و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

 لم يكن عبور قناة السويس في أكتوبر 1973 حدثاً عسكرياً فحسب، بل كان لحظة ولادة لحالة جمعيّة من الإرادة والثقة، تحوّل الانتصار إلى ذاكرة وطنية أثبتت أن النصر يبدأ في العقول قبل أن يُكتب على الأرض، اليوم، وفي ذروة الذكرى الثانية والخمسين، يقف الوطن أمام تحدٍّ جديد، وهو أن يحمي هذا الإرث من محاولات النسيان والتشويه، وأن يجعله وقوداً لاستمرار البناء لا مادةً لتصفية الحسابات.
ساحة جديدة.. الحرب على الرواية الوطنية لم تعد ميادين الصراع مقصورة على المعارك العسكرية التقليدية، فقد امتدّت إلى ساحات الإعلام والفضاء الرقمي، حيث تُستخدم التقارير المشوّهة والمنصات الموجَّهة لتشكيل تصوّرات مضلِّلة لا تعكس حقيقة الواقع، ولم يعد الأمر مجرد كلام عابر، بل صار حربًا إعلامية ممنهجة تستهدف ضرب الثقة بالوطن والنيل من قدرات مؤسساته.
الخطير في هذه الحرب أن خيوطها تتشابك بين دعايات جماعة الإخوان الإرهابية وأجندات الإعلام الإسرائيلي، فكلاهما يلتقي على هدف واحد، وهو إضعاف الروح الوطنية، وبثّ الشكوك، وتحطيم المعنويات، ورسم صورة زائفة لمصر وكأنها في حالة أزمة دائمة، هذه ليست مصادفة، بل توافق مقصود بين خطابين مختلفي الشكل لكنهما متحدان في الجوهر، وهو استهداف الدولة المصرية ومحاولة حصار روايتها الوطنية.
من هنا تصبح المواجهة معركة وعي كبرى، لا تقتصر على كشف التضليل، بل تمتد إلى بناء رواية راسخة تحمي وجدان الأمة من التشويه، معركة تتطلّب وضوحًا في الرؤية ومبادرة واعية من الدولة، والإعلام، والمجتمع معًا، حتى يبقى السرد الوطني صلباً متماسكاً لا تنال منه محاولات التشويه الخارجية أو حملات التضليل الداخلية.
المواطن.. خط الدفاع الأول
كما كان الجندي على الجبهة بطل العبور، فإن المواطن اليوم هو بطل معركة الوعي، الوعي الفردي مسؤولية وطنية، تتضمن التحقق من المعلومة قبل تداولها، رفض المشاركة في حملات التضليل، وغرس الحس الوطني في الأسرة والمدرسة والجامعة، عندما يكون كل مصري واعياً ومطّلعاً، يتقلص مجال الأكاذيب وتفقد الحملات الموجّهة قدراتها على التأثير، المواطن ليس مشاهداً في هذه المعركة، بل عنصر فاعل ومحدِث فرق.


الإعلام الوطني.. صوت الوطن وسلاح الوعي


يلعب الإعلام الوطني دورًا ملموسًا ومركزيًا في بناء الثقة وحماية وعي المواطنين، وهو ركيزة أساسية في مواجهة محاولات التشويه، المطلوب أن يحافظ على جهوده القوية والمستمرة، وأن يطوّر أدواته بالقدر نفسه من الحزم الذي خاض به الوطن معارك السلاح والتنمية، إعلام وطني شفاف، مهني، يقدّم الحقائق كاملة ويُتيح منابر للنقاش الوطني الواعي، هو الحائط الأول أمام حملات التضليل، وهو السند الذي يعزز إدراك المواطن بحقيقة ما يجري من إنجازات وتحديات.
التنمية.. رد عملي وقاطع على التضليل
المشروعات القومية ليست مجرّد أرقام في تقارير، بل هي شهادات عملية على نجاح السياسات وثمار الصمود، الطرق، الأنفاق، المشروعات الزراعية، المستشفيات والمدارس، كلُّها رسائل عملية تُجيب عن الشك والتشكيك، التنمية تُعيد صياغة علاقة المواطن بالدولة، من مستقبِل ينتظر التفسير إلى شريك يرى النتائج على الأرض ويحصّن انتماءه الوطني.
الثقافة والتعليم.. ترسانة الوعي المستدامة
لا يقف الصمود على ركيزة واحدة، الثقافة والمناهج التعليمية تظلّان المستودع الذي يُعيد تشكيل الوعي عبر الأجيال، تعليم يركّز على التفكير النقدي، تاريخ وطني موثّق، ومنصات ثقافية تُعرّف الشباب بإنجازات الوطن وتُحفّزهم على المشاركة الإيجابية، كل ذلك جزء من استراتيجية طويلة الأمد لحماية الأمة من الضياع في ضجيج المعلومات أمانة الشهداء.. التزام يتجاوز الشعارات دماء الشهداء ليست عبارة تُردّد في كلمات الاحتفال، بل عهدٌ وأمانة تستلزم استمرارية العمل واليقظة، الوفاء لهم يتمثل في بناء دولة قوية، شفافة، قادرة على حماية مواطنيها وتثبيت إنجازاتهم في الذاكرة الوطنية، الحفاظ على هذا العهد يعني أن تكون مواجهة التشويه جزءًا من جدول الأعمال اليومي لكل مؤسسة وكل مواطن.
ختامًا: الوعي هو السلاح، والتنمية هي الحصن، فكما حطمت مصر أساطير عسكرية عبر التصميم والتضحيات، فإنها قادرة اليوم على مواجهة غزو الرواية والتضليل بنفس الحزم، معركة الوعي ليست مناسبة للشعارات، بل هي واجبٌ وطني يتطلّب عملاً يومياً ومؤسسياً ومجتمعياً، وعندما تتكاتف الدولة والمواطن والإعلام الوطني والتعليم حول مشروع وطني موحَّد، تتبدّد أسرار التضليل وتبقى الحقيقة حاضرة في وجدان الأمة، ومتى كان الوعي في قلوب المصريين، ستبقى مصر كما كانت أمة لا تُهزم.

تم نسخ الرابط