
في أعقاب ثورة يوليو 1952، قرر الزعيم جمال عبد الناصر إلغاء الأحزاب، لأنها أحزاب طبقية لا تعبر ولا تهتم بمصالح عامة الشعب، وهي تخدم طبقة الأعيان ورجال الأعمال والإقطاعيين، فضلاً عن أن تلك الأحزاب إما موالية للقصر الملكي أو الاستعمار البريطاني، كما أن الزعيم عبد الناصر كان يرى أن التمثيل النيابي الحقيقي يبدأ من القاعدة للقمة.. أي من الحارة والزقاق والشارع ثم الحي ثم المدينة، ثم المركز، ثم المحافظة وصولاً للقبة الساكنة بشارع القصر العيني.
الزعيم عبد الناصر، لم يتجمل فقام بتأسيس حزب أو أحزاب تسير على نهج واحد، أو حزب يستفرد بالحياة السياسية والنيابية ويترأسه ليصبح الحزب الحاكم، أو عدد من الأحزاب توزع عليها تورتة المجالس النيابية ويتم تزويقها بعدد قليل من الأحزاب.. كان واضحاً فقال "إن الديمقراطية هي ديمقراطية الشعب"، وفي خطابه بالإسماعيلية يوم 26 ديسمبر 1964، قال "الديمقراطية قبل يوليو 1952، كانت ديمقراطية زائفة تضحك على عقول الشعب، يتحكم فيها أصحاب الأموال والأرض والنفوذ.. لقد كانت ديمقراطية الطبقة الحاكمة وليست ديمقراطية الشعب".
الزعيم عبد الناصر قال أيضا، لكي نقيم الديمقراطية السليمة التي تعبر عن مطالب الشعب، وليست ديمقراطية زائفة، لابد أن نقيم الديمقراطية الاجتماعية، والتي تبنى من الديمقراطية الاقتصادية، حتى نتمكن من إقامة ديمقراطية سياسية سليمة.. ولكي نصل لذلك لابد أن يسيطر الشعب ويمتلك وسائل الإنتاج، وتنفيذاً لتلك الفكرة قمنا ـ والحديث لا زال للزعيم ـ بالتأميم وتوزيع الأرض على الفلاحين والقضاء على حكم الطبقة وملكية مقدرات الدولة للشعب وليس حفنة من الناس.. بعد 12 عاماً من الثورة قمنا ببناء 850 مصنع واستصلحنا مساحات من الأراضي لزيادة الرقعة الزراعية، وأصبح 85% من الصناعة ملك الشعب.
الكفاية والعدالة والديمقراطية السليمة
كانت رؤية الزعيم عبد الناصر، أنه بـ الاشتراكية التي تعني الكفاية والعدالة والديمقراطية السليمة التي تجمع كافة فئات الشعب وتم تجسيدها في الاتحاد الاشتراكي العربي، والذي قال عنه في خطاب الإسماعيلية:" يجمع كل المواطنين، وليس كل أعضاؤه مؤيدين للثورة ولا يمكن أن نمنعهم، فذلك متروك للشعب".. بالاشتراكية والديمقراطية المعبرة عن مطالب الشعب نبي الدولة.
الديمقراطية السليمة في نظر الزعيم، هي تكافل الفرص المتساوية للجميع، وليست ديمقراطية سيطرة رأس المال وأصحاب النفوذ، ونضيف عليها نحن، والمتسلقين والباحثين عن المكاسب من أجل أنفسهم بعد 61 عاماً، تعددت الأحزاب، ولكنها أحزاب مصالح خاضعة لسيطرة رجال الأعمال وأصحاب النفوذ، والموالين لهم وللطبقة الحاكمة.. فاليوم نجد مرشحين لا نعرفهم، فإذا كان الناخبين لا يعرفون المرشحين الذين تزينت الشوارع ببوسترات صورهم، وكأنها أفيشات أفلام و مسلسلات(؟!) ونسمع أن المرشحين يدفعون ما بين 30 إلى 100 مليون جنيه للحصول على مقعد نيابي، دون سؤال "من أين لك بتلك الأموال ومصدرها(؟!).. المرشح يحصل على الأصوات مقابل 300 و500 جنيه، وعدنا لعهد زجاجات الزيت والسكر والأرز، وكراتين السلع الغذائية التي ترهق كاهل المواطن، واللحم والدجاج الذي يدخل مرة أو مرتين في الشهر لبيوت غالبية الشعب، أو لا تدخل إلا في المواسم.. الخلاصة المرشح يحصل على صوته برشوة انتخابية من شعب بدأ يتلمس الجوع.. أي ديمقراطية هذه ومرشح يأتي من محافظة ليترشح في محافظة أخرى لا يعرفه فيها سوى أشخاص يتعدون على أصابع اليد، ويضمن النجاح لأنه دفع مبلغ من المال(؟!).
الديمقراطية التي نعيشها هي ديمقراطية المصالح ورأس المال والنفوذ، وليست ديمقراطية الشعب، الذي تم إزالته من العنوان، ديمقراطية لا تعترف بالطبقة العاملة والكادحين.. أفيشات المرشحين الذين لا نعرفهم تؤكد أننا عدنا لعهد ما قبل الثورة 1952، ونعيش ديمقراطية الضحك على عقول الشعب واستغلال حاجته لإيجاد الضروريات، أي نقص الكفاية وبالتالي غياب العدالة.