ثالث الملوك بأرض الحرمين الشريفين
الملك فيصل .. قائد كتيبة معركة «النفط العربي» فى حرب 6 أكتوبر

يظل الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، ثالث ملوك المملكة العربية السعودية، واحدا من أبرز الشخصيات العربية التى خلدها التاريخ المعاصر، عندما تصدر الحملة الداعية إلى قطع النفط العربى عن كل الدول الداعمة لإسرائيل وعلى رأسها أمريكا خلال حرب أكتوبر 1973.
تولى الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود الحكم عام 1964، بعد أخيه الملك سعود بن عبدالعزيز، وظل طيلة 11 عامًا قبل استشهاده عام 1975، معروفا بمواقفه في الدفاع عن قضايا العرب، وتوحيد الكلمة، وحمل لواء التضامن الإسلامي.
ولد الملك فيصل في مدينة الرياض عام 1906، وهي الفترة التي انتصر فيها والده على خصمه ابن رشيد في معركة «روضة مهنّا»
تعلّم الملك فيصل قراءة القرآن في عمر مبكر وأتمها في التاسعة من عمره، وتأسس في العلوم الدينية على يدي جده لأمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف آل الشيخ، وأخذ من والده المؤسس علوم الفروسية والرماية والسياسة، حيث عُرف الملك فيصل بالشجاعة والكياسة والفطنة منذ طفولته.
سافر إلى أوروبا للمرة الأولى عام 1919، وبعد عودته اكتسب خبرة العمل السياسي والعسكري والدبلوماسي، حيث ترأس الملك فيصل عددًا من الوفود التي مثلت السعودية في مناسبات وزيارات رسمية، إلى بريطانيا نيابة عن والده تلبية لدعوة من الملك "جورج الخامس" للمشاركة في احتفالات الانتصار في الحرب العالمية الأولى، ثم زار بعدها فرنسا ثم بلجيكا، ودامت رحلته نحو 6 أشهر، وكان بذلك أول فرد من آل سعود يزور أوروبا الغربية، وبدأ من خلال هذه الرحلة مسيرته الممتدة في الشؤون الخارجية.
يُعد الملك فيصل بن عبدالعزيز أول من تولى منصب وزير الخارجية، وكان الأطول عهدًا فيها، إذ امتدت فترته نحو 45 عامًا، فمنذ أن أصدر الملك عبدالعزيز مرسومًا ملكيًا بتحويل مديريّة الشؤون الخارجية، إلى وزارة الخارجية، تعين الملك فيصل وزيرًا لها، وكان حينها في عمر 25 عامًا، وبقي وزيرًا للخارجية حتى وفاته.
مبايعة الملك فيصل
بعد وفاة الملك عبدالعزيز عام 1953، بُويع ابنه الأمير سعود بن عبدالعزيز ملكًا للمملكة العربية السعودية، وبُويع الأمير فيصل وليًّا للعهد وتولى رئاسة مجلس الوزراء، فشرع في استحداث وظائف تشمل أعمال الدولة بأسرها بوصفه رئيسًا لمجلس الوزراء ورئيسا لمجلس الشورى، واحتفظ الأمير فيصل بمنصبه وزيرًا للخارجية.
وفي 24 مارس 1958، سَلّم الملك سعود جميع صلاحياته إلى الملك فيصل بموجب مرسوم ملكي، فباشر فيصل مهماته الجديدة.
طلب الملك فيصل من القادة العرب ضرورة تجاوز الخلافات في مؤتمر القمة العربي الأول بالقاهرة في يناير 1964، واجتمع مع لجنة الوساطة العربية من أجل تسوية الخلاف بين المملكة ومصر، واختتم الاجتماع بالإعلان عن عودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
وعُقد مؤتمر القمة العربية الثاني في مدينة الإسكندرية 1964 من أجل بحث الخطوات التنفيذية لمواجهة إسرائيل، وترأس الملك فيصل هذا المؤتمر، وأعلن فيه تبرع المملكة بمبلغ مليون جنيه مصري لإقامة جيش التحرير الفلسطيني، وأعقب المؤتمر إعلان ما عُرف بـاتفاق الإسكندرية في 14 سبتمبر 1964، الذي أكدت فيه المملكة ومصر حل الخلافات القائمة حول اليمن ومنع الاشتباكات المسلحة.
