و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

سوهاج وطما تحديدا، التي ظلمت في نوابها، ليست استثناء من القاعدة، بل مرآة صادقة لواقع صار فيه المقعد البرلماني أقرب إلى سلعة منه إلى أمانة، البرلمان، الذي يفترض أن يكون بيت العقل والتشريع، تحول في كثير من الأحيان إلى قاعة انتظار للمال، حيث يدخل من يملك القدرة على الدفع، ويخرج من يملك القدرة على التفكير، هنا، لا يسأل المرشح عما يعرف، بل عما يملك، ولا يقاس وزنه بما يحمل من علم، بل بما تحمله جيوبه من أوراق نقدية.

في هذا المشهد، انسحب العلماء والمثقفون بهدوء، ليس عجزا ولا تقاعسًا، بل احتجاجًا صامتًا على لعبة لا تشبههم، فهم يدركون أن معركة تحسم بالمال لا مكان فيها للكتاب، ولا للخبرة، ولا للعقل النقدي، تركوا الساحة لمن يظن أن الديمقراطية لوحة إعلانات، وأن السياسة فن الظهور لا فن القرار، وأن خدمة الناس تبدأ بصورة وتنتهي بشعار.

المال لم يعد وسيلة للوصول فقط، بل صار لغة الخطاب، وأداة التأثير، وبوصلة القرار، ومع هذا التحول، تغير شكل النائب ودوره؛ لم يعد مشرعا بقدر ما أصبح مدير حملة دائمة، يحسب خطواته بميزان المصالح، لا بميزان الصالح العام، وحين تغيب المعرفة، يصبح التشريع ارتجالا، وتتحول القوانين إلى نصوص بلا روح، لا تمس واقع الناس ولا تعالج أزماتهم.

أما التأهيل النفسي والسلوكي، فغالبا ما ينظر إليه باعتباره تفصيلًا زائدًا، رغم أن البرلمان ساحة ضغط واختبار دائم للاتزان والوعي، النائب الذي لا يمتلك قدرة على ضبط نفسه، ولا على إدارة الخلاف، يصبح عبئًا على المؤسسة لا إضافة لها، ويتحول حضوره إلى حركة بلا أثر، وكلام بلا معنى.

وفي هذا المشهد، يظهر عنصر آخر شديد الأهمية: المظهر الاجتماعي والنظرة العامة للنائب، للأسف، كثير من المرشحين على الكرسي  يفتقرون إلى الحد الأدنى من المظهر والوقار الذي يليق بمن يمثل المواطنين، الملابس اختيارها بلا ذوق، حركة الجسد مرتبكة، وانطباعهم العام يبعث على الاشمئزاز أكثر منه على الثقة المظهر الذي من المفترض أن يكون انعكاسًا للجدية والمسؤولية، صار مرآة للارتباك والفوضى، حتى أن المشاهد الذي يتعامل معهم يجد نفسه يتساءل: هل هذا من يمثلنا؟ أم مجرد شخص يقف على كرسي بفضل المال والظهور فقط؟.

عندما يحل المال محل الكفاءة، تتحول الديمقراطية من أداة بناء إلى أداة استنزاف، لا تنهار الأمم بالاستبداد وحده، بل أحيانا بسوء الاختيار، حين يختزل الصوت في صفقة، والمقعد في غنيمة، والمؤسسة في واجهة، عندها، لا يكون الظلم واقعًا على الأفراد فقط، بل على المكان نفسه.

طما، في هذا السياق، دفعت ثمنًا باهظا، لم تظلم لأنها تفتقر إلى العقول، بل لأنها لم تُمنح تمثيلًا يعكس ثقلها الحقيقي، غابت عنها الكفاءة، وحضر عنها المال، فخرجت القرارات بلا عمق، والتشريعات بلا أثر، والتمثيل بلا روح.

ليس المطلوب مثالية، ولا ادعاء الطهر السياسي، بل حد أدنى من العدالة في الاختيار، واحترام لعقل الناخب، وإعادة الاعتبار لفكرة أن النيابة مسؤولية لا صفقة، فحين يعود العقل إلى البرلمان، يعود معه الأمل، وحين يغيب، تبقى الكراسي… فارغة المعنى، وإن كانت مشغولة بالأشخاص.

سوهاج تستحق تمثيلًا جادًا، بمظهر يليق بالمسؤولية، وبسلوك يعكس التأهيل النفسي والمعرفي، بعيدًا عن الانطباعات السيئة والظهور الفارغ، فحين يغيب الشكل والجوهر معًا، تتحول الديمقراطية إلى مسرحية هزلية، والنواب إلى واجهات فارغة، لا أكثر ولا أقل.

كيف يمكن أن يتلقى مسؤول طلبات الناس من أشخاص يفتقرون إلى الحد الأدنى من الفهم والمعرفة؟ كيف يمكن أن يفهموا مشاكل المواطنين، أو يفسروا مطالبهم بطريقة عقلانية؟ المشهد يصبح أكثر وضوحًا حين تتذكر موقفًا حدث لي شخصيًا، حين رفض محافظ مقابلتهم، وكان لديه كل الحق في ذلك؛ فهؤلاء النواب لم يكونوا مجرد ناقلين لمشكلات المواطنين، بل عبئًا يضيع الوقت، ويزيد الفوضى، ولا يقدم أي نفع حقيقي. 
كل كلمة يقولونها كانت بلا جدوى، وكل طلب يقدّمونه كان يتصادم مع أبسط قواعد العقل والعمل، ليبقى المسؤول مضطرًا لتحمل سلوك غير مسؤول، وتأجيل أو تجاهل ما يُطلب منهم، لأن التعامل معهم أصبح استنزافًا للوقت والجهد، أكثر من كونه خدمة للناس.

ولا تنتهي المفارقات عند حدود المظهر وسطحية المعرفة، بل تتجاوزها لتصل إلى اقتراحات غير واقعية بالكامل، أتذكر موقفًا من أحد النواب، حين طالب محافظ أسيوط بإنشاء مترو داخلي في المدينة، فكرة تتجاوز أي تصور واقعي للبنية التحتية، وتفتقر إلى أبسط معايير التخطيط والجدوى الاقتصادية.

هذا المطلب ليس مجرد اقتراح بلا أساس، بل يعكس بشكل صارخ غياب الفهم للقوانين، التخطيط، والقدرة على تقييم الواقع، ويجعل المسؤول أمام معضلة حقيقية: كيف يمكن التعامل مع مثل هؤلاء؟ كيف يُتوقع أن ينقلوا مطالب المواطنين بوعي وحكمة، بينما يقترحون مشاريع بعيدة عن الإمكانات والمنطق؟ المسؤول مجبر هنا على رفض أو تجاهل هذه الطلبات، ليس لأنه غير راغب في الخدمة، بل لأن أي محاولة للتعامل معها ستضيع وقته، ولن تقدم أي نفع للمواطنين، بل ستضيف عبئًا جديدًا على المؤسسة.

في طما، يظهر عماد الجيلاني كخيار استثنائي ومؤهل بحق، من وجهة نظري، هو المرشح الأنسب الذي يستحق الثقة والدعم، وأنا لا أرى أي مرشح آخر يمتلك نفس المستوى من الجدية والكفاءة والخبرة العملية، وهو الخيار الواضح لمن يسعى إلى تمثيل حقيقي ومؤثر في البرلمان.

تم نسخ الرابط