لعنة الفراعنة تطارد الوزير
آخرها سقوط «كورنيشة» المتحف وسرقة لوحة بسقارة .. «الآثار» قطاع الأزمات المستمرة

لم يستفيق وزير السياحة والآثار شريف فتحي من واقعة سرقة الاسورة الذهبية التاريخية من المتحف المصري حتى تتوالت الأزمات حوله بواقعتين أسوأ من سابقتها، وهي اختفاء لوحة أثرية من سقارة، وسقوط "كورنيشة" سقف القاعة الكبرى بالمتحف المصري بالتحرير .
واستنكر العديد من رواد السوشيال ميديا الأزمات التي تطارد وزارة السياحة والآثار بشكل متوالي ، فيما وصفها البعض أنها لعنة الفراعنة تطارد الوزير خاصة بعد واقعة اختفاء أسورة من متحف التحرير، اختفاء لوحة أثرية من سقارة، ليصبح عام 2025 هو عام أزمات الآثار بحق، وعبر التقرير التالي نستعرض أبرز الأزمات التي ضربت قطاع السياحة والآثار خلال الفترات الأخيرة
ففي أكتوبر2025 فقدان لوحة أثرية، أكدت وزارة السياحة والآثار على خبر فقدان لوحة حجرية من مقبرة خنتي كا وهي ضمن المجموعة الجنائزية للملك تتي، في سقارة، وتسمى اللوحة بلوحة الفصول الأربعة.
في سبتمبر 2025، كانت واقعة فقدان أسورة أثرية ، حيث فوجئ المصريون بخبر اختفاء أسورة ذهبية أثرية تعود للملك آمون إم أوبت من المتحف المصري في التحرير، وهي الواقعة التي كشفت الداخلية ملابساتها حيث بيعت الأسورة مقابل ثمن بخس لأحد تجار الذهب، الذي قام بصهرها، لنفقد بذلك الأسورة للأبد.

وفي أكتوبر 2025، أكدت مصادر بالمتحف المصري في التحرير سقوط جزء من كورنيشة السقف بالقاعة الكبرى في الدور الثاني بالمتحف المصري بالتحرير نتيجة أعمال الصيانة الجارية.
وفي مايو 2025 واقعة تسرب مياه في المتحف اليوناني روماني بالإسكندرية اليوم، حيث فوجئ العاملون في المتحف، بتسرب مائي بأحد المخازن الأثرية في المتحف، حيث بدأت الوقائع قبل ساعات عندما توجهت إحدى اللجان إلى المخزن L2 لإجراء عملية جرد للقطع الموجودة في المخزن، وعند فتح الأبواب فوجئوا بوجود تسريب مائي.
وفي يونيو 2025، تم تأجيل افتتاح المتحف الكبير، وهي من أكبر الأزمات التي واجهت وزارة السياحة والآثار هو تأجيل افتتاح المتحف المصري الكبير عدة مرات، والمفارقة ان كلها أسباب خارجية، حيث أن المتحف جاهز للافتتاح منذ نهاية 2024م، ولكن تأجل بسبب الظروف الدولية الغير مواتية.
وفي أغسطس 2025، اندلع حريق في الكافيتريا المواجهة لمقبرة الملك توت عنخ آمون في الأقصر، ونتج عن الحريق احتراق الكافيتريا بالكامل، وقد تحركت قوات الدفاع المدني بسرعة وإتقان فاحتوت النيران تمامًا ولم يتضرر أي جزء من الوادي.
وفي أكتوبر 2025، نشب حريق في محيط الكرنك في مخلفات حشائش بجوار معبد موت جنوب مجمع معابد الكرنك في محافظة الأقصر، دون ولم تقع أي إصابات أو وفيات ولا أي تلفيات في الآثار.
وقائع تاريخية من الأزمات
جدير بالذكر، أن هناك وقائع أخرى شهيرة لأزمات عصفت بقطاع السياحة والآثار، مثل القضية الشهيرة لسرقة لوحة زهرة الخشخاش، في أغسطس 2010، داخل "متحف محمد محمود خليل» في وسط القاهرة، وقعت السرقة الأشهر وهي سرقة "لوحة زهرة الخشخاش" للفنان العالمى "فان جوخ".
اللوحة التي قدرت قيمتها الفنية بمبلغ 55 مليون دولار، كان خبر سرقتها بمثابة صدمة للجميع، حيث ذكر عدد من الفنانين أن فان جوخ رسم اللوحة قبل وفاته بثلاث سنوات فقط عام 1887 قبل أن يقوم بالانتحار عام 1890.
كما تم نهب مخزن البعثة الألمانية في 2011 ، حينما هاجم مسلحون مخزن البعثة الألمانية في الأقصر وسرقوا مقتنيات منه.
كما تعرضت دار المحفوظات في 2011 للنهب، مما أدى إلى اختفاء 45 ألف ورقة بنكنوت من عهد محمد علي، بالإضافة إلى وثائق ملكية وكتب تاريخية قيمة.

