و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

منذ اللحظات الأولى التي بدأ فيها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بتهديد فنزويلا، تحت غطاء مكافحة الإرهاب والقضاء على شبكات المخدرات، التي يعتبرها تهديداً خطِراً للمجتمع الأمريكي، كان واضحاً أنه اتخذ قراره بوضع فنزويلا على رأس أجندته السياسية، وأن القضية أكبر من أن تكون مجرد قضية إرهاب أو مكافحة مخدرات، فمواجهة مثل هذه القضايا يمكن أن تتحقق بتفاهمات مباشرة، أو حتى غير مباشرة مع الحكومة والسلطات الفنزويلية، وأن تهديدات ترامب التي تطورت في الأسابيع الأخيرة، من إصرار على عزل الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ورحيله خارج البلاد، إلى تهديد فنزويلا بالغزو البري، عبر حشد عشرات الآلاف من الجنود، وأكثر من 11 فرقاطة عسكرية، وحاملة الطائرات الأكبر «جيرالد فورد»، ومئات الطائرات المسيّرة، باتت لا تخرج عن عزم أمريكي على تحقيق هدفين.

الأول: هو الاستيلاء على ثروات فنزويلا الهائلة من الطاقة ومعها ثرواتها المعدنية، التي تفتقر إليها الولايات المتحدة، حيث إن فنزويلا تملك أكبر احتياطي عالمي للنفط يبلغ 303.3 مليار برميل، وكان قد سبق لترامب أن أعلن صراحة في حملته الانتخابية الرئاسية عام 2024، أنه يتطلع، إذا فاز بالانتخابات إلى الاستيلاء على النفط الفنزويلي من دون تعويض، لكن حاجته إلى ثروات فنزويلا المعدنية تفوق كثيراً حاجته إلى نفطها، فالولايات المتحدة شديدة الافتقار إلى خامات المعادن النادرة، التي أضحت عصب الثورة الصناعية الحديثة والتقدم التكنولوجي، فضلاً عن أنها لا تملك القدرات الصناعية والبشرية لاستخلاص المعادن النادرة من تلك الخامات، في وقت أصبحت فيه تلك المعادن ليس مجرد سلعة تجارية، بل ارتقت إلى مستوى «الأصول الاستراتيجية الحرجة»، التي تحدد موازين القوى في القرن الحادي والعشرين.

الثاني: ويرتبط عضوياً بالهدف الأول، وهو الصراع مع كل من الصين وروسيا في فنزويلا، اعتقاداً منه بأن وضع الثروات النفطية والمعدنية الفنزويلية تحت مظلة تحالف وثيق بين كل من الصين وروسيا، من شأنه أن يخلق نقطة ضعف استراتيجية للولايات المتحدة، نظراً لأن فنزويلا تقع في «فنائها الخلفي» الاستراتيجي المباشر، وبالأخص في وقت وصل فيه التنافس الأمريكي مع الصين، حول شروط بكين المجحفة لتصدير ثرواتها الهائلة من «المعادن النادرة» للولايات المتحدة إلى ذروته، نظراً لأن الصين لا تسيطر على الأغلبية العظمى من إنتاج هذه المعادن فحسب، بل والأهم من ذلك، أنها تسيطر على ما يقارب 85% إلى 95% من عمليات المعالجة والتكرير، وهي الخطوة الأصعب التي تُحَوِّل المواد الخام إلى منتجات جاهزة للاستخدام التكنولوجي، وهذا ما يجعل الولايات المتحدة تُدرك أن احتكار الصين لهذه المعادن، ليس مجرد «ميزة تجارية»، بل هو «سلاح استراتيجي»، يمكن استخدامه لفرض ضغوط جيو- سياسية واقتصادية على الدول المستوردة وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

الحاجة الأمريكية الفائقة لهذه المعادن، هي ما تدفع بها نحو فنزويلا، ونحو دول إفريقية وأخرى آسيوية ولا تينية، للاستحواذ على تلك المعادن.

الحملة الأمريكية

كان هذا هو الاعتقاد السائد، الذي يقدم تفسيراً منطقياً للحملة العسكرية الأمريكية التي باتت جاهزة لغزو فنزويلا، لكن إصدار الرئيس الأمريكى دونالد ترامب مؤخراً لاستراتيجيتة الجديدة، وما تضمنته من توجهات أمريكية عدوانية، ليس فقط نحو فنزويلا، بل وكل القارة اللاتينية، كشف أن الهدف الأمريكي أكبر بكثير من غزو فنزيلا والسيطرة عليها، بل إن الأمر يشمل كل قارة أمريكا اللاتينية، فقد أعطت هذه الاستراتيجية الأولوية لاحتكار الولايات المتحدة للنفوذ في هذه القارة، وإغلاقها بالكامل أمام أي نفوذ أجنبي، خاصة أمام الصين وروسيا، هذه الأولوية تفوق أولوية المواجهة الاستراتيجية مع الصين في منطقة «الإندو- باسيفيك»، وتفوّق النفوذ الأمريكي في أوروبا، والدور الأمريكي في حلف شمال الأطلسي (الناتو) والصراع مع روسيا في أوروبا وأزمة أوكرانيا.

هذه الاستراتيجية تكشف عن جدية لدى الرئيس ترامب، لإحياء «مبدأ مونرو» لعام 1823، ولكن بقراءة «ترامبية» جديدة، تُعيد الولايات المتحدة مجدداً إلى فرض احتكارها للقارة اللاتينية.

وهكذا يتأكد، رسمياً، أن فنزويلا ليست هي الهدف وحدها، بل هي مقدمة لأدوار أمريكية مقبلة، هدفها فرض الاحتكار الأمريكي لأمريكا الجنوبية بالقوة العسكرية، التي يحتمل أن تشمل الضربات العسكرية المباشرة، والغزو البري وإسقاط الحكومات، وغيرها، ولعل في التصعيد الأمريكي الجديد ضد كولومبيا ورئيسها جوستاف بيترو، الذي تظاهر في سبتمبر الماضي ضد إسرائيل في نيويورك، وطالب في كلمته «التاريخية» أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتشكيل «جيش دولي» لتحرير غزة، وأنه جاهز للتطوع ضمن هذا الجيش، ما يؤكد هذا التوجه، الذي يرجح أن فنزويلا باتت أمام سيناريوهات متنوعة من بينها الغزو العسكري، أو الضربات الانتقائية، لإسقاط النظام، فكيف سيكون الرد الصيني والروسي؟ وكيف سيكون رد دول أمريكا اللاتينية على هذا التوجه؟.. هل سترضخ، أم أننا أمام حرب أمريكية - لاتينية في مقدورها استعادة «الدراما الأمريكية»، السابقة في فيتنام، ولكن هذه المرة دراما ستقع في جوارها الإقليمي المباشر؟

تم نسخ الرابط