
تهلل وسائل الإعلام العربية، من خلال محلليها وخبرائها بشأن اعتراف أكثر من 160 دولة من أصل 192 دولة عضو بالأمم المتحدة، بالدولة الفلسطينية، وهو جهد وموقف مشكور لتلك الدول بعد 77 عاماً من إعلان قيام الدولة الصهيونية عام 1948، و108 أعوام من منح المملكة المتحدة "بريطانيا العظمى في حينها" اليهود الصهاينة حق إقامة وطن لهم على الأراضي الفلسطينية.
اعتراف تلك الدول، جاء بعد أكثر من 700 يوم لإبادة الشعب الفلسطيني، بعد أن ارتفعت حصيلة العدوان الإسرائيلي إلى 65,344 شهيدًا و 166,795 إصابة منذ السابع من أكتوبر للعام 2023، إسرائيل استخدمت الجوع سلاحاً في إبادة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة، بإغلاق المعابر لمنع وصول الغذاء والدواء وألبان الأطفال مما أدى لاستشهاد 440 بينهم 147 طفلاً ، العدو الصهيوني وراعيته الولايات التخريبية الإرهابية، أعربوا عن إنسانيتهم بافتتاح مراكز لتوزيع المساعدات تحت مسمى "مركز غزة الإنساني"، وهي لم تطن كذلك، بل هي مصائد موت جديدة للشعب الفلسطيني والتي أدت لاستشهاد 2,523 شهيدًا وأكثر من 18,496 إصابة.. وهي أرقام قابلة للزيادة.
الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ورفع العلم الفلسطيني، بمقر الأمم المتحدة وبتلك الدول، هو اعتراف منقوص..
أولاً: أين ستقام هذه الدولة.. أين الأرض التي ستقام عليها، قطاع غزة الذي تحول لمقبرة وأرض غير صالحة للحياة بعد هدم مستشفياتها ومدارسها ومنازلها ومساجدها وكنائسها، ومصادر المياه والكهرباء.. وصارت أرض بلا حياة. والضفة الغربية تنهب أراضيها يومياً، تحت مرأى ومسمع العالم والسلطة الفلسطينية التي لا تحرك ساكناً ولم تطلق طلقة رصاص عل المستوطنين الذين يستولون على ممتلكات الشعب الأعزل في حراسة جيش العدو؟
ثانياً: دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وجارها المغتصب الذي اغتصب الأرض وما عليها بدعم الدول المعترفة، مسلح بأحدث الأسلحة، ولن يترك الدولة المنزوعة السلاح في حالها.. إذا رغبتم في تحقيق حل الدولتين حقاً لاستقرار الشرق الأوسط عليكم نزع سلاح الكيان الصهيوني؟
ثالثاً: الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون قال "لن نفتح سفارة فلسطينية قبل إطلاق سراح الرهائن وهذا شرط أساسي بالنسبة لنا" .. لماذا لا تشترط على الكيان، الذي زرعتموه وساندتموه ضد الشعب الفلسطيني، أن ينسحب من قطاع غزة، والأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية، والعودة لحدود الرابع من يونيو 1967، مقابل الإفراج عن رهائنه(؟) أم ستظلون على سياسة الكيل بمكيلين(؟)
لا نريد قوات نريد تمكين الفلسطينيين
رابعاً: الرئيس الفرنسي قال أيضاً "نعمل مع بريطانيا وقادة المنطقة لتقديم مقترح بنشر قوة دولية في غزة بتفويض من الأمم المتحدة".. سيدي غزة لا تريد قوات دولية، غزة تريد إنسحاب جيش الاحتلال من أراضيها، وفتح معابرها، والباقي نحن كفيلين به.. ثم إننا جربنا قواتكم في لبنان، ماذا فعلت (؟) جيش الاحتلال يقصف بلدات الجنوب اللبناني ويغتال البشر والأرض، واحتل 7 تلال، ويرغب في احتلال 14 قرية حدودية، أمام قواتكم "اليونيفيل" بل ويستهدف قواتكم ماذا فعلتم(؟)
