أربع سنوات من الإنتظار… وقرار جامعي معطّل
أربع سنوات مرّت على صدور قرار مجلس جامعة الأقصر بإنشاء كليتي الزراعة والطب البيطري بمدينة إسنا عام 2021، رغم اعتراضات محدودة من بعض أعضاء المجلس آنذاك من أبناء الإقليم. ومنذ ذلك الحين، ظل القرار حبيس الأدراج دون أي تحرك فعلي من الإدارات الجامعية المتعاقبة، حتي مايو 2025، وبعد ضغط شعبي متزايد، خاطبت الجامعة وزارة الزراعة مقترحة إنشاء كلية الزراعة والتصنيع الزراعي، مع طلب ضم محطة البحوث الزراعية بكامل إمكانياتها المادية والبشرية، وتخصيص مساحات واسعة من الأراضي لتكون مزارع تعليمية للطلاب. إلا أن الطلب قوبل بالرفض من ناحية الشكل، رغم الترحيب بالفكرة من حيث المبدأ، إذ رأت الوزارة أنه من غير المنطقي ضم أصول وبشر ومساحات تتجاوز ٨٠٠ فدان دفعة واحدة..!
وزارة الزراعة… ترحيب بالفكرة وتحفّظ على الآلية
وباعتبار أن إنشاء كلية الزراعة مطلب مجتمعي ملحّ في محافظة الأقصر، وأن الدولة تشجع التعاون بين مؤسساتها بما يخدم المجتمع ويتماشى مع توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، جاء رد وزارة الزراعة داعمًا للفكرة، مع التأكيد على ضرورة إعادة النظر في موقع المشروع بما لا يؤثر على الدور الحيوي لمراكز البحوث الزراعية.
وفي منتصف يونيو الماضي من العام الجاري ، أرسلت وزارة الزراعة وقطاع مراكز البحوث الزراعية استعدادها للتعاون الكامل، مع جامعة الأقصر وقدمت خطوطًا واضحة للجامعة، أبرزها: تقديم طلب محدد بمساحة مناسبة لتدريب الطلاب، الإستفادة من المعامل والمواقع التابعة لمحطة البحوث، صياغة إطار قانوني سليم ، توجيه الطلب عبر وزير التعليم العالي إلى وزير الزراعة.
ورغم ذلك، مرّت نحو ستة أشهر على هذه المكاتبات دون أي تحرك من إدارة الجامعة الحالية برئاسة الدكتورة صابرين جابر، التي كانت قد تبنّت ملف إنشاء الكليتين ضمن برنامجها عند الترشح لرئاسة الجامعة قبل أكثر من عامين.
جنوب الصعيد… مطالب مؤجلة رغم الدعم السياسي
تحقيق مطالب ظلّت لسنوات طويلة في طيّ التجاهل بات ضرورة ملحّة، خاصة في جنوب الصعيد الذي ينتظر إنصافًا حقيقيًا في ملف التعليم الجامعي. ورغم الدعم الكبير الذي تقدمه الدولة للجامعات الحكومية، وحرص القيادة السياسية على تمكينها من أداء رسالتها الأكاديمية والمجتمعية، ما زالت بعض القرارات الحيوية غير مفعّلة.
وتؤكد الدولة دائمًا أهمية التوسع في إنشاء كليات جديدة تغطي التخصصات المطلوبة لسوق العمل، وتواكب احتياجات المرحلة الراهنة، عبر كليات غير تقليدية تسهم في بناء الإنسان وتنمية المجتمع. ومع ذلك، لا تزال بعض المناطق – وعلى رأسها جنوب الصعيد – تنتظر ترجمة هذه الرؤية إلى واقع ملموس.
إسنا… نصف المحافظة وإمكانات مهدرة
مدينة إسنا، التي تمثل نصف محافظة الأقصر، تمتلك كل المقومات اللازمة لإنشاء كليات عملية تخدم البيئة المحلية. فالمساحات الزراعية الشاسعة، وأصول الدولة غير المستغلة مثل أراضي ومباني مركز البحوث الزراعية بالمطاعنة، إلى جانب مصانع تجفيف الخضروات والفاكهة، ومشروعات تنمية الأراضي الصحراوية، واستعادة الدور الزراعي التاريخي للمنطقة… كلها تمثل فرصة ذهبية لإنشاء كليتي الزراعة والطب البيطري، بما يحقق طفرة تعليمية وتنموية حقيقية.
ويرى الأهالي أن استغلال هذه الأصول ليس مجرد مطلب تعليمي، بل خطوة استراتيجية لإحياء موارد الدولة المهدرة، وخلق فرص عمل، وتطوير القطاع الزراعي والبيطري في المنطقة.
جامعة الأقصر… حلم تحقق وينتظر استكماله
جامعة الأقصر كانت يومًا حلمًا بعيدًا، ثم أصبحت واقعًا بعد انفصالها عن جامعة جنوب الوادي. واليوم، يطمح أبناء المحافظة إلى أن تستكمل الجامعة مسيرتها لتصبح منارة للمعرفة والإبتكار، ذات تصنيف عالمي متقدم، تساهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفق رؤية مصر 2030.
لكن هذا الطموح يصطدم بجمود إداري يحتاج إلى إرادة حقيقية لإحياء مشروع إنشاء كليتي الزراعة والطب البيطري في إسنا، وإعادة فتح الملف بما يليق، مع الاستعانة بخبرات أساتذة كليات الزراعة بالجامعات المصرية، وأهل القانون في صياغة الطلبات والمقترحات، ومخاطبة الوزارات المعنية بما يحقق المصلحة العامة بعيدًا عن أي اعتبارات شخصية.
رسالة إلى صُنّاع القرار
تحقيق نهضة تعليمية في الأقصر لن يتم إلا عبر: تفعيل التكامل بين الجهات المعنية، الاستغلال الأمثل لأصول الدولة غير المستغلة، تنفيذ القرارات الجامعية المؤجلة، الاستجابة لاحتياجات المجتمع المحلي، الإلتزام بتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بشأن الاستغلال الأمثل لأصول الدولة، وإنشاء كليات تلبي احتياجات المجتمع وتخدم أبناءه.
وأخيرا وليس آخرا بات ملف انشاء كلية الزراعة في إسنا ليس مجرد مشروع جامعي، بل هو قضية تنموية تمس مستقبل آلاف الشباب، وتعيد الحياة إلى أصول حكومية مهملة، وتضع الأقصر على طريق جامعات المستقبل.
وبين قرار صدر… وحلم ينتظر التنفيذ، يبقى السؤال الذي يفرض نفسه: متى يصدر قرار انشاء كلية الزراعة بإسنا؟
