و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع

معارك أكتوبر والنصر العظيم

معركة تبة الشجرة .. أبطال المشاة يقطعون رأس الأفعى فى 25 دقيقة

موقع الصفحة الأولى

على بُعد 10 كيلومترات من مدينة الإسماعيلية و9 كيلومترات شرق قناة السويس، كان موقع تبة الشجرة الذى أقامته إسرائيل عقب نكسة 1967 واحداً من أخطر حصون خط بارليف، الذي يرتفع 74 متراً عن سطح البحر ليتيح لها مراقبة الضفة الغربية بالكامل وقصف مواقع الجيش المصري. وقد أطلق الإسرائيليون عليه اسم «رأس الأفعى المدمرة» لخطورة موقعه ودوره في السيطرة، بينما أطلق عليه المصريون «تبة الشجرة» لأن صور الطيران الحربي أظهرت أن ممراته الداخلية تتفرع كجذوع شجرة تضم ما بين 15 و19 فرعاً.
بُني الحصن بخمسة طوابق من الصخور الضخمة التي نقلها أسرى مصريون من مياه القناة، وربطتها إسرائيل بالأسلاك الفولاذية لتحمل أي قصف. 
تم تقسيم الموقع إلى قسم إداري وسكني، وكلاهما غُطيا برمال صفراء وأحيطت الطبقات الخارجية بصخور ضخمة داخل شبك معدني صُنع خصيصاً في ألمانيا ليتحمل العوامل الجوية والهجمات العسكرية. احتوى الخندق الأول على غرف عمليات مزودة بأجهزة لاسلكي متصلة مباشرة بتل أبيب وغرف للمناوبة والطوارئ، وعلى جدرانه صور لقيادات إسرائيلية بارزة مثل جولدا مائير وموشيه ديان. أما الخندق الثاني فشمل غرف مبيت للضباط، مطبخاً حديثاً، غرفة طعام، عيادة طبية، ووحدة تكييف مركزية، إضافة إلى حواجز لعزل الصوت بين الغرف. وزوّد الموقع بمدفعية ثقيلة لضرب الإسماعيلية، وثلاثة حقول ألغام، إلى جانب أنفاق محصنة تربط بين نقطتين حصينتين من أصل 18 نقطة شكلت خط بارليف.
ورغم صعوبة الموقع، فقد لعبت بطولات الأبطال المصريين الدور الحاسم في اقتحامه، حيث يروي جلال عبده هاشم أن الشهيد العقيد محمد زرد قاد جنوده للتعامل مع الحصن الذي فشلت كل محاولات اقتحامه رغم السيطرة على خط بارليف. اندفع الشهيد مسرعاً تحت وابل الرصاص، وألقى بقنبلة في فتحة التهوية للحصن، ثم اقتحم الموقع بجسده. ورغم إصابته البالغة وخروج أحشائه بين يديه، واصل الضغط على باب الحصن ليفتحه لزملائه، وأمرهم بالتقدم قبل أن يسقط شهيداً، لتندلع بعدها معركة شرسة انتهت بسيطرة الجيش المصري على الموقع.

كتائب المشاة

في اليوم الثالث من حرب أكتوبر، وبعد يوم ونصف من هجوم مكثف، تمكنت إحدى كتائب المشاة المدعمة بالدبابات من تحرير الموقع في العاشر من أكتوبر 1973. وخلال 25 دقيقة فقط سيطرت قواتنا عليه بالكامل، واستولت على أسلحته ومعداته، وأَسرت نصف قوة سرية المشاة الإسرائيلية التي بلغ قوامها 150 جندياً. ورغم محاولة إسرائيل استعادته عبر تمهيد نيراني ودفع كتيبة دبابات بقيادة اللواء عساف ياجوري، إلا أنها فشلت وتكبدت خسائر فادحة، بل جرى أسر ياجوري نفسه في معركة ضارية.
عثرت قواتنا داخل الحصن على ثلاثة أجهزة لاسلكية للتنسيق بين النقاط الحصينة، وجهاز ألماني الصنع «د 13» مخصص لاستقبال إشارات من تل أبيب، وهو ما مثل ضربة قاسية لمنظومة القيادة الإسرائيلية. كما تم العثور على مخازن أسلحة، منشورات دعائية مكتوب عليها «سلم نفسك، إسرائيل هي الأم»، إضافة إلى مجلات وجرائد عبرية، خطابات من الجنود لعائلاتهم، عملات إسرائيلية، أدوات طعام، طوابع بريدية، وكبريت وشمع.
وبعد انتهاء الحرب، قررت القوات المسلحة المصرية تحويل تبة الشجرة إلى مزار تاريخي وسياحي برسوم رمزية، يضم نصباً تذكارياً ولوحة بأسماء الشهداء، مع عرض دبابات وآليات إسرائيلية مدمرة أمام بواباته. ويستقبل الموقع وفوداً من طلاب ومواطنين وسائحين من مختلف الجنسيات، لمشاهدة الخنادق، غرف القيادة والمعيشة، وسائل الاتصال المباشر مع تل أبيب، خط المياه القادم من إسرائيل لجنودها شرق سيناء، وفتحات الهروب التي أعدتها للهروب في حال الطوارئ.
 أكد خبراء أن أهمية موقع تبة الشجرة الاستراتيجية كانت هائلة، إذ وفر للعدو تغطية لمساحة تمتد من منطقة البلاح حتى الدفرسوار بنحو 38 كيلومتراً، ما مكنه من توجيه الأسلحة بما فيها الطيران من نقطة واحدة. غير أن دماء وبطولات الشهداء، وعلى رأسهم العقيد محمد زرد، حوّلت هذا الحصن من رمز للهيمنة الإسرائيلية إلى شاهد خالد على نصر أكتوبر المجيد.

تم نسخ الرابط