم الجيش إن قاطني مدينة غزة يجب عليهم الرحيل إلى المنطقة الإنسانية في المواصي وإلى المناطق الخالية في مخيمات الوسطى، والتي تحتوي على استجابة إنسانية واسعة وأفضل.. إلا أن منظمة وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" كذبت الاحتلال، مؤكدة أنه لا يوجد مكاناً أمناً في قطاع غزة، لافتة إلى أن نحو 90% من سكان قطاع غزة هم نازحون وحالة الملاجئ في القطاع متدهورة وأي نزوح إضافي سيفاقم الوضع الكارثي.. أما مدينة غزة فالخدمات متوقفة بالكامل، والاحتلال يدفع معظم سكانها البلغ عددهم نحو مليون نسمة إلى منطقة لا تتجاوز مساحتها 15 كيلومترا مربعا، فضلاً عن أن عمليات النزوح تتم تحت القصف والقتل والخوف، بينما جنوب القطاع، والذي يضم حالياً نحو مليون ومئتي ألف فلسطيني على مساحة 35 كيلومترا مربعا، يفتقر لأدنى مقومات الحياة ولا تتوفر فيه أماكن لإقامة الخيام، في وقت تمنع فيه إسرائيل دخول الخيام، والأدوية، والمعدات الطبية اللازمة.. وأوضح المستشار الإعلامي للأونروا عدنان أبو حسنة، أن الهدف من هذه السياسات هو جعل غزة مكانا غير صالح للحياة، ودفع السكان للهجرة عبر البحر أو الجو، بعد أن رفضت مصر بشكل واضح فتح معبر رفح للتهجير..
احتلال غزة عملية فاشلة
يرى مدير مركز الدراسات الانثروستراتجية العميد الركن نضال زهوي، أن الهجوم بفرقتين نظاميتين هما 98 و162 والفرقة 36 والتي يعتبرها جيش الاحتلال فرقة احتياطية، بوادر فشل لعملية الهجوم البري لاجتياح وتهجير واحتلال محافظتي الشمال وغزة، لأن كل هذه الفرق منهكة وجهوزيتها متدنية.. لافتاً إلى أن الفرقة 36 من فيلق الشمال هي المسؤولة عن حدود لبنان وهي الأكثر تجهيزا لتكون رأس الحربة في الهجوم.. وهنا نسأل لماذا تركت في الخلف واستخدموا فرقة ليست اختصاصية وهي فرقة مظلات 98 لتكون في الامام (؟) ولماذا استبدل كل فرق الاحتياط وادخلوا فقط الفرق النظامية (؟)
الجواب كما يراه العميد زهوي، أن القوات البرية والطاقة البشرية في الجيش الصهيوني تآكلت خلال الحرب، لذلك يسعى الجيش لتنفيذ خطة تعتمد على سلاح الجو والدخول على أرض محروقة، بهذا المنطق ينجح فقط إذا كان القتال فوق الأرض، ولكن تجهيزات المقاومة في غزة تحت الأرض، وبالتالي لا يمكن هزيمة حماس في القطاع، لذلك يقوم الاسرائيلي بالضغط على الشعب في القطاع بالإبادة والتجويع وهذا سلاح فعال، ولكن أهل غزة اعتادوا عليه.. لذلك يرى العميد زهوي أنها عملية فاشلة، لن تحقق إلا المزيد من الجرائم ضد الإنسانية والاستنزاف البشري في صفوف العدو.
** أخطر السيناريوهات مواجهة مصر عسكريا
السيناريو الأكثر خطورة ـ وفقا لوجهة نظر العميد زهوي ـ هو أن يقوم الجيش الاسرائيلي فتح كوة (أي ثغرة أو فتحة) في الجدار مع مصر وتوجيه السكان إلى العريش وبهذه الحالة سيضع الجيش المصري أمام أمرين الأول أن يتقبل توافد الغزيين كونه لا يمكنه إطلاق النار عليهم، والثاني دخول الحرب وهو أمر مستبعد، لأن التحشيد الموجود في سيناء لا يمكنه الدخول بمعركة مع الكيان، لأنه دفاعي، موضحاً أن وجود فرقة مدرعات، وأخرى برية أي ما يعادل عشرة آلاف جندي، يعني الدفاع.. أما الهجوم فهو يكون عادة 3 مقابل واحد كمعادلة عسكرية، مما يعني لو هناك نية مصرية بإعلان الحرب يجب أن يكون في سيناء 60 ألف جندي، لأن الموجود في غزة 3 فرق صهيونية.. لذلك ـ والحديث العملي العسكري للعميد نضال زهوي ـ البداية ستكون للكيان والمفاجأة ستكون للجيش المصري، فضلاً عن أن المعركة البرية ستكون معركة مكشوفة بالنسبة للجنود المصريين، رغم ضعف القوات البرية للعدو، لكنه متفوق جوياً، لذلك فإن أفضل الاحتمالات أن يكون الرد المصري صاروخي وجوي..
ولفت العميد زهوي خلال حديثه مع "الصفحة الأولى" إلى أن القادة عادة تحسب هذا الحساب لذلك استبعد أن تكون لدى مصر أي نية للدخول في معركة الكوة، ولكننا ننتظر التصرف الاسرائيلي لنقوم بردة فعل، وعندما يقوم بفعله يكون حسب حساب كل شيء، لذلك مهما كانت ردة الفعل ستكون ضعيفة ويعمل لها العدو حسابه.. ولكن المعركة ستبقى وربما تكون أكثر شراسة من قبل المقاومة لسببين: "الأول بأنه لم يبق سكان مدنيين يتحمل المقاتل عبئهم، والثاني المعركة وجودية".
