و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

 تذكرت كلام ألبرت انشتاين ، انه لا يمكننا حل المشكلات بنفس نوع التفكير الذي أوجدناها به ، او بمعنى آخر ان سبب المشكلة لا يمكن ان يكون جزء من الحل ، المقولة تُلخص جوهر التحول الضروري لمواجهة التحديات. إنها ليست مجرد حكمة نظرية، بل مبدأ عملي ينطبق على الحياة اليومية والمعارف السياسة بل والعلاقات الاجتماعية مما لا شك فيه ان المشكلات تنشأ من أنماط تفكير أو سلوكيات معينة وبالتالي فإن استمرار تلك الأنماط يعزز الدورة الشريرة بدلاً من كسرها ، فمثلاً في الجانب الشخصي، تظهر الفكرة بوضوح في علاقاتنا تخيل شخصًا يعاني من الإدمان إذا كانت طريقة تفكيره التي أدت إلى الإدمان هي الاعتماد على الإنكار والتبرير فكيف يمكن لهذه الطريقة أن تكون جزءًا من الشفاء؟ هنا، يأتي دور التغيير الجذري: الاعتراف بالمشكلة كخطوة أولى نحو حل يتجاوز السبب الأصلي. كما يقول خبراء علم النفس، “طريقة تفكيرنا الحالية لا يمكنها حل المشكلات التي وجدت بسببها”، مما يؤكد أن التحول يبدأ بإعادة صياغة المنظور .
وعندنا الكثير من التطبيقات السياسية فمثلاً عندما اشتدّت الأزمة اليمنية فقد أكد الشاعر عبدالله الجعيدي أن “من كان جزءًا في المشكلة في اليمن لن يكون جزءًا من الحل مستقبلًا”، مشيرًا إلى ضرورة استبعاد الجهات المتورطة في النزاعات من عمليات السلام ، مطالباً استبعاد السعودية والإمارات من اي مفاوضات سلام  ، وفي الانتخابات يجب على الشعوب رفض إعادة تدوير الوجوه القديمة التي ساهمت في الفساد.
حتى في الرياضة أو الإدارة، ينطبق الأمر ، في تغريدة حديثة، قال ناشط: “من كان سببًا في المشكلة لا يمكنه أن يكون جزءًا من حلها” مشيرًا إلى ضرورة طرد المسؤولين عن فشل الفرق قبل إصلاح الوضع هذه الأمثلة تُظهر أن تجاهل هذا المبدأ يؤدي إلى حلول مؤقتة، بينما الالتزام به يفتح أبواب الابتكار.
كانت هذه مقدمة ضرورية للتعاطي مع خطة ترامب لحل النزاع في غزة ، نعم، يمكن تطبيق هذا المبدأ الفلسفي الذي ناقشناه سابقًا – والذي يُلخص بأن السبب الجذري للمشكلة لا يمكن أن يُشكل أساسًا للحل – على خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب في غزة ، خاصة في ضوء الدور التاريخي والحالي للولايات المتحدة كداعم رئيسي لإسرائيل هذا التطبيق ليس مجرد نظريًا بل يعكس جدلًا سياسيًا وعمليًا حادًا حول ما إذا كانت الخطة تمثل تحولًا حقيقيًا أم مجرد إعادة صياغة للدعم الأمريكي غير المشروط الذي ساهم في تفاقم الصراع دعونا نستعرض الأمر خطوة بخطوة مع الاستناد إلى التفاصيل المتاحة حتى الان.