كما شهد قطاع السياحة والآثار قضية تهريب الآثار إلى الولايات المتحدة من متهم يُدعى أشرف عمر الدرديري أدين بتهريب مئات القطع الأثرية من مصر إلى الولايات المتحدة، وتورط في شبكة تجارية دولية الحكم ضمّ ستة أشهر سجن في ولاية نيويورك بعدما اعترف بالتهريب والتلاعب بالوثائق.
كما نجحت السلطات المصرية في استرجاع 11 قطعة أثرية مهربة إلى الولايات المتحدة، تشمل قناعًا للدفن، مواد نحتية وآثار متنوعة. القطع استلمتها القنصلية المصرية في نيويورك بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار ووزارة الخارجية، بعد تأكيد أنها مهربة بشكل غير قانوني.
كما استعادّت مصر 21 قطعة أثرية منها تماثيل وتمائم وأجزاء توابيت، كانت معروضة في دار مزادات في أستراليا بدون وثائق ملكية قانونية. وتم تسليمها إلى السفارة المصرية في كانبيرا ثم نقلها إلى مصر لترميمها.
وكانت وزارة السياحة والآثار المصرية أعلنت، أمس الأحد عن اتخاذ كافة الإجراءات القانونية بشأن اختفاء لوحة أثرية من الحجر الجيري من مقبرة «خنتي كا» بمنطقة سقارة الأثرية (جنوب غربي القاهرة).

وأكد الدكتور محمد إسماعيل خالد، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار، أنه بالإشارة إلى ما تم تداوله على المواقع الإخبارية، فقد تم اتخاذ كافة الإجراءات القانونية اللازمة وإحالة الموضوع برمته إلى النيابة العامة للتحقيق.
وأوضح خالد، في بيان، الأحد، أن «المقبرة كانت مغلقة تماماً، وتُستخدم كمخزن للآثار منذ اكتشافها في خمسينات القرن الماضي، ولم تُفتح منذ عام 2019»، مشيراً إلى أنه فور العلم بالواقعة تم تشكيل لجنة أثرية برئاسة الدكتور عمرو الطيبي، المشرف على منطقة آثار سقارة، لجرد محتويات المقبرة.
وأضاف أنه فور وصول التقرير الخاص باللجنة الأثرية تم تحويل الموضوع إلى النيابة العامة للتحقيق، لافتاً إلى أن «وزارة السياحة والآثار تتابع عن كثب مجريات التحقيق بالتنسيق مع الجهات المعنية، حرصاً على صون وحماية التراث الأثري المصري والحفاظ عليه من أي تجاوزات أو ممارسات غير قانونية».
أين الحكومة؟
كما تقدمت النائبة الدكتورة مها عبد الناصر، عضو مجلس النواب عن الحزب المصري الديمقراطي، بطلب إحاطة موجه إلى رئيس مجلس الوزراء، ووزير السياحة والأثار، بشأن واقعة اختفاء لوحة أثرية من مقبرة "خنتي كا" بمنطقة آثار سقارة بمحافظة الجيزة
حيث قالت النائبة مها عبد الناصر في تصريحات لـ الصفحة الأولى، أن التراث الأثري المصري يمثل ثروة قومية وإنسانية لا تقدر بثمن، وهو الركيزة الأساسية للهوية الوطنية ومصدر فخر للمصريين جميعاً أمام العالم، حيث أن الحفاظ عليه واجب وطني وأمانة تاريخية، وأي تقصير أو تهاون في صونه يعد إخلالاً خطيراً بمسؤولية الدولة تجاه حاضرها ومستقبلها.
وأكدت "عبد الناصر" أن هذه الواقعة تثير العديد من التساؤلات الجوهرية التي لا يمكن التغاضي عنها، في مقدمتها كيف يمكن أن تختفي قطعة أثرية من موقع مغلق منذ عام 2019 يُستخدم كمخزن للآثار منذ خمسينيات القرن الماضي؟ وأين كانت منظومة التأمين والمتابعة خلال هذه الفترة؟ ولماذا لم يُكتشف الأمر إلا بعد أن تم تداوله إعلامياً؟ إن وقوع مثل هذه الحوادث داخل مواقع أثرية مغلقة وتحت إشراف مباشر من المجلس الأعلى للآثار يشير إلى خلل مؤسسي في الرقابة والتأمين، ويستدعي وقفة حازمة لإعادة تقييم الإجراءات الداخلية والإدارية داخل الوزارة والمجلس الأعلى للآثار.
كما أكدت أيضا أن خطورة ذلك الأمر تتضاعف بالنظر إلى أن الواقعة ليست الأولى من نوعها خلال فترة قصيرة، إذ سبقها منذ أسابيع قليلة حادثة سرقة إسوارة أثرية من داخل معمل ترميم المتحف المصري بالتحرير، وهو المكان الذي يُفترض أنه الأعلى تأميناً والأكثر خضوعاً للمراقبة المستمرة. إن تكرار هذه الحوادث في فترات متقاربة يعكس وجود ثغرات هيكلية في منظومة الحماية والإشراف، ويدعو إلى التساؤل حول مدى فاعلية أنظمة المتابعة الداخلية ومدى التزامها بالمعايير الأمنية والإدارية المتعارف عليها في المؤسسات المتحفية العالمية.
وأشارت "عضو مجلس النواب" إلى أن هذه الوقائع تأتي في وقت تعلن فيه وزارة السياحة والآثار عن تنفيذ خطط للتحول الرقمي الشامل في إدارة المواقع والمتاحف والمخازن الأثرية، الأمر الذي يفرض تساؤلاً مشروعاً حول مدى واقعية هذا التحول وجدواه، إذ إن غياب قاعدة بيانات رقمية موحدة تضم جميع القطع الأثرية وتتابع حركتها منذ اكتشافها وحتى عرضها أو تخزينها، يجعل الحديث عن الرقمنة مجرد شعارات لا تعكس الواقع. إن الرقمنة ليست رفاهية إدارية بل أداة أساسية للرقابة والشفافية، وأي تأخير في تطبيقها يفتح الباب أمام الفقد والعبث والسرقة دون إمكانية التتبع أو المساءلة.

