وسط تحديات مائية ومناخية
استعدادات مكثفة لزراعة القمح والحكومة تستهدف 10 ملايين طن في 2025

تستهدف مصر حصاد نحو 10 ملايين طن من القمح في موسم 2025/2026، من خلال زيادة المساحات المنزرعة إلى 3.6 مليون فدان، وتحسين إنتاجية المحصول بنسبة تتراوح بين 3 و5% مقارنة بالعام السابق. وتُسهم مشروعات استصلاح الأراضي، مثل الدلتا الجديدة وتوشكى، في تعزيز الإنتاج المحلي من خلال إضافة 150 ألف فدان جديدة، بما يقلل الاعتماد على الواردات بنسبة تقارب 10%.
ويُعد القمح المحصول الاستراتيجي الأهم في مصر، إذ يصل متوسط استهلاك البلاد السنوي إلى حوالي 20 مليون طن، يُخصص منها نحو 9 ملايين طن لإنتاج الخبز المدعوم الذي يدعم أكثر من 62 مليون مواطن، ما يجعل تأمين مخزون كافٍ من القمح قضية أمن قومي. وتكلف فاتورة استيراد القمح مصر مليارات الدولارات سنويًا، غير أن جهود الحكومة ساعدت في رفع الإنتاج المحلي إلى 10 ملايين طن عام 2023، بزيادة بلغت 8% مقارنة بعام 2014.
ورغم هذه الجهود، تواجه مصر تحديات كبيرة في زراعة القمح، يأتي في مقدمتها محدودية الموارد المائية، حيث يعتمد المحصول على كميات كبيرة من المياه في وقت تعاني فيه البلاد من عجز مائي متزايد، وتراجع نصيب الفرد من المياه إلى ما دون خط الفقر المائي العالمي.
إلى جانب ذلك، تفرض التغيرات المناخية ضغوطًا متزايدة على الزراعة، إذ تؤدي موجات الحر الشديدة والجفاف وارتفاع درجات الحرارة إلى تقليل الإنتاجية والإضرار بجودة التربة، كما تغير من مواعيد الزراعة وتحد من ملاءمة بعض المناطق لزراعة القمح.
كما تشكل الأمراض والآفات الزراعية تحديًا خطيرًا، خاصة أمراض الأصداء بأنواعها المختلفة (الأصفر، البني، الأسود) التي تؤثر على جودة الحبوب وتسبب خسائر فادحة إذا لم تتم مكافحتها مبكرًا.
وتواجه الزراعة كذلك ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج مثل الأسمدة والوقود والمبيدات، ما يزيد من تكلفة زراعة الفدان ويضع أعباءً إضافية على كاهل المزارعين، الأمر الذي قد يدفع بعضهم للعزوف عن زراعة القمح.
ويُضاف إلى ذلك غياب الدورة الزراعية الملزمة، حيث لا يلتزم كثير من المزارعين بنظام تدوير المحاصيل بما يحافظ على خصوبة التربة، مما ينعكس سلبًا على إنتاجية الفدان على المدى الطويل.
أما تفتت الحيازات الزراعية، فهو تحدٍ آخر يعيق تطبيق نظم الزراعة الحديثة، حيث يمتلك غالبية المزارعين مساحات صغيرة لا تسمح بالاستفادة من التقنيات المتقدمة أو تقليل تكلفة الإنتاج.
كما أن المنافسة مع المحاصيل البديلة تُعد عاملًا مهمًا، إذ يتجه بعض المزارعين إلى محاصيل تحقق عائدًا أكبر مثل الفاصوليا وبنجر السكر، ما يقلل من المساحات المزروعة بالقمح.
تحديات وأزمات
إلى جانب التحديات الداخلية، تتأثر مصر أيضًا بـ الأزمات العالمية وتقلبات أسعار الحبوب، حيث تعتمد البلاد على استيراد جزء من احتياجاتها، ما يجعلها عرضة لاضطرابات سلاسل التوريد وارتفاع الأسعار عالميًا بسبب النزاعات أو الأزمات الاقتصادية.
وفي مواجهة هذه التحديات، ركزت الدولة على رفع إنتاجية المحصول عبر التعاون مع مراكز البحوث الزراعية لاستنباط أصناف مقاومة للتغيرات المناخية، ارتفع معها متوسط إنتاجية الفدان إلى نحو 20 إردبًا (ما يعادل 3 أطنان تقريبًا). كما تم التوسع في نظم الري الحديث، خاصة الري بالتنقيط، للحد من الهدر في المياه، إضافة إلى دعم المزارعين بأسعار توريد تنافسية بلغت 2200 جنيه للإردب مع صرف المستحقات خلال 48 ساعة فقط.
إلى جانب ذلك، يمثل المشروع القومي للصوامع ركيزة أساسية لحماية المحصول وتقليل الفاقد الذي كان يصل سابقًا إلى 15%. وقد ارتفعت السعة التخزينية للأقماح إلى نحو 5 ملايين طن، مقارنة بـ1.2 مليون طن فقط قبل عام 2014، بفضل إنشاء أكثر من 80 صومعة حديثة موزعة على معظم المحافظات.
وتبرز مشروعات الاستصلاح الكبرى كركيزة لزيادة الإنتاج، إذ يسعى مشروع توشكى إلى زراعة 750 ألف فدان، أنتجت منها المنطقة 550 ألف طن في موسم 2022. كما يعمل مشروع الدلتا الجديدة على استصلاح 400 ألف فدان إضافية، فيما ساهمت مناطق شرق العوينات والفرافرة في إدخال أنظمة ري متطورة لزراعة القمح.
وبفضل هذه الإجراءات، انخفضت واردات مصر من القمح بنسبة 31% خلال العام الجاري، إذ استوردت 4.9 مليون طن فقط مقارنة بـ7.1 مليون طن العام الماضي، مما وفر مليارات الدولارات من النقد الأجنبي. هذا التراجع يعكس نجاح الدولة في السير نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي أو شبه الاكتفاء الذاتي من المحصول الاستراتيجي، رغم التحديات المائية والمناخية وتزايد عدد السكان.
ويؤكد خبراء الزراعة أن استمرارية التوسع في استصلاح الأراضي وزيادة المساحة المزروعة، مع الالتزام بالتوصيات العلمية واستخدام التقاوي المعتمدة، يمثل الطريق نحو تعزيز الأمن الغذائي لمصر، وتقليل الاعتماد على الاستيراد الخارجي.