تم مبايعة الملك فيصل ملكًا في 1 نوفمبر 1964، إثر تنازل الملك سعود عن الحكم، فكانت سنوات حكم الملك فيصل حافلة بالإنجازات للارتقاء بحياة المواطن السعودي، فى مجالات التعليم والصحة كما اهتم بتقوية الاقتصاد الوطني، وتبوأت المملكة المركز الأول عالميًا في تصدير النفط .
وأمام الصراع العربي الإسرائيلي برز دور المملكة خلال هذه المرحلة، وأصبحت عنصرًا فاعلاً في الساحة العربية والإسلامية، وكان من أكثر القادة العرب وضوحًا في الرؤية وسدادًا في الرأي، وأثناء حرب يونيو 1967 أعلن الملك فيصل تأييده ودعمه للدول العربية المعتدي عليها، وكان أول من أرسل قوات عسكرية إلى الأردن، وأعلن التعبئة العامة في المملكة، وأبدى استعداد المملكة لخوض المعركة إلى جانب الدول العربية .
معركة النفط العربي
أعلن الملك فيصل في 10 يونيو 1967، إيقاف ضخ النفط السعودي إلى كل من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية لمساندتهما إسرائيل، دعما للجبهة العربية.
وفي أكتوبر 1973، أدى الملك فيصل دورًا بارزًا بجانب مصر وسوريا في حربهما ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ الإعداد للمعركة، وقاد فيها الضغط على الدول الداعمة لإسرائيل بتصدير النفط، وخفَّض إنتاجه بنسبة 5% شهريًا حتى تنسحب إسرائيل من الأراضي المحتلة ومع استمرار دعم الولايات المتحدة الأمريكية لإسرائيل أعلن الملك فيصل خفض إنتاج بلاده من النفط بنسبة 10%، وتبعته الدول العربية الأخرى، وبعد عدم التجاوب مع مطالب الدول العربية أصدر الملك فيصل في 19 أكتوبر 1973، بياناً يقضي بفرض الحظر الكامل لتصدير النفط إلى الولايات المتحدة الأمريكية ومعها هولندا والبرتغال وروديسيا وجنوب أفريقيا.
كانت معركة النفط التي قادها الملك فيصل متزامنة مع تحركات عسكرية لمواجهة العدوان من قبل مصر وسوريا، إضافة إلى إصدار الملك فيصل أمرًا للقوات المسلحة السعودية بالاستعداد والتحرّك إلى سوريا لدعم دول المواجهة. ونجحت هذه الحرب في صنع جبهة عربية متماسكة، كان من نتائجها أن سارعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى استخدام كل الوسائل الدبلوماسية للبحث عن تسوية للصراع العربي الإسرائيلي، وتأييد الدول الأوروبية للحق العربي، ومعها الدول الاشتراكية غير المنحازة، وظهور التضامن الأفريقي والتضامن الإسلامي بكل صوره بجانب القضية العربية.
كانت نهاية رحلة الملك فيصل في 25 مارس 1975، عندما قام الأمير فيصل بن مساعد بن عبدالعزيز آل سعود، بإطلاق النار عليه وهو يستقبل عبدالمطلب الكاظمى، وزير البترول الكويتى، في مكتبه بالديوان الملكى وأرداه قتيلاً.
ولم يتأكد حتى الآن الدافع الحقيقى وراء حادثة الاغتيال، وقد دفن الملك فيصل في مقبرة العود بالرياض، وبُويع ولي عهده الملك خالد بن عبدالعزيز ملكًا على البلاد، وعين الملك فهد بن عبد العزيز وليا للعهد.