خامساً: ماهي الإجراءات التي اتخذت لحماية الدولة الناشئة.. رئيس وزراء الكيان أمر بإغلاق جسر الكرامة ( الذي يربط بين الضفة الغربية لدولة فلسطين ودولة الأردن) حتى إشعار آخر كرد أولي على الاعتراف بدولة فلسطين.. وقال "لن تقوم دولة فلسطينية غرب نهر الأردن وردّي على القرار سأتخذه بعد عودتي من الولايات المتحدة، وإسرائيل تدرس اتخاذ إجراءات انتقامية عقب إعلان الاعتراف بالدولة الفلسطينية".. وزير الطاقة الإسرائيلي يقول "تصريحات قادة الغرب المنافقين لن تغير شيئا ولن نقبل بدولة فلسطينية تهدد أمن إسرائيل" وأضاف "لدينا حليفة كبيرة جدا وقوية هي الولايات المتحدة الأمريكية التي تقف إلى جانبنا في هذه المعركة.. مستقبل أرض إسرائيل لن يحدد في لندن أو باريس بل في القدس وسنكافح كل ما يهدد إسرائيل وأمنها ومستقبلها".. مندوب العدو الإسرائيلي بالأمم المتحدة قال "سنتخذ خطوات مماثلة إذا تحركت الجمعية العامة أحاديا للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لأنها تستعد لصناعة مشهد خطير من خلال الترويج للمغامرة الفلسطينية".. إذن هل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، وفقاً لصحيفة معاريف العبرية.. مطرقة دبلوماسية على رأس إسرائيل، أم هو إعلان فارغ المحتوى (؟) أم ( سؤال من عندان) هزة سياسية لتنظيم الولايات التخريبية الإرهابية رداً على موقفها من تهميش أوروبا في الأزمة الأوكرانية، وتحويلها لمصدر رزق لمصانعها العسكرية (؟) أم هي محولة لاحتواء الشارع الأوروبي المتمرد على سياستكم المساندة للكيان، بعد الكشف عن حقيقتكم (؟) فماذا أنتم فاعلون أما كل هذه التهديدات والتحدي لقرارات الأمم المتحدة ولكم (؟) وبالتالي كيف ستقام الدولة الفلسطينية، ومن سيحفظ لها حقوقها (؟) وقد كشفت القناة 15 العبرية عن مصدر سياسي أن وزير الخارجية الأمريكي أعطى الكيان ضوءا أخضر لفرض السيادة في الضفة الغربية، ونقلت صحيفة هآرتس العبرية، عن مصدر بجيش العدو، أن الاستعدادات تجرى لتصعيد محتمل في الضفة الغربية مع تزايد الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
** الاعتراف خيانة للقضية
ويبقى سؤال، هل الاعتراف بالدولة الفلسطينية، هي حرب مقابل حرب(؟) بمعنى لقد قرر قائد قائد تنظيم الولايات التخريبية الإرهابية، الذي سيصدر عقوبات بحق محكمة العدل الدولية، لتجرأها بإصدار حكم قضائي يجرم الكيان العدو، شن حرب ثقافية على أوروبا، لتخليها عن قيمها الأساسية، وذلك ما كشفت عنه صحيفة "الجارديان" نقلاً عن تقرير مشترك للمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والمؤسسة الثقافية الأوروبية، عن سعي ترامب للتدخل في الانتخابات الأوروبية، وتحويل العلاقات عبر الأطلسي نحو قيم محافظة، وحشد القوى اليمينية حول قضية حرية التعبير، وأكدت الجارديان أن ترامب يسعى لتهميش أوروبا، وهو ما وضح باستبعاد قادة الاتحاد الأوروبي من المفاوضات بشأن مستقبل أوكرانيا ومهاجمة الأحزاب السياسية الرائدة في القارة والضغط على مؤسسات بروكسل في المفاوضات التجارية.. وهو ما يؤكد أن الحرب الثقافية تكشف عن مستويين من الصراع: صراع أيديولوجي حول القيم التي تقوم عليها السياسة الأوروبية، وصراع من أجل كرامة أوروبا ومكانتها وهويتها كلاعب مستقل على الساحة العالمية.. وارجعت الصحيفة تراجع الدور الأوروبي، بسبب خلافات قادة الاتحاد الأوروبي وترددهم، بالإضافة إلى أساليبهم في “المجاملة والاسترضاء والتشتيت” في تعاملهم مع ترامب.
وفي ذلك السياق تبدو صحة ما قاله عضو المجلس السياسي الأعلى اليمني محمد علي الحوثي، بأن حل الدولتين خيانة للقضية الفلسطينية وفيه اعتراف ومصادرة للأراضي المحتلة لصالح كيان العدو، وأن حل الدولتين لن يعيد للفلسطينيين حقوقهم ولن يوقف استباحة الكيان الإسرائيلي للمنطقة والسعي لتوسيع الاحتلال لها،لذلك يدعو السعودية والأنظمة العربية والإسلامية أن لا يكون الاعتراف بحل الدولتين عملية تجميلية ومظلة للتطبيع مع الكيان.
الاعتراف الأوروبي بالدولة الفلسطينية دون اتخاذ قرار جماعي بوقف تصدير السلاح للكيان، وإجراءات تضمن تنفيذ الاعتراف، وفرض عقوبات عليه أسوة بما فعلتم مع روسيا وإيران، فإن الاعتراف لا يعدو كونه خطوة شكلية استجابة لضغوط شعبية داخلية.