
ما جرى في نينة الشرقية بمحافظة سوهاج من اعتداء على المهندس طلعت شوقي بشير، مسئول حماية الأراضي، أثناء تنفيذ قرار إزالة تعديات على الأراضي الزراعية، ليس مجرد واقعة اعتداء، بل صفعة على وجه دولة القانون إذا لم يتم الرد عليها بحسم، هذا الموظف لم يكن في نزهة، ولم يكن يؤدي مهمة شخصية، بل كان يُنفذ تكليفًا رسميًا في قلب معركة الدولة لحماية الرقعة الزراعية من عبث المتعدين.
تزامن هذا الحادث مع ثاني أيام عيد الأضحى لا يُبرر، بل يُضاعف من فداحة الجريمة، فما أحوجنا في تلك الأيام إلى استشعار قدسية الواجب العام، واحترام من يضحون براحتهم من أجل حماية حقوق الجميع التحرك السريع من المحاسب علاء فاروق، وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، لم يكن تصرفًا إداريًا روتينيًا، بل كان موقفًا وطنيًا يُعبّر عن فهم عميق لطبيعة الدولة ومكانة موظفيها، قراره بتوفير الرعاية الكاملة للمهندس المصاب، وتكليف قيادات الوزارة بمتابعة الحالة، والتنسيق مع الجهات الأمنية لاتخاذ الإجراءات القانونية، رسالة واضحة لكل من تسوّل له نفسه المساس بمنفذي القانون: لن تمروا.

ولا عجب من هذا الموقف الصارم، فالرجل معروف بخلقه وهدوئه واحترامه للجميع، وقد عرفته منذ سنوات طويلة، ولم أجد فيه سوى الأخلاق العالية والتواضع والتفاني في أداء المسؤولية، لكن حين يتعلق الأمر بهيبة الدولة، فإنه يتحول إلى قائد لا يتهاون مع الفوضى ما يقوم به موظفو وزارة الزراعة، في مواجهة التعديات، يأتي في صميم رؤية الرئيس عبد الفتاح السيسي لبناء دولة القانون، وحماية مقدرات الأجيال القادمة، الرئيس لم يتوقف يومًا عن التحذير من خطورة البناء على الأراضي الزراعية، أو التعدي على ممتلكات الدولة، بل وضع هذا الملف على رأس أولويات الجمهورية الجديدة.
الرؤية واضحة:
لا أمن غذائي دون أرض زراعية سليمة، ولا أرض بلا حماية، ولا حماية دون رجال ينفذون القانون على الأرض، وكل من يعوق هذه المسيرة، إنما يقف ضد المشروع الوطني بأكمله، وضد إرادة الشعب المصري في العيش بكرامة وأمان لا توجد دولة تُحترم ذاتها تقبل بأن يُهان موظفها أثناء تأدية عمله، ولا يمكن أن تمر حادثة كهذه دون محاسبة سريعة ورادعة، فالعين التي ترى التعدي ولا تتحرك، تفقد شرعيتها، والمجتمع الذي يتسامح مع الاعتداء على ممثلي الدولة، يفقد قدرته على حماية نفسه.
المهندس طلعت شوقي لم يكن يدافع عن نفسه، بل عن أرض وطن، وكل موظف عام يؤدي واجبه في مواقع إزالة التعديات، أو في أي موقع من مواقع الدولة، هو جندي في معركة السيادة والتنمية، ومن يرفع يده عليه، فهو عدو للدولة، لا مجرد مخالف.
المطلوب الآن ليس فقط الدعم المعنوي، بل تحقيق العدالة السريعة والحاسمة، لتكون رادعًا لمن يفكر في تكرار الجريمة، يجب أن يعلم الجميع أن الاعتداء على موظف عام في أثناء تأدية عمله، جريمة كبرى في القانون المصري، ويُعاقب عليها بالسجن المشدد، وقد تصل إلى المؤبد إذا ترتب عليها عاهة أو خطر على حياته، فلا حماية للثروة الزراعية، ولا نجاح لخطة التنمية، ولا كرامة للجهاز الإداري، إذا لم تُفرض هيبة الدولة على الجميع.

حادثة سوهاج التي أحملها على المحافظ الحالي ما هي إلا سوى نتيجة طبيعية لبيئة ترعرع فيها ماحدث في عهده وهي جرس إنذار، لكنها أيضًا فرصة لتأكيد أن الدولة، ماضية في مسيرتها بقوة وعزيمة لا تلين، الاعتداء على موظف عام لن يكسر إرادة الدولة، بل سيزيدها تصميمًا على اجتثاث التعديات، وملاحقة كل من يقف في طريق القانون وليعلم الجميع: لا مكان في مصر الجديدة لمن لا يحترم القانون، ولا كرامة لمن يمد يده على ممثلي الدولة.
هيبة الدولة ليست شعارًا.. بل التزام لا يسقط بالتقادم.