
في لحظات مشحونة بالعزيمة ، وفي قلب حي خان يونس في غزة ، وجنود الاحتلال يتربصون في مواقعهم المتقدمة ، مستيقظين منتبهين ومستعدين ، إذا بخمسة عشر بطل في مجموعات ثلاث ينقضون عليهم كالاسود في حرب غير متكافئة عدداً وعتادًا ، فالعدو اكثر عددا و اعقد تسليحاً والمفترض انه أمهر تدريباً، ولكن في أرضّ المعركة كان هناك خمسة عشر أسدًا مسلماً قد عاهدوا الله وباعوا له ارواحهم بأن لهم الجنة يقاتلون فيقتلون ويقتلون ، وقبلوا وعد الرحمن ومن اصدق من الله وعداً لقومٍ يوقنون ، من عاد منهم عاد منتصراً ومن مات منهم مقبلاً غير مدبرٍ فبخٍ بخٍ قد ربح البيع وأيم الله ، قتلوا من قتلوا وأسروا ما أسروا وعادوا أدراجهم وقد جمعوا أغنامهم وما أصابوا من دماءٍ وأسرى ، ان خان يونس ليست لحظات عابرة ولكنها معركة شاملة وموقعة عظيمة قلبت الموازين الميدانية والحسابات السياسية وأشعلت فتيل التغييرات الاجتماعية.
على مدى سبعين عاماً ونيف من نكبة لعدوان لنكسة ثم استنزافٍ وحتى النصر الذي حققه الجندي في الميدان تم طمسه بخيانة أسدية او معاهدة تسليمية من مذعورٍ صرح انه حارب الكيان وانتصر ولكنه لا يحارب امريكا الداعمة للكيان.
أقول على مدى هذه السنون وقد صدروا لنا ان العدو لا يهزم وانه لا قبل لنا به فهو الأعلى تدريباً والأقوى تسليحاً والأمهر تخطيطاً والأكثر نفيراً ، وكادت الشعوب العربية والمسلمة تصدق هذا الهراء حتى دب اليأس في أوصال هذه الامة التي مرضت فخرج منها الخائن والخائف والمطبع والمتبع ملتهم حتى يرضوا عنه ، وفي السابع من اكتوبر تعرى الكيان ، ولكن الإعلام المنكسر نفسياً والمهزوم فعلياً صور لنا ما فعلته حماس انتحارًا وصدروا لنا ان العقاب الاسرائيلي وداعمه الامريكي ومن خلفهم العالم الغربي سيكون مزلزلاً، وأن ما فعلته حماس هو إنتحار ، خاصةً وآلة الحرب الصهيوأمريكية دكت غزة على رؤوس قاطنيها فلم يبق فيها حجر على حجر ، والإعلام الصهيوني يصدر الانتصار الرخيص بضرب المدنيين العزل ودفن الاحياء وقتل النساء في خدورهن والأطفال في مهدهم ، والمرضى في مصحاتهم ، ويأتي معه الوعيد الأمريكي بأنه سيجعل غزة جحيم على رؤوس قاطنيها ، وأن على المقاومة الفلسطينية تسليم السلاح والاستسلام بلا قيد او لا شرط ، وسار في ركابهم الأعلام العربي ، حتى جاءت معركة خان يونس ، والتي كانت بين فريقين أحدهما قليل العدد والتسليح وكثير الايمان والآخر كثير العدد والتسليح وقليل الايمان ، الاول يحارب عن عقيدة والثاني يحارب بوسيلة ، فلمن تكون الغلبة؟
اثبتت المعركة ان الغلبة للإيمان مع ما نستطيع من اسباب
نعم تم تدمير غزة نعم تم قتل عشرات الآلاف نعم تم اغتيال الامل والحلم وحرق الزهور ولكن كل ذلك يمكن اعادة بنائه ، ان أرحام النشامى من نساء فلسطين الأبية ستحمل الأبطال كما ان قلوب الرجال تحمل الايمان ، وغداً ستتفتح زهور الامل في حقل العمل عندما يأتي ربيع النصر الحتمي على العدو الصهيوني
ان الدروس المستفادة من موقعة خان يونس كثيرة ، اثبتت ان حماس ليست حركة وان جنودها ليسوا مجموعة مسلحين ولكنها شعب ابي وجنودها جيش نظامي نعم قليل العدد والعدة ولكنه على اعلى جاهزة من التدريب وجنوده اشاوس وله قيادة تضع الخطط ويتم تنفيذها بالتزام وجديه ، وله عقيدة واضحة وتحرير ارضه ليست نزهة ولكنها عقيدة وقرت في نفوس أفراده حتى تمازجت بها ، كما اكدت على ان الايمان أقوى من السلاح ، واهم نتائجها انها صدمة إفاقة للشعوب العربية والإسلامية المهزومة إعلامياً والمنهزمة نفسياً، وبصيص امل ونور هدف ان الخزي الذي لحق بنا عقود قد شارف على النهاية ، وأظهرت الكيان عاجزاً عن حماية جنوده من القتل والأسر ، فكانت صدمة المقيمين في هذا الكيان مروعة فوق الخلاف بينهم ودب اليأس في نفوسهم وظهر الانقسام فيهم ، فرأينا شعوبهم تتظاهر وساستهم تتعارك في مجالسهم وإعلامهم أدهشته الصدمة
والان ظهر للغرب أن ما فرضه من جهل وظلم طيلة مائة عام على الشعوب العربية وأنّ ما زرعه بيننا من كيان صهيوني ، وان ما صدره لنا من هزيمة نفسية وتخاذل اعلامي ليس كافٍ ليقضي علينا ونكون عبيداً في ركابهم ، ولذلك فان معركة خان يونس ستعجل بمعركة هيرماجدون التي يروجون لها والتي في كتبهم وعقيدتهم ، فاعلموا ان موقعة خان يونس لن تمر مرور الكرام ، فنتائجها ستكون كارثية باذن الله على الكيان ، ان منظر اسود فلسطين وهم يجرون أسرى الكيان بعد المعركة كان ثالجاً لقلوب المؤمنين بنفس القدر كان خازيا لنفوس المعتدين ، مازالت الايام القادمة ستتفتق عن نتائج كثيرة لهذه الملحمة المباركة ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.