لكن العميد زهوي يقول: طالما بقي سكان في مدينة غزة لن يفتح الجدار، لأنهم يريدون تهجير الجميع، لذلك حسب زخم العمليات يلزم إسرائيل على الأقل شهرين لدفع الفلسطينيين نجو الجدار، وهو يتوقع زيادة العمليات العسكرية لإجبار سكان غزة على ترك منازلهم والاتجاه جنوبا، لتجميع سكان القطاع في مساحة صغيرة لا تتسع لنحو 2 مليون نسمة وهنا تقع عملية الجدار.. وفي ذلك السياق، هدد الجيش الإسرائيلي أهل غزة في بيان له يوم الجمعة (19 سبتمبر 2025) باستخدام "قوة غير مسبوقة" في مدينة غزة، معلنا إغلاق شارع صلاح الدين أمام المواطنين الذين أنذرهم بضرورة الإخلاء والتوجه جنوبا عبر شارع الرشيد الساحلي.. وأنه سيعمل بقوة شديدة وغير مسبوقة ضد حماس وباقي المنظمات الإرهابية من هذه اللحظة.
اتهامات إسرائيلية وتحريض ضد مصر
وما يعزز فرص المواجهة العسكرية بين مصر وإسرائيل، هو تحريض السياسيين في إسرائيل ضد مصر وسياستها، خاصة منذ إعلان القاهرة رفض تهجير الفلسطينيين، وجهودها لدفع أكثر عدد من الدول للاعتراف بالدولة الفلسطينية، وكذلك الانزعاج من تصريحات الرئيس السيسي والدبلوماسية المصرية عن رفض التهجير وحل الدولتين، وقد تحدثت وسائل الإعلام العبرية عن احتمال توجيه إسرائيل ضربة عسكرية استباقية لمصر، بالادعاء أن 100 مسيرة اخترقت إسرائيل من سيناء، تمهيداً للتصعيد ضد مصر، بعد دفعها بقوة عسكرية تقارب 42 ألف جندي، وهو ضعف العدد المسموح به وفق معاهدة السلام بين البلدين، ونشر منظومات دفاع جوي صينية بعيدة المدى في مواقع استراتيجية بشمال سيناء، وأن الجيش المصري لديه قدرة على الرد وتطوير استراتيجيته الدفاعية، لامتلاكها قوة عسكرية متقدمة، وأفادت التقارير العبرية أن مصر برهنت على قدرتها على التحرك بسرعة ورصد التهديدات بشكل استباقي من خلال نشر أنظمة دفاع جوي حديثة في سيناء، مما يعكس استعدادها للتعامل مع أي تهديد محتمل.. كما حذرت القناة 14 العبرية، من تعزيز لترسانتها لعسكرية، وإنشاء 3 مطارات بسيناء بالمخالفة لاتفاقية كامب ديفيد.. كما أن الإعلام العبري ينقل تصريحات لسياسيين يحرضون على مواجهة عسكرية مع مصر، فقد نقلت صحيفة "هآرتس" عن النائب في حزب الليكود الحاكم "سوكوت" خلال زيارته للمنطقة الحدودية مع مصر، قوله: "تهريب الأسلحة من الجو يشكل تهديدًا وجوديًا"، وعقب العدوان على قطر، كتب الصحفي الإسرائيلي إيدي كوهين، منشور باللهجة المصرية يقول فيه "إن إسرائيل مثلما قصفت الدوحة بإمكانها قصف أي بلد آخر"، كما أنه قال في وقت سابق "مصر كل طائرتها أمريكية.. وبكبسة زر من أمريكا تفجر هذه الطائرات" وطالب مصر بسداد 52 مليار دولار تعويضات عن أملاك اليهود في مصر.
** السيسي يتحدى ترامب
ويذكر أنه منذ بدء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، لإبادته وجعله غير صالح للحياة، لتهجير الفلسطينيين منه لسيناء، وذلك ما كشف عنه الرئيس السيسي خلال قمة السلام بالقاهرة، والتي حضرها 30 دولة والأمين العام للأمم المتحدة، في 21 أكتوبر 2023، أي بعد 14 يوماً من بدء حرب الإبادة، وهناك توتر مصري إسرائيلي، وأزداد التوتر بعد إعلان الإدارة الأمريكية في عهد جو بايدن عن مشروع التهجير مقابل سداد ديون مصر، وسداد ثمن الأراضي والوحدات السكنية بالدولار، وهو ما رفضته مصر، ثم ازدادت حدة التوتر بعد طرح الرئيس الأمريكي ترامب في فبراير 2025، "مشروع ريفييرا الشرق الأوسط"، وهو ما يقضي بإخلاء القطاع بالكامل من سكانه تمهيداً لإعادة تشكيله عمرانيا واقتصاديا ليكون وجهة سياحية عالمية، تحت دعوى إنقاذ الفلسطينيين من جحيم غزة، وتوفير حياة أكثر رفاهية واستقراراً، وطالب مصر والأردن باستقبال الفلسطينيين الذين سيتم إبعادهم، وهو ما رفضته مصر، وقال الرئيس السيسي وقتها "هذه جريمة لن نشارك فيها، ولن نسمح بتهجير الفلسطينيين من أرضهم"، بل ورفض السيسي زيارة واشنطن بناء على دعوة من ترامب في اتصال بينهما في الأول من فبراير 2025، وأعلنت القاهرة أن الرئيس عبد الفتاح السيسي لن يسافر إلى واشنطن لإجراء محادثات في البيت الأبيض، إذا كان جدول الأعمال يشمل خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.. كما أن كلمة الرئيس السيسي في قمة الدوحة أزعجت الإسرائيليين وأشعرتهم بعزم مصر على الدخول في مواجهة عسكرية في حال تم الاقتراب من الحدود بدفع الفلسطينيين بالهجرة القسرية إلى مصر.