نظرة موجزة على خطة ترامب


أعلن ترامب في 30 سبتمبر 2025 عن خطة سلام تشمل 20-21 نقطة رئيسية، تهدف إلى إنهاء الحرب التي دامت قرابة عامين بين إسرائيل وحماس. تشمل الخطة الرئيسية:
أولاً:إنهاء فوري للحرب وإطلاق الرهائن: إخراج جميع الرهائن المتبقين في غزة خلال 72 ساعة، مقابل وقف إطلاق نار وانسحاب إسرائيلي تدريجي.
ثانياً: إزالة حماس وإعادة التطوير: تحويل غزة إلى “منطقة خالية من الإرهاب”، مع إعادة بنائها لصالح السكان بمشاركة دول عربية ودولية في قوة استقرار مؤقتة.
ثالثاً: دور دولي مشاركة دول مثل قطر في الوساطة ودعم من دول عربية و مسلمة للتنفيذ، مع ضغط على حماس للرد خلال 3-4 أيام، وإلا ستواصل إسرائيل عملياتها.
رابعاً: الطريق نحو دولة فلسطينية: الخطة تُمهد لـ”حل الدولتين”، مع التركيز على السلام والأمن المستدام لكلا الشعبين
هذه هي عناصر خطة ترامب والتي لقيت ترحيب من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي الذي وصفها بأنها “تُمهد الطريق نحو سلام وأمن وتنمية مستدامة” كما رحب بها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش مشددًا على ضرورة وقف إطلاق النار الدائم والوصول الإنساني للمساعدات ، ومع ذلك رفضت حماس الخطة مباشرة معتبرة إياها “غير قابلة للتطبيق”، بينما يطلب قطر توضيحات حول قضايا رئيسية مثل الحوكمة.
السؤال الأهم هنا ، يتعلق بدور الولايات المتحدة ، تاريخيًا ساهمت أمريكا في تعقيد الصراع من خلال دعمها غير المشروط لإسرائيل بما في ذلك مساعدات عسكرية تصل إلى مليارات الدولارات سنويًا وفيتوهات متكررة في مجلس الأمن ضد قرارات تنتقد إسرائيل ودعمها للتوسع الاستيطاني ، في سياق غزة تحديدًا أدى هذا الدعم إلى تفاقم التوترات حيث يرى كثيرون أن السياسات الأمريكية – سواء تحت إدارات ديمقراطية أو جمهورية – ساهمت في عدم التوازن، مما جعل الصراع مستمرًا حتى في إدارة ترامب السابقة (2017-2021) نقل السفارة الامريكية للقدس ، وأدت خطة “السلام للازدهار” إلى إغضاب الفلسطينيين بتفضيلها لإسرائيل وفي 2025 أثيرت مخاوف من اقتراح سابق في فبراير يدعو إلى تهجير ملايين الفلسطينيين.
يصعب على الولايات المتحدة – كشريك رئيسي في “السبب” (الدعم غير المتوازن) – أن تكون جزءًا أساسيًا من “الحل” دون تغيير جذري في نهجها التالي:
الخطة هي جزء من استمرار أمريكا في دعم إسرائيل لانها تعتمد على ضغط أمريكي على حماس مقابل تنازلات مع الحفاظ على تحالف قوي مع إسرائيل هذا يُرى من قبل النقاد كـ”إعطاء إذن حر لنتنياهو” لاستكمال العمليات إذا رفضت حماس مما يعزز الشعور بأن أمريكا لا تزال جزءًا من الدورة الشريرة بدلاً من كسرها ، لذلك يصف بعض المعلقين الخطة بأنها “تشرع الاحتلال والتطهير العرقي” حيث تكافئ “جرائم الحرب” بدلاً من معالجة الجذور مثل الاحتلال والحصار ، حتى ان بعض الداعمين للفلسطينيين يرون في الخطة “كوميديا استعمارية” بقيادة أمريكية.
طالما أن أمريكا تظل الداعم الأول لإسرائيل دون شروط صارمة على الاحتلال أو الحقوق الفلسطينية فإن خطتها قد تكون “جزءًا من المشكلة” أكثر من كونها “الحل” ، السلام الحقيقي يحتاج إلى تحول جذري – مثل وقف المساعدات غير المشروطة ودعم دولة فلسطينية كاملة السيادة – لا مجرد هدنة مؤقتة 
ولا ننسى مذبحة صبرا وشاتيلا عام 1982، حيث سلّم مقاتلو منظمة التحرير الفلسطينية أسلحتهم في بيروت الغربية تحت ضمانات أمريكية ودولية، لكن ذلك لم يمنع ميليشيات لبنانية مدعومة إسرائيليًا من قتل آلاف اللاجئين الفلسطينيين في المخيمين على مدى 43 ساعة مما أدى إلى مقتل ما بين 1300 و3500 شخص معظمها مدنيون ، هذه الحادثة أصبحت رمزًا لعدم الثقة في الضمانات الدولية وتُستذكر اليوم كدرس قاسٍ يُذكر في رفض الفصائل الفلسطينية لنزع السلاح دون حماية حقيقية  
في السياق الحالي لعام 2025، لا توجد ضمانات دولية ملزمة وقاطعة تحمي حماس أو سكان غزة من تكرار مثل هذه الأحداث إذا سلّمت سلاحها
واخيراً فإن “سبب المشكلة لا يمكن أن يكون جزءًا من الحل” ليست مجرد عبارة بل دعوة للثورة الفكرية سواء في حياتنا الشخصية أو المجتمعية ، وبتطبيق هذا المبدأ على الخطة الامريكية فإنها ستكون سبباً لتفاقم المشكلة مع ضياع الحق الفلسطيني

تم نسخ الرابط