جرائم تدمير مستقبل الأطفال
التنمر على طالبة التجمع يفتح الملف وخبير يكشف دور الاسرة والمجتمع والمشرع
ظاهرة التنمر باتت أزمة تدق أجراس المدارس، لتكرار الوقائع التي تتحول الى مشاجرات تنتهي في أقسام الشرطة إلى محاضر واتهامات متبادلة، وبالأمس حررت سيدة محضرا رسميا بقسم شرطة التجمع الخامس، ضد مسؤولي إحدى المدارس الخاصة الشهيرة بمنطقة التجمع الخامس، تتهمهم فيها بالإهمال المتسبب في التعدي على ابنتها الطالبة بالصف الرابع الابتدائي والمريضة.
وأوضحت في المحضر أن مسؤولي المدرسة كانوا على علم مسبق بالحالة الصحية للطالبة منذ سنوات، حيث تتلقى علاجًا مستمرًّا، إلا أنها كانت حريصة على الذهاب يوميًّا لاستكمال دراستها بشكل طبيعي رغم ظروفها المرضية.
وأشارت إلى أنه رغم ذلك لم يحمها المسؤولون بالمدرسة من تنمر زملائها عليها، بسبب قِصر قامتها وحالتها الصحية، موضحة أن الأمر تصاعد مؤخرًا بعدما تعدى طالبان بالصف الخامس عليها بالضرب داخل الحرم المدرسي، دون تدخل من الإشراف أو المعلمين لفضّ المشاجرة.
وأضافت أنه عقب انتهاء اليوم الدراسي لذات الواقعة، قامت ولية أمر تلميذة بذات المدرسة من المشاركين في الاعتداء علي ابنتها، حيث قامت بطرحها أرضًا أمام المدرسة والاعتداء عليها بالضرب المبرح، ما تسبب في إصابتها بجروح ونزيف، وسط ذهول الموجودين.
واتهمت والدة الطفلة في المحضر مسؤولي المدرسة بالتقاعس عن التدخل في الواقعة، أو تسليم تسجيلات الكاميرات التي توثق الحادث، مشيرة إلى أن الإدارة رفضت أيضًا الإفصاح عن هوية ولية الأمر المعتدية.
وتواصل أجهزة البحث الجنائي بمديرية أمن القاهرة بجمع المعلومات والتحريات حول الواقعة وإحالتها للنيابة العامة التي تباشر التحقيقات، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية.
التنمر جريمة

هذه الواقعة ليست الأولى ولن تكون الأخيرة بسبب التنمر، فهناك وقائع أخرى تفضح ظاهرة التنمر في المدارس، وأغلبها لم يفصح عنها ولم تصل إلى أقسام الشرطة لكنها تركت في نفوس الصغار ترسبات نفسية مريرة
والواقعة السابقة تشبه حالة الاعتداء في مدرسة دولية بالقاهرة في يناير 2025، حينما نشر فيديو يظهر فيه ثلاث فتيات في مدرسة دولية بمنطقة “نيو كايرو” يقمن بالاعتداء على طالبة في الصف السادس بمدرسة «Capital International School». بسبب خلافات شخصية، فوجئت الطالبة بتعرّضها للضرب أمام زملائها أثناء وقت الفراغ.
وردّاً على الواقعة، أعلنت وزارة التربية والتعليم عن طرد الطالبات المعتديات، وإيقاف إعادة تسجيلهن للعام الدراسي التالي، كما أمرت بتوقيف المدرسة تحت الإشراف المالي والإداري، وهذه الحالة تمثل تصعيداً واضحاً من “تنمّ” إلى “اعتداء جسدي وإشكال مدرسي يتعدّى الفصل”، مما يشير إلى حاجة للتدخل القانوني والإداري.
والتنمر في المدارس لم يقف عند حد مشاجرة واعتداء جسدي فقط فهناك حالة وفاة لطالبة بعد تنمّر مستمر ، وقد توفيت طالبة في الصف الأول الثانوي بمدينة الجيزة، إثر نوبة قلبية مفاجئة نُسبت إلى الضغوط النفسية والاستمرار في التعرض للتنمّر من زملائها، وقد ورد أن زملاءها كانوا ينادونها بتعليقات مسيئة حول مظهرها وظروفها، ما أثّر سلباً على حالتها النفسية والصحية.
