و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

منذ حرب اليرموك والصراع مفتوح بين العرب والمسلمين من ناحية والروم من ناحية اخرى ، مروراً بالحروب الصليبية وصولاً لسقوط الدولة العثمانية  ، وكان الانتصار الساحق للحروب الصليبية في بداية القرن العشرين ، والمنتصر كما انه يفرض شروطه فهو يفرض كل شيء على المهزوم حتى ثقافته ورؤيته التاريخية ، ومن هنا يكتسب الحديث عن نظرية المؤامرة أهميته فهو ليس مجرد وهم ، ولكن إطار لفهم احداث كبرى طالما بدت غامضة او ملتبسه.
ان نظرية المؤامرة هي تفسير يرفض الرواية الرسمية لحدث ما، ويعزو الأحداث الضارة أو المأساوية إلى أفعال مجموعة سرية قوية تتآمر لتحقيق أهداف خفية ، ويعرفها علماء علم النفس بالاعتقاد بأن مجموعة من الأشخاص أو المنظمات تتآمر سراً لتحقيق هدف شرير، مثل السيطرة على الأحداث العالمية.  هذه النظريات ليست جديدة؛ فهي موجودة منذ قرون، وتشمل أمثلة شهيرة مثل الادعاء بأن هبوط الإنسان على القمر كان مزيفاً، أو أن بعض الحكومات تتحكم في الطقس عبر “chemtrails” (آثار الطائرات)، أو حتى شكوك حول مكان ميلاد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما ، كما ان هناك قوائم مثل تلك الموجودة على النت تذكر عشرات النظريات المتعلقة باغتيالات سياسية.
وفي ظل تفسيرات تتعلق بالحرب بين العرب والمسلمين من ناحية والغرب الذي ورث الحضارة الرومانية من ناحية اخرى ، ومحاولات الغرب الحثيثة على بقاء تفوقهم مع وضع خطوط حمراء لا يجب على العرب والمسلمين تجاوزها ، بل وزراعة جسم غريب في قلب الوطن العربي - الكيان الصهيونى - وفي عالم مليء بالأحداث المعقدة والغامضة، غالباً ما يلجأ الناس إلى تفسيرات تتجاوز الروايات الرسمية. نظريات المؤامرة، التي أؤمن ببعضها بناءً على أدلة تاريخية ومنطقية، تمثل محاولة لفهم هذه الأحداث. ومع ذلك، أرى أنها لا يجب أن تتحول إلى شماعة نعلق عليها أخطاءنا الشخصية أو إخفاقاتنا الاجتماعية. في هذا المقال، سأستعرض أسباب إيماني بها، وأهمية عدم استخدامها كعذر لتجنب المسؤولية 
رغم أن الكثيرين يرفضون هذه النظريات كخيال، إلا أنني أؤمن ببعضها لأسباب نفسية ومنطقية. من الناحية النفسية، يُشير الباحثون إلى أن الإيمان بها يأتي من دوافع إبستمية (رغبة في فهم البيئة المحيطة)، وجودية (الشعور بالأمان والسيطرة)، واجتماعية (تعزيز الهوية الجماعية).  على سبيل المثال، في أوقات القلق أو عدم اليقين – مثل جائحات أو أزمات اقتصادية – يساعد الإيمان بمؤامرة على تفسير الفوضى بطريقة تبدو منطقية.  كما أن بعض النظريات مدعومة بأدلة تاريخية حقيقية، مثل مؤامرات حكومية موثقة (مثل عملية “نورثوودز” الأمريكية في الستينيات، التي كانت تخطط لعمليات وهمية لتبرير حرب).

 هذا الإيمان يعكس شكاً صحياً تجاه السلطات، خاصة في مجتمعات شهدت تاريخاً من الخداع الحكومي، كما في حالات الشكوك الناتجة عن فشل نظامي حقيقي. 
لكنها ليست شماعة لأخطائنا وإخفاقاتنا
مع ذلك، يجب ألا تكون نظريات المؤامرة عذراً لتجنب المسؤولية الشخصية أو الاجتماعية. غالباً ما يلجأ الناس إليها للحفاظ على صورة ذاتية إيجابية، حيث يعزون فشلهم أو مشكلاتهم إلى قوى خارجية سرية بدلاً من الاعتراف بأخطائهم الخاصة ، على المستوى الشخصي، قد يقول شخص فشل في عمله: “المؤامرة ضدي من قبل الزملاء”، بدلاً من النظر في نقص مهاراته ، أما إجتماعياً ففي مجتمعات تعاني من فشل اقتصادي أو سياسي يمكن أن تكون هذه النظريات رد فعل على ضرر حقيقي ، لكنها تحول دون البحث عن حلول داخلية ، دراسات نفسية تشير إلى أن أشخاصاً يعانون من البارانويا أو الاندفاع أكثر عرضة لهذا النوع من التفكير حيث يرون “أخطاء ترابطية” أو يتجاهلون الأدلة العلمية المناقضة ، على سبيل المثال، يستخدم بعض المشككين فشل الإجابات الرسمية كدليل على المؤامرة، مما يعيق التقدم. 
أمثلة واضحة تشمل كيف يعزو بعض الأفراد إخفاقاتهم المهنية إلى “مؤامرة عالمية” ضد فئتهم بدلاً من تحسين أدائهم كذلك في المجتمعات يمكن أن تبرر النظريات الفشل الاقتصادي بـ”مخططات سرية”، مما يمنع الإصلاحات الداخلية ، هذا الاستخدام يحول النظرية من أداة تحليل إلى عائق للنمو.
ولكن المنطق ايضاً يقول ان بعض الاحداث العالمية لايمكن تفسيرها بعيداً عن نظرية المؤامرة ، مع الوضع في الاعتبار اننا جميعاً بشر ولسنا آلهة فمهما كانت مؤامرة الخصوم فلن تكون سبباً للفشل إلا إذا دب اليأس في عقولنا وهذا ما يحاولون تصديره لنا ، يجب ان نتوازن بين الشك والمسؤولية 
في النهاية، أؤمن بنظريات المؤامرة كوسيلة للتشكيك في الروايات الرسمية، لكنها يجب أن تكون مدعومة بأدلة، لا شماعة للإخفاقات. الإيمان بها يمكن أن يكون صحياً إذا ساعد في فهم العالم، لكنه يصبح ضاراً عندما يمنعنا من مواجهة أخطائنا.  دعونا نستخدم الشك المنطقي لتحسين أنفسنا، لا لتبرير التقاعس. فالنجاح الحقيقي يأتي من المسؤولية الشخصية، لا من لوم الظلال السرية

تم نسخ الرابط