
رغم أنني لا أحب الدخول في قضايا الدول الأخرى، احتراماً لسيادتها، لكن فيما يخص لبنان وسيادتها بحصر السلاح بيد الجيش وقوى الأمن الداخلي، أجدني مجبراً على الحديث في الموضوع.. لأن لبنان إحدى دول الطوق (وهي دول المواجهة للاحتلال الإسرائيلي إلى جانب مصر وسوريا والأردن والعراق بحكم تلاصق حدودها بالأراضي السورية والأردنية) أيضا لبنان هي من أكثر الدول العربية التي قدمت تضحيات من أجل القضية الفلسطينية، ولازالت تحتضن مقاومتها التي تخلى عنها غالبية العرب، والمسلمين حتى السلطة الفلسطينية.. والأهم أن لبنان التي تعامل معها ذوي "أموال البترودولار" كونها باريس وسويسرا الشرق، بمفهومها الترفيهي وليس الثقافي، تغيرت النظرة لها بفضل "حزب الله" الذي يعد رأس حربة المقاومة العربية المناهضة للصهيونية بكافة أشكالها سواء كانت إبراهيمية أو الأمريكية أو الأوروبية.
من عجائب الإبراهيميين وعملائهم، أنهم يطالبون بسحب سلاح المقاومة من دولة محتلة وتنتهك حرمتها صباح مساء أمام أعين الحكومة والرئاسة والأحزاب دونما رد فعل عسكري دفاعاً عن شرف "ست الدنيا" كما وصفها الشاعر السوري اللبناني الهوى نزار قباني.. ولم نسمع أو نقرأ بياناً من القوى السياسية يدين الخروقات الإسرائيلية، والحكومة التي جاءت على أسنة الريال تستجدي رعاتها (أمريكا والسعودية وفرنسا) بجعل إسرائيل تتوقف عن انتهاك حرمة لبنان مع كل طلعة آذان، وكأن ما يحدث بمدن جنوب لبنان والضاحية الجنوبية يحدث بالأراضي الأوكرانية (!!) علماً بأن رئيس وزراء الاحتلال قال: "عملياتنا في لبنان تتلاءم مع اتفاق وقف إطلاق النار فنحن نواجه بالنيران أي خرق أو محاولة تسلح من قبل حزب الله".
** إسرائيل تفتخر بعدوانها
ياسيد نواف بدون سلام، الاحتلال المعتدي على لبنان أرضا وسماءً وشعباً يفتخر بقيام رئيس أركان جيشه "إيال زامير" برفقة قائد الفرقة 91 "يوفال غِز" وقادة آخرين، بجولة ميدانية في جنوب لبنان، معلناً أن “إسرائيل نفّذت 600 غارة جوية على لبنان منذ اتفاق وقف إطلاق النار، وقتلت أكثر من 240 شخصًا" (!!).. وإن كنت لا تعلم أن جنوب لبنان منتهك حرمته، إليك بيان تجمع أبناء البلدات الجنوبيّة الحدودية بلبنان، الذي قالوا فيه " نعلن منطقتنا منطقة منكوبة، لأن العدو لا يزال يستبيح سماءنا وأرضنا ويمنعنا من إعادة الإعمار، وندعو إلى خروج الاحتلال (يقصدون إسرائيل وليس حزب الله والمقاومة) والشروع في إعادة الإعمار.. وندعو إلى مؤتمر وطني لدعم صمود أهلنا وإعادة الإعمار، وتعويض أصحاب المؤسسات والمزارعين، والذين فقدوا وظائفهم، ونطالب بتخصيص بدل إيجار للعائلات وإنشاء صندوق خاص بالمتضررين"..
المقاومة عابرة للطوائف
سيد نواف بدون سلام، ألم يصلك أن المقاومة لا تخص طائفة أو مذهب بعينه، لأن الاحتلال لا يستهدف الشيعة فقط، ولا سكان الجنوب اللبناني فقط، فقد كشف استطلاع للرأي أجراه المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق اللبناني، خلال الفترة ما بين 27 يوليو / والرابع من أغسطس 2025، على عينة من 600 مُستطلَع اختيروا عشوائيًا من جميع شرائح المجتمع اللبناني ومن كل المناطق والمذاهب، 30% منهم شيعة ومثلهم سنة، و34% مسيحيين، و7% دروز.. الاستطلاع كشف عن معارضة حوالي 58% من المستطلعين سحب سلاح المقاومة من دون استراتيجية دفاعية تحمي لبنان، بينما أيد هذا الخيار حوالي 42%، فقد رفض حوالي 96% من الشيعة، و50% من السنّة، و46% من الدروز، و32% من المسيحيين، سحب سلاح المقاومة.. وأجمعت كافة المذاهب على عدم قدرة الجيش وحده على مواجهة العدوان، حيث أكد حوالي 72% أن الجيش لا يستطيع بمفرده التصدي لأي عدوان.. وحوالي 76% من المستطلعين لا يثقون بالدور الدبلوماسي وحده، بينما رأى%24 منهم أن العلاقات الدبلوماسية قادرة وحدها على ردع العدوان.