هذه الحالة تبرز أبعادا مأساوية للتنمّر المدرسي، وكيف يمكن أن تؤدي إلى تدهورٍ جسدي ونفسي خطير، وليس مجرد “مشاجرة” سطحية.
في نوفمبر2020، تمّ تداول مقطع فيديو يظهر فيه طالب لاجئ من جنوب السودان في إحدى مدارس مصر يتعرض للتنمّر من زملائه، تم تهديده، وسلبوه حقيبته، والواقعة لفتت الانتباه إلى أن التنمّر لا يقتصر على الزملاء الطرفيين أو المشاكل العادية، بل يمكن أن تكون له أبعاد عنصرية أو جنسية أو تتعلق بوضع الطالب الاجتماعي أو العرقي.
عدد من الدراسات والأبحاث رصدت ظاهرت النتمر في المدارس ونسبها والوقوف علىا أسبابها، فإحدى الدراسات رصدت أن نسبة “التنمر” في مدارس المحافظة (أسوان) وصلت إلى نحو 67.5% من طلاب المبحوثة، منهم 30.2% ضحايا، و29.8% “معتدون–ضحايا”.
ووجدت دراسة أخرى أن بين طلاب المدارس الابتدائية والمعدّية في محافظتي طنطا وغرب الدلتا، بلغت نسبة التنمّر البدني 53.1%، والتنمر اللفظي 49.8%، والتنمر عبر الإنترنت 23.2% في 2024
ومن حيث العوامل الاجتماعية، دراسة حديثة بجامعة عين شمس أشارت إلى أن “بيئة أسرية سلبية” بمعنى (التعرض للإهانة أو لغة عنيفة داخل البيت) ترتبط بدرجة كبيرة بوقوع الطالب كمعتد أو ضحية في التنمر، وأن ضعف المهارات الاجتماعية والعاطفية لدى بعض الطلاب مثل عدم القدرة على احترام القواعد الاجتماعية أو إدراك ردود الفعل العاطفية – كانت مرتبطة بأنماط التنمر.
دور الأسرة والمدرسة
من جانبها حذرت الدكتورة عزة فتحي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، من خطورة ظاهرة التنمر داخل المدارس لأنها يمكن أن تتطوّر إلى اعتداءات جسدية، مشاجرات، أو حتى تهديدات قانونية أو تدخل الشرطة أو الإبعاد من المدرسة، موضحة أن هناك أمثلة كثيرة على هذا الامر
وأشارت استاذ علم الاجتماع إلى أن الطلاب الذين يمارسون التنمر ربما يتجهون لاحقاً إلى سلوك عدائي اجتماعي والضحايا قد يواجهون آثارا مستمرة في الصحة النفسية.
وشددت على أن مواجهة ظاهرة التنمّر تتطلب تدخلا مؤسسيا من المدرسة، الأسرة، وسائل الإعلام، والقانون وليس فقط معالجة فرديّة.

وأكدت على ضرورة تفعيل برامج التوعية المدرسية من خلال حملات داخل المدارس لتعريف الطلاب بمفهوم التنمر، وآثاره وسبل الإبلاغ عنه، وتدريب المعلمين والمرشدين من خلال تعزيز قدرة المعلمين في التعرف المبكر على حالات التنمر، والتدخل وإعادة التأهيل للضحايا والجناة.
وطالبت بإشراك الأسرة لأن دور الأسرة مهم في بناء أو تقويض سلوك التنمر مثل استخدام العنف بالمنزل أو لغة الإهانة.
وشددت على ضرورة تشريع وإنفاذ القوانين لأن التنمّر أصبح يتخذ طابعا جنائيا في بعض الحالات مثل طرد الطلاب، إحالتهم للشرطة أو النيابة، وإطلاق حملات إعلامية تذكر بأن التنمّر “جريمة”.








