و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

 لم يكن السادس من أكتوبر يوماً عادياً في عمر الوطن، بل كان فصلاً من فصول الخلود، يوماً دوت فيه صيحات المصريين على ضفاف القناة لتوقظ التاريخ من سباته، وتعلن أن الأمة التي تتكئ على جذور تمتد في عمق سبعة آلاف عام لا يمكن أن تُهزم، وأن من ظن أن مصر قد انكسرت، لم يعرف بعد كيف تنهض الفراعنة من تحت الركام لتصنع مجداً جديداً.

في ظهيرة ذهبية من خريف عام 1973، كانت الشمس تميل نحو الغرب، لكنها أشرقت في قلوب الرجال شرارةَ عزيمة لا تخبو، في الثانية إلا دقائق، كانت السماء تنصت إلى نبض الأرض، ثم دوى المدفع الأول كأنه إعلان ميلادٍ جديدٍ لمصر، عبر الأبطال في القناة، وحملوا على أكتافهم حلم أمة بأكملها، سالت دماؤهم في الماء لتكتبه مجدًا على صفحات الخلود.

كان كل جندي مصري آنذاك مشروع شهيد يمشي على الأرض، يعرف أن الخطوة التالية قد تكون الأخيرة، لكنه لا يتراجع، لأن الأرض التي تربى عليها لا تعرف سوى الكرامة طريقًا، كانت صيحات "الله أكبر" تهز القلوب قبل أن تهز حصون العدو، وكانت السماء تمطر نصرًا حين رأى العالم كيف تحول المستحيل إلى ممكن، وكيف انكسرت أسطورة "الجيش الذي لا يُقهر" على صخور الإرادة المصرية.

لم تكن المعركة بين سلاحٍ وسلاح، بل بين إيمانٍ وغرور، بين شعب يقدس الأرض، وعدو يعبد القوة، كان المصريون يقاتلون بعيون ترى الوطن خلف كل طلقة، وبقلوب لا تعرف سوى الشرف مبدأً،ـ في تلك الساعات التي امتزج فيها الدخان بالدماء، كُتبت أعظم ملحمة عرفتها الإنسانية، ملحمة لم تصنعها المصادفة، بل صنعها الإيمان بالحق، والإعداد المتقن، وذكاء القيادة التي حولت الهزيمة إلى نصرٍ مؤزر.

وقف الرئيس أنور السادات يومها، لا كحاكمٍ فقط، بل كفيلسوفٍ يقرأ روح الأمة، وكقائدٍ استعاد شموخها، قال للعالم إن مصر حين تصمت، فإنها تُعد، وحين تتحرك، فإنها تغيّر وجه التاريخ، كان يدرك أن اللحظة التي تنكسر فيها قيود الخوف هي اللحظة التي يولد فيها النصر، ومن بين أصداء المدافع، خرجت مصر من ليل الهزيمة إلى فجر الكرامة، لتكتب بأحرفٍ من نور: إننا أمة لا تموت.

انتصارا للروح المصرية

لم يكن السادس من أكتوبر انتصارًا عسكريًا فحسب، بل كان انتصارا للروح المصرية، للكرامة التي حاولوا انتزاعها فاستعصت، وللوطن الذي أرادوا تركيعه فوقف شامخًا كالنيل لا ينحني، كان ميلادا جديدًا للعرب جميعًا، حين شعروا أن دماء المصريين تعيد للأمة قلبها النابض وتُسقط عن جبينها غبار الهزيمةوفي كل عام، حين تهل ذكرى أكتوبر، تعود الأصوات المدوية من الماضي لتهمس في آذاننا: "تذكروا من قاتلوا لأجلكم، من صبروا حين صمت العالم، من واجهوا الموت فابتسموا له." تذكروا أن هذا الوطن لم يُكتب له البقاء بالصدفة، بل حفر اسمه في ذاكرة الزمن بدماء أبنائه الأبرار.

سلام على من عبروا القناة وخلدوا أسماءهم في صفحات النور، وسلام على من عادوا بالكرامة في عيونهم، وسلام على من لم يعودوا، لأنهم باقون في تراب الوطن، يروونه بدمائهم الطاهرةـ، سلام على جيشٍ لا ينام، على رجالٍ كلما دق ناقوس الخطر كانوا أول من لبى النداء، على أمة علمت الدنيا أن النصر ليس كلمة، بل فعلٌ يُصاغ بالعزيمة والإيمان سيظل السادس من أكتوبر نبراساً يهدي الأجيال، ودليلاً على أن مصر، حين تريد، فإن المعجزات تصبح واقعاً، وستبقى رايتها خفاقة، لا تسقط ولا تنحني، لأنها خلقت لتبقى، ولأنها – ببساطة – مصر التي لا تهزم.

وسيبقى السادس من أكتوبر شاهدًا على أن مصر حين تختبر، تنتصر، وحين تهاجم، تتوحد، فكما حمل أبطال العبور في الأمس راية الكرامة فوق الدخان والنار، جاء من بعدهم قائد حمل الأمانة ذاتها بثباتٍ وعزمٍ لا يلين، الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أدرك أن النصر لا يحافظ عليه إلا بجيشٍ قوي وعقيدة راسخة، فواصل مسيرة المجد بخطى واثقة، وأعاد بناء قدرات القوات المسلحة في زمنٍ قياسي حتى غدت درع الأمة وسيفها البتار،
كان واعيا أن الأمن لا يشترى، وأن الكرامة لا تصان إلا بالقوة، فحول التحديات إلى إنجازات، ورسخ لمفهوم القيادة التي تصنع الفعل لا الأقوال.

وهكذا امتد مجد أكتوبر من الخندق إلى الحاضر، ومن عبور النار إلى عبور المستقبل، بقيادة رجل حمل راية الوطن بصدق، فاستحق الزعامة بثقة شعبه وإجماع تاريخه.

تم نسخ الرابط