
قبل ما يقرب من خمسين عاماً كان الاستاذ هيكل يكتب عموده في الأهرام الصباحي (بصراحة) ولم اجد عنوان اصدق منه لوصف ما احاول شرحة في هذه السطور القليلة ، وانها معادلة بسيطة لا تنمية بدون سلام ولا سلام بدون قوة ، في زمن الحرب يستحيل التنمية لأن كل موارد الدولة تكون مسخرة للحرب اما لتقوية الجبهة العسكرية او لدعم الجبهة الداخلية فلا وقت للتنمية ولا صوت يعلو فوق صوت المعركة، ودبيب المجنزرات يعلو فوق دبيب الآلات ، فلما تضع الحرب أوزارها تبدأ التنمية دورانها شرط ان تكون الدولة منتصرة والجيش قوياً يردع الاعداء ويطمئنّ الأصدقاء ، فلا معنى لرصف طرق وإقامة بناء وتشيد مصنع وافتتاح دار تعليم وتعمير دار عبادة او حتى مكان لهوٍ يمكن لطائرات العدو هدمه في غارة جوية أو قذفة مدفعية.
قوة حتمية وليست خياراً
وتكون القوة حتمية وليست خياراً إذا وجد عدو لك يرى أن أرضك جزء من ماضيه وكل مستقبله ، بل ويظن ان هذه الارض لا يمكن ان تجتمعان عليها إلا في حالة واحدة ان تكون انت العبد المسخر وهو السيد الذي يأمر ، فلا معنّى لأبراج سحاب وقطارات انفاق وأسواق مكيفة وشوارع منظمة يستطيع العدو ان يهدمها على رؤوس ساكنيها في دقائق معدودة إلا ان تكون لديك القوة التي تحمي كل هذا او ان تستسلم بالتطبيع تارة والخنوع حيناً واحياناً حفاظاً على استثمارات يمكن نسفها وتنمية هشة لا توجد قوة تحميها لذلك حرص الإنجليز وهم أساتذة إستعمار على اقامة كيانات غنية جداً وصغيرة جداً حتى تكون ضعيفة جداً فإذا قامت بتنمية بنيتها التحتية وشيدت مدناً حديثة فإن عليها ان تفكر ببرجماتية مفرطة فتقدم فروض الطاعة والولاء فيدب اليأس في نفوس العوام والضعف في الجسد الواهن أصلاً من ثلاثية الجهل والمرض والفقر والتي تم فرضها في الواقع
والسؤال: هل من مخرج؟ والإجابة نعم ولكنه مؤلم جداً بدرجة ألم الواقع الذي تعيشه الشعوب المقهورة التي لم تعد من القوة ما تحميها وترهب عدوّها لذلك قال الله سبحانه وتعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شيء في سبيل الله يوف إليكم وانتم لا تظلمون) ، اما البديل السبيل الوحيد فإن ما نراه من مجازر وأشلاء وتطهير عرقي وتجوعي جماعي هو بروفة مصغرة لما ينتظرنا جميعاً وهو قدر حتمي لا مفر منه ، او نحاول تعويض ما فاتنا من قوة وان نقلد الغير لا في تشييد المباني ولكن في تشييد المصانع وتدريب الجيوش وتسليحها وقبل ذلك كله بالوحدة والتي ليست خياراً ولكنها ملاذاً فهل من يستوعب ويعي؟