
في ظل العجز الصارخ الذي تشهده المدارس المصرية في أعداد المعلمين، وفي وقت تتعالى فيه أصوات التطوير والإصلاح، تقف فئة معلمي الحصة، أولئك الذين أفنوا أعمارهم بين جدران الفصول، في انتظار حلم طال انتظاره: التعيين الرسمي، أو على الأقل، السماح لهم بالمنافسة العادلة في المسابقات التعليمية.
لقد أصبح من الظلم أن يقصى معلم الحصة من دخول مسابقة التعيين بحجة أنه لم يكمل بعد شهادة "الدبلوم التربوي"، رغم أنه قد حصل على إفادة رسمية من الجامعة تفيد بأنه في المرحلة الأخيرة، وأنه لا يتبقى له سوى "ترم واحد" فقط هل يُعقل أن يُستبعد من خدم التعليم فعليًا، لا لذنبٍ ارتكبه، بل لأنه اختار أن يجتهد ويكمل مسيرته العلمية بتدرج منطقي؟ أليس الأجدر – من باب العدل والرحمة – أن يُمنح هؤلاء مهلة عام لتسليم شهادة التخرج، على أن يُربط التثبيت بالحصول عليها، كما يحدث في العديد من التخصصات الأخرى بالدولة؟
إنهم لا يطالبون بتمييز، بل بإنصاف. لا يريدون تجاوزا، بل اعترافا بجهدهم، هؤلاء خدموا في المدارس حين لم يكن هناك بديل، وحين صمت الجميع عن أزمة نقص المعلمين، تحملوا المسؤولية رغم ضآلة المقابل، وها هم اليوم يعاملون كمجرد أرقام لا تستوفي الشروط الشكلية، دون اعتبار للحقيقة الجوهرية: أنهم مؤهلون، واقعيا ومهنيا، أكثر من غيرهم.
وفي سياق آخر، يطرح الواقع تساؤلًا مشروعًا: لماذا يقصى خريجو كلية التجارة – شعبة إدارة الأعمال – من التقدم لتدريس مادة الرياضيات؟ أليس تخصصهم مليئا بمقررات الرياضيات التطبيقية، الإحصاء، المحاسبة، والتحليل الكمي؟ بل إن الدبلوم التربوي الخاص بالرياضيات لا يختلف عن غيره إلا في مادة واحدة فقط. إذًا، فالعقبة ليست في الكفاءة، بل في تصنيفات جامدة لا تعكس الواقع.
الإدارة لا تكتفي بالشروط الورقية
إن الإدارة الفعالة للموارد البشرية لا تكتفي بالشروط الورقية، بل تنظر للخبرة، والجدارة، والحاجة الميدانية، وهؤلاء جميعًا متوفرة في فئة معلمي الحصة وخريجي التخصصات العملية المرتبطة بالرياضيات إننا نخسر طاقات بشرية مؤهلة، طامحة، ومدربة بالفعل، ونحرم آلاف الأسر من أبسط حقوقها في فرصة عادلة لمستقبل أكثر استقرارًا، وندير ظهورنا لحلول حقيقية في أزمة التعليم ولا يغيب عن السادة المسؤولين أن استمرار استبعاد معلمي الحصة والحاصلين على إفادات الدبلوم التربوي – رغم اجتهادهم العملي والدراسي – لا يخالف فقط منطق العدالة، بل يتعارض مع نصوص الدستور والقانون، لا سيما المادة (14) من الدستور المصري التي تؤكد أن الوظائف العامة حق للمواطنين على أساس الكفاءة ودون تمييز، إن تجاهل هذه الشريحة الواسعة، التي خدمت فعليا داخل المدارس واكتسبت خبرات ميدانية معتبرة، قد يدفع المئات منهم – وربما الآلاف – إلى اللجوء للقضاء الإداري للطعن على قرارات الاستبعاد، استنادا إلى مبدأ تكافؤ الفرص، وضرورة المصلحة العامة، والأحكام السابقة التي اعتبرت العمل الفعلي كقرينة على الأحقية في التعيين، فهل ننتظر أن تتحول المسابقة إلى ساحة نزاع قانوني واسع، أم نغتنم الفرصة لتصحيح المسار وإنصاف من يستحق؟
فهل يتدخل معالي رئيس الجهاز المركزي للتنظيم والإدارة بقرار استثنائي يفتح الأمل أمام من يستحق؟ وهل تتحرك وزارة التربية والتعليم في اتجاه دعم المعلمين بدلًا من تعقيد شروط انضمامهم؟ نحن لا نطلب تفضيلا، بل عدالة انتقالية تراعي من أفنوا أعمارهم في خدمة المدارس، واجتهدوا في استكمال تأهيلهم، وقدموا نموذجا لما يجب أن يكون عليه المعلم المصري لا تطلقوا رصاصة الرحمة على أحلام المئات ممن أفنوا أعمارهم بين جدران المدارس، يحملون الطباشير في يد، والحلم بالتثبيت في اليد الأخرى، لا تجعلوا شروطا جامدة تجهز على سنوات من العطاء والعمل، ولا تحرموا من اجتهد وسعى، ثم وقف على أعتاب المسابقة حاملا إفادة دبلومه التربوي، منتظرًا ترما واحدا ليكمل المشوار، هؤلاء لم يقصّروا، بل سبقوا غيرهم بالجهد والعرق والخبرة، فكيف يُستبعد من أثبت كفاءته فعليا؟ إن استبعادهم في هذه اللحظة ليس مجرد قرار إداري، بل رصاصة رحمة تطلق على حلم، ووأد لمستقبل كان يمكن أن يكون مشرقا… فلا تكونوا أنتم من يُطفئ النور في نهاية النفق فلنعطهم فرصة، لا منة، بل حقا مستحقًا، قبل أن تُغلق الأبواب على حلم هو الأجدر بالتحقق.