معارك أكتوبر والنصر العظيم
معركة القنطرة شرق .. مفتاح تحرير الأرض بعد الضربة الجوية

كانت مدينة القنطرة شرق على موعد مع التاريخ عندما اندلعت حرب السادس من أكتوبر عام 1973، حيث انطلقت الضربة الجوية المصرية أعقبها تمهيد مدفعي مكثف، لتبدأ قوات الفرقة 18 مشاة ميكانيكي بقيادة العميد فؤاد عزيز غالي في تنفيذ واحدة من أخطر مهام الحرب: عبور قناة السويس واقتحام النقاط الحصينة شرق القناة وتحرير مدينة القنطرة شرق.
لم يكن اختيار هذا الهدف عشوائيًا، فالقنطرة شرق تمثل مركزًا استراتيجيًا بالغ الأهمية سياسيًا وعسكريًا، إذ تقع على الضفة الشرقية للقناة وتتحكم في طرق رئيسية، وكانت بمثابة رمز لهيمنة العدو. لذلك وضعت القيادة العامة للقوات المسلحة خططًا دقيقة لتحريرها، وبدأت التدريبات قبل الحرب بعام كامل، حيث جرت مناورات مكثفة على اقتحام التحصينات وفتح الثغرات في الساتر الترابي، مع تجهيز الكباري والمعديات لعبور الدبابات والمركبات الثقيلة. وقدّرت الخطة أن فتح الثغرات سيستغرق بين 5 و7 ساعات، وإقامة الكباري بين 6 و9 ساعات.
في تمام الثانية ظهرًا من يوم السادس من أكتوبر، انطلقت الضربة الجوية الكبرى، أعقبها قصف مدفعي هز الضفة الشرقية للقناة. ومع حلول الخامسة مساءً، تمكنت قوات المهندسين من فتح أول ممر في الساتر الترابي، لتبدأ وحدات المشاة والآليات في العبور. وبعد 10 دقائق فقط نجحت القوات المصرية في الاستيلاء على أول نقطة حصينة من خط بارليف، لتسقط تباعًا 6 نقاط أخرى خلال أقل من ساعة، فيما بقيت النقطة الأخيرة «القنطرة 3» محاصرة حتى اليوم التالي. ومع حلول الليل، كان الجيش المصري قد أقام رأس كوبري بعمق 6 كيلومترات شرق القناة، وفرض حصارًا شبه كامل حول المدينة.
خط بارليف
مع صباح السابع من أكتوبر، دفع العدو باحتياطيات من الدبابات في محاولة يائسة لاقتحام الطوق حول القنطرة شرق ، غير أن قوات الصاعقة والمشاة المصرية تصدت لها ببسالة، وتمكنت من تدمير 37 دبابة إسرائيلية في معركة واحدة، بينما توسع رأس الكوبري ليصل إلى عمق 9 كيلومترات شرق القناة.
وفي مساء نفس اليوم بدأت القوات المصرية اقتحام أحياء القنطرة شرق نفسها. تحول القتال إلى معارك شوارع ضارية، لجأ خلالها الجنود المصريون إلى السلاح الأبيض لتطهير المباني والطرقات من بقايا القوات الإسرائيلية. ورغم شراسة المعركة، واصل المقاتلون التقدم خطوة بخطوة حتى صباح اليوم التالي.
في الثامن من أكتوبر انهارت المقاومة الإسرائيلية تمامًا. سيطرت القوات المسلحة المصرية على جميع النقاط والمواقع داخل القنطرة شرق، وأَسرت 30 جنديًا إسرائيليًا، بينما فر الباقون أو قُتلوا في القتال. كما استولت قواتنا على كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات والدبابات التي تركها العدو خلفه.
قال المشير عبد الغني الجمسي في مذكراته إن حصون القنطرة شرق كانت من أقوى نقاط خط بارليف، وإن القتال داخل المدينة كان مختلفًا وصعبًا، لكنه انتهى بسيطرة كاملة للمصريين. فيما كتب العميد فؤاد عزيز غالي أن رجاله قاتلوا بشجاعة نادرة، حيث لم تنكسر عزيمتهم أمام التحصينات أو الدبابات، بل اقتحموا المواقع واحدًا تلو الآخر حتى رفعوا العلم المصري على أنقاضها.
في التاسعة والنصف مساء الثامن من أكتوبر، أذاعت إذاعة القاهرة نبأ تحرير القنطرة شرق، في أول إعلان رسمي عن سقوط مدينة كبيرة في يد القوات المصرية. كان النصر له أثر عسكري ومعنوي هائل؛ فقد أثبت للعالم أن «خط بارليف» ليس أكثر من وهم، وأن الجيش المصري قادر على سحقه في ساعات قليلة، لتصبح معركة القنطرة شرق أول انتصار حاسم في حرب أكتوبر ومفتاحًا لتحرير الأرض.