و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع

مليون طن من الغلال

من الفراعنة إلى العصر الحديث تطور صوامع القمح في مصر

موقع الصفحة الأولى

على مدار آلاف السنين، شكل القمح حجر الزاوية في حياة المصريين، وامتدت أهمية تخزينه لتصبح قضية استراتيجية لضمان الأمن الغذائي. بدأ المصريون القدماء بابتكار الصوامع لتخزين الغلال وحمايتها من التلف، وكانت هذه الصوامع غالبًا مصنوعة من الطين أو الحجر، تُبنى بجوار المعابد والمخازن الملكية في مناطق مثل الفيوم والأقصر وسقارة. وقد عُثر على نقوش جدارية في مقابر مثل مقبرة الوزير «رخ مي رع» في طيبة تُظهر عمليات وزن وتخزين الحبوب بدقة متناهية، ما يعكس الاهتمام الكبير بالحفاظ على الغذاء وضمان توزيعه بشكل منظم.

مع مرور العصور، تطورت أساليب التخزين وأشكال الصوامع. في العصرين اليوناني والروماني، ظهرت المخازن الحجرية المقببة التي تم تصميمها بتهوية محسنة لحماية الحبوب من الرطوبة والحشرات، كما تم إنشاء صوامع قرب الموانئ لتسهيل تصدير الغلال والتجارة الدولية. وفي العصور الإسلامية، برزت ما عُرف باسم «البيادر» و«الخانات» لتخزين الغلال المخصصة للزكاة وبيت المال، وكانت تُدار بنظام دقيق يضمن جودة الحبوب وتوزيعها بشكل منظم على السكان.

مع دخول القرن العشرين، اعتمدت مصر على الشون الترابية المفتوحة لتخزين القمح، لكن هذه الطريقة كانت معرضة للتلف بفعل العوامل الجوية والحشرات، ما تسبب في فقدان كميات كبيرة من الحبوب كل عام، الأمر الذي دفع الدولة لاحقًا لتبني أساليب أكثر حداثة في التخزين.

في عام 2014، أطلقت الحكومة المصرية المشروع القومي للصوامع، الذي يُعد نقلة نوعية في منظومة تخزين القمح بالغلال، باستخدام أحدث التقنيات الحديثة للحفاظ على الجودة وتقليل الفاقد. وتم إنشاء نحو 75 صومعة معدنية حديثة موزعة على 17 محافظة، مما رفع السعة التخزينية الإجمالية من 1.2 مليون طن قبل المشروع إلى أكثر من 3.6 مليون طن في 2023.  وبلغت تكلفة الصومعة الواحدة بسعة حوالي 60 ألف طن نحو 68 مليون جنيه، وبعض الصوامع الأكبر التي تصل سعتها إلى نحو 90 ألف طن بلغت تكلفتها نحو 300 مليون جنيه. كما حصلت الشركة القابضة للصوامع والتخزين على قرض من البنك الدولي بقيمة 110 مليون دولار لتطوير المشروع وربط الصوامع بمنظومة رقمية موحدة.

الصوامع الحديثة

 تهدف هذه الصوامع الحديثة إلى تقليل الفاقد الذي كان يصل إلى نحو 10–15% سنويًا في المخازن التقليدية، حيث تم استخدام تقنيات حديثة تشمل خلايا تخزين مزوّدة بأجهزة وزن الشاحنات، أجهزة تنقية الحبوب، نظام استخلاص الغبار، وأنظمة تحكّم بدرجات الحرارة والرطوبة متصلة بالرقمنة، ما ساهم في خفض الفاقد إلى أقل من 1.5% سنويًا.

كما تشمل خطة التطوير المستقبلية زيادة السعة التخزينية إلى نحو 6 مليون طن بحلول عام 2030، من خلال إنشاء وحدات إضافية بسعة نحو 1.4 مليون طن حتى 2027، ثم 1.2 مليون طن إضافية حتى 2030، لتعزيز قدرة مصر على تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح. وتم تنفيذ مشاريع صوامع موانئ لتسهيل استيراد القمح، مثل مشروع صوامع ميناء بورسعيد بسعة نحو 100 ألف طن بالتعاون مع شركات دولية، بالإضافة إلى مشروع «مجمع عرب العليقات لصوامع محافظة القليوبية» بسعة 90 ألف طن باستخدام تقنيات تحكّم إلكترونية متطورة.

اليوم تمثل الصوامع الحديثة امتدادًا لمسيرة تاريخية طويلة بدأت منذ عهد الفراعنة، حيث تجمع بين الإرث الحضاري والابتكار التقني، لتصبح ركيزة أساسية في تحقيق الأمن الغذائي، وتوفير مخزون استراتيجي مستدام من القمح. ويؤكد خبراء الزراعة والاقتصاد أن هذا المشروع يعكس رؤية الدولة في تحويل إدارة الغذاء إلى منظومة علمية متكاملة، قادرة على مواجهة تحديات النمو السكاني والتغيرات المناخية. 

تم نسخ الرابط