كما أشارت أيضًا، إلى أن غياب الشفافية في إعلان نتائج التحقيقات السابقة يثير قلقاً واسعاً، ويضعف ثقة المواطنين في قدرة الوزارة على حماية التراث القومي، فالمواطن المصري، الذي يعتبر الآثار جزءاً من ذاته وهويته، من حقه أن يعرف ماذا يحدث داخل المؤسسات المسؤولة عن حفظ إرث أجداده، ومن واجب الدولة أن ترد بوضوح وتتحمل مسؤوليتها أمام الشعب والبرلمان.
وشددت عضو البرلمان المصري على أن هذه الوقائع المتكررة لم تعد حوادث فردية، بل مؤشر خطير على قصور مؤسسي يتطلب إعادة النظر في البنية الإدارية والأمنية للمنظومة الأثرية برمتها، حيث أن المطلوب اليوم ليس فقط تحقيقاً في واقعة هنا أو هناك، بل إصلاحاً جذرياً يبدأ من إعادة هيكلة منظومة التأمين والحصر الرقمي، وتدريب الكوادر البشرية، ووضع آليات رقابة فاعلة على مدار الساعة، بحيث تُرصد أي حركة غير مأذون بها لأي قطعة أثرية فوراً، وتُوثق جميع البيانات إلكترونياً بشكل لا يقبل التلاعب أو التراخي.
كما شددت أيضاً على أنه لا بد من تفعيل مبدأ الردع العام كأداة أساسية لحماية التراث الأثري، فالردع لا يتحقق إلا من خلال وضوح العقوبة وسرعة تطبيقها وإعلان نتائجها للرأي العام. إن الصمت أو التباطؤ في المحاسبة يشجع على التكرار، بينما الحزم والشفافية يخلقان وعياً عاماً بأن أي تقصير أو تجاوز في هذا المجال سيواجه بإجراءات صارمة لا تهاون فيها. إن الردع العام هو الضمان الحقيقي لصيانة التراث الوطني، لأنه يرسخ في أذهان الجميع أن مسؤولية حماية الآثار ليست عملاً روتينياً، بل واجب وطني مقدس.
حيث أن مصر التي تمتلك ثلث آثار العالم، لا يجوز أن تكون عرضة لحوادث متكررة بهذا الشكل، فهذه القطع ليست مجرد حجارة أو تحف فنية، بل شواهد على تاريخ الإنسانية بأكملها. وحماية هذا التاريخ مسؤولية وطنية تتطلب إرادة سياسية قوية، وإدارة مؤسسية منضبطة، وتشريعات حازمة تغلظ العقوبات وتغلق كل الثغرات المحتملة.
فالحفاظ على الآثار المصرية هو حفاظ على سمعة الدولة وهيبتها أمام العالم، والتهاون في ذلك يضر بمكانة مصر الدولية ويضعف ثقة المجتمع الدولي في منظومة حمايتها للتراث الإنساني.
وأختتمت الدكتورة مها عبد الناصر مُطالبة الحكومة بتوضيح الإجراءات المتخذة للتحقيق في الواقعتين المشار إليهما، وبيان خطة الوزارة لتأمين المواقع والمتاحف والمخازن الأثرية على مستوى الجمهورية، وتوضيح الخطوات التنفيذية لمشروع الرقمنة الشاملة لقواعد بيانات القطع الأثرية، مع تحديد الجدول الزمني للتنفيذ، وآليات المتابعة والمساءلة.
كما طالبت أيضًا بضرورة تفعيل الردع العام وتطبيق العقوبات الرادعة بحق كل من يثبت تورطه في إهمال أو عبث أو سرقة تتعلق بالآثار، تحقيقاً للانضباط ومنعاً لتفاقم هذه الظاهرة التي تهدد تراث الأمة المصرية وهويتها التاريخية.