تقرير المركز الاستشاري خلص إلى أن خيار المقاومة ما زال عابرًا للطوائف، حيث يرفض غالبية اللبنانيين المساس بسلاحها من دون وجود استراتيجية دفاعيّة، بما في ذلك نصف السنّة وحوالي ثلث المسيحيين وأكثر من ذلك من الدروز ، وأجمع اللبنانيون كافة على أن الجيش وحده أو الدبلوماسية وحدها غير قادرين على ردع العدوان الإسرائيلي، كما كشف التقرير عن تردد ثقة اللبنانيين تجاه المؤسسات الرسميّة التي لم تنل ثقة عالية من غالبية اللبنانيّين، وغلب على ردود المستطلعين، إما الثقة المتوسطة أو المتدنية بهذه المؤسسات مع تقدّم رئاسة الجمهورية بعض الشيء على غيرها، وأظهر الاستطلاع وجود هواجس كبيرة لدى اللبنانيين بمختلف طوائفهم بشأن ما يجري في سوريا..
المفتي الجعفري الشيخ أحمد قبلان كتب رسالة لرئيس الجمهورية العماد جوزاف عون، وللقوى السياسية والزعامات اللبنانية وكل من يهمه أمر لبنان جاء فيها: “اللحظة خطيرة للغاية، والوقت ينفد، وموقد الأزمات مجنون، وواقع المنطقة فوق طاولة دولية إقليمية لا يهمها إنسان، ولا أديان، ولا طوائف، ولا بلد أسمه لبنان، يغلي بالفتن والجنون السياسي والتحريض الإنتقامي وسط مشاريع دولية إقليمية تدفع البلد نحو الخراب".. المفتي قبلان ذكر الرئيس اللبناني العماد جوزاف عون ببكاء المرحوم الرئيس إلياس سركيس، عندما رأى بلده يحترق أمام عينيه، قائلاً "ولا أعتقد أنك تقبل بأن يحترق هذا البلد العزيز أمام عينيك، وأنت أبن لبنان وأبن العيشية (إحدى قرى الجنوب اللبناني) وأبن المؤسسة العسكرية وفيك من محبة المسيح والوطن ما يدفعك لأن تكون مغوار العائلة اللبنانية والوحدة الوطنية".. خلاصة رسالة المفتي قبلان أن سلاح المقاومة بالشراكة مع الجيش وباقي القدرات الوطنية ضرورة وجودية للبلد والناس.
معالي رئيس الحكومة اللبنانية نواف بدون سلام، قلت "الدولة استعادت قرار الحرب والسلم وعلى من يخوفنا من الحرب الأهلية أن يهتم بسحب سلاح الفتنة.. وقرار لبنان اليوم يؤخذ في بيروت، في مجلس الوزراء، وليس في أي مكان آخر.. لا يملَى علينا لا من طهران ولا من واشنطن" ونسيت باريس والرياض (؟) ولو أن قراركم قرار داخلي فإن استطلاع المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق اللبناني، وتصريحات غالبية اللبنانيين من السياسيين ورجال الدين يرفضون تسليم سلاح المقاومة، ويطالبون بإزالة الاحتلال، وليكن موضوع السلاح شأن داخلي وليس بضغوط خارجية، لأنه ليس من المعقول دولة تواجه سلاحاً دافع عن الوطن، لا عدواً يستبيح الوطن.. في وقت كما قال رئيس التيار الوطني الحر والوزير الأسبق للطاقة والمياه والخارجية جبران باسيل، في تدوينة له عبر موقع "إكس": لبنان محاط بأنظمة متطرفة دينياً، واحد يريد "اسرائيل الكبرى" والتاني يريد "سوريا الكبرى". جارين طامعين بأرضنا وغيرهم طامع بقرارنا، وفي ناس منا متنازلين براً، وبحراً لجيراننا الأربعة، ومتنازلين ولاءً(!) وهنا يقصد بالجيران الأربعة قبرص واليونان وتركيا، عبر اتفاقية الحدود البحرية لصالح قبرص واليونان على حساب تركيا التي تهدف إلى جر سوريا إلى لبنان.. كما أن الاتفاق البحري يسمح للكيان الإسرائيلي بمد أنابيب الغاز المشترك إلى أوروبا، وفقا لتفسير العميد المتقاعد نضال زهوي.. ويستكمل باسيل جبران كلامه: نحنا بدّنا "لبنان الكبير"، معتدل ومتعدّد…صراع الآلهة ما بيخلص، بس "الله كبير".