
من جورج عبد الله إلى حسن نصر الله، من يحيى السنوار إلى جورج حبش، من محمد الضيف إلى زياد رحباني، من الشيخ إمام إلى حنان عشراوي، من ليلى خالد لسناء محيدلي، من ناجي العلي حتى خليل السكاكيني، من الأزهري عز الدين القسام وصولاً للقمص سرجيوس خطيب ثورة 1919، وغيرهم كثر من المقاومين والمناضلين بالكلمة، والشعر، والموسيقى، والرصاص، والسياسة.
تعددت وجوههم، ولكناتهم، ودياناتهم ومذاهبهم، وثقافاتهم، وأعمارهم، وجنسهم، لكنهم جميعاً، جمعهم دين لا يعترف بالمذهبية والطائفية، والجنس والحدود. دين مذهبه: عشق الأرض وتحريرها من المحتل، عقيدته: حرية الوطن واستقلال قراره، يقدس كرامة الوطن وشرفه، يُستشهد سياسياً ومعنويا ويحاصر لكنه لا يترك دينه. دين المقاومة.. الذي لا يعترف بالحدود ويرى أن المساحة من الخليج العربي شرقاً حتى المحيط الأطلنطي غرباً، وطن واحد لشعب واحد، وإن تعددت دياناته ومذاهبه وطوائفه، لكنه يبقى كيان واحد.
دين المقاومة.. هو دين قائم على التأخي، أنظر إلى جورج عبد الله.. لبناني قاوم من أجل فلسطين، وقضى 40 عاماً في سجون الحرية والنور "فرنسا" من أجل القضية الفلسطينية.. لو نظرت إلى أسمه لرأيت أنه جمع بين المسيحية "جورج" والإسلام "عبد الله"، لكنه في حقيقة الأمر مسيحي يدين بدين المقاومة، مثله في ذلك كمثل المسيحي القومي الأديب والمربي الفلسطيني خليل السكاكيني.
والفنان اللبناني المقاوم بالكلمة وأحرف الموسيقى زياد رحباني، الذي رفض الجلوس أسفل مقاعد الأمراء والشيوخ والملوك، كما يفعل غالبية الفنانين، مفضلاً كرامته التي هي عنوان لكرامة وطنه.. يحكى أن زياد في لقائه الثاني بالشهيد السيد حسن نصر الله قال: "أنِي (بالجنوبي) اليوم جاي ضلّ عندك، بديش فل، بدي عيش معك، وإذا بدك بصير صلي وصوم مثلكن. خليني عندك”.. ابتسم السيد وأجابه: “العالم بيحبّوك لأنك مش شيعي. نحنا ناس مكتوب علينا الظلم. خليك مسيحي وخليك محبوب. بيكفّي أنه موقفك مع المقاومة ومعروف شو أصلك”.
رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري "عمدة الشيعة في لبنان" قال في بيان رسمي له لأخر حبات الرحبانية "لبنان من دون زياد… اللحن حزين، والكلمات مكسورة الخاطر، والستارة السوداء تُسدل على فصل رحباني إنساني ثقافي فني ووطني لا يموت"... كلمات كسرت كل حواجز الطائفية والمذهبية، مؤكدةً أن دين المقاومة، دين وحدة وتأخي، لا يعترف بالحواجز.
أزمة غزة وحزب الله والمقاومة الفلسطينية واليمن والمقاومة العراقية وحشدها الشعبي وتسليم سوريا لنظام إرهابي، كشفت أننا في المساحة ما بين المحيط والخليج نعيش بين دينين دين المقاومة الرافض والعاصي على الانكسار والتماهي مع الأعداء ويُقدس حرية تلك البقعة، التي من المفترض أن تتسم بالطهارة فهي مهبط الأنبياء والرسل والأديان السماوية الثلاثة.. ودين للخنوع والانبطاح والسجود لآلهة الصهيوأمريكية في واشنطن وتل أبيب، ذلك الدين الجديد "الإبراهيمية"، الذي يتسلل بين أبناء الديانة الواحدة، فيبث الفرقة بين أبناء الدين الواحد.. شاهدت مقطع لإحدى القنوات اللبنانية لحوار تليفزيوني بين نائبين بمجلس النواب اللبناني كلاهما مسيحي ينتميان لمذهب الروم الأرثوذكس هما إلياس جرادة أبن الجنوب، وأبن الشمال أديب عبد المسيح، الذي أكد في تدوينة له على موقع إكس، أن تكليف الجيش بوضع خطة لحصر السلاح هي الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح، على أن تستكمل بمهلة زمنية واضحة للتسليم والمعالجة وصولا لحصر السلاح ببند زمني ملزم... إنه الطريق الوحيد إلى دولة السيادة والقانون.. فيما يتساءل طبيب العيون والأسير السابق جرادة "كيف نكب سلاحنا والمسيرة الإسرائيلية تحلق فوقنا ليل نهار تقصف وتقتل(؟!) وهل التصدي لها مرتبط بسلاح حزب الله(؟!)
إجابتي، بالقطع لا، لكن الأوامر صدرت لرئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام من واشنطن وتل أبيب والرياض تطالبه بالإسراع في سحب سلاح حزب الله حتى تتمكن إسرائيل والتنظيم الإرهابي الحاكم في سوريا، من الانقضاض على لبنان وحزب الله والمقاومة اللبنانية والفلسطينية بالمخيمات الموجودة على أرض لبنان.. والعجيب والغريب لم نسمع عن سحب سلاح ميليشيات حزبي الكتائب والقوات اللبنانية الموالية لإسرائيل وأمريكا وشاركت في ذبح الشعب الفلسطيني في صبرا وشاتيلا، وخلال الحرب الأهلية اللبنانية.
دين المقاومة.. دين عابر للطوائف والمناطق والقارات رافعاً رايتي المواطنة والإنسانيّة، وقدسية الأرض والسماء، دين يتوضأ أنصاره بتراب الوطن، ويتغنون بألوانه، ويسبحون بالسلاح لنصرة قضية حرية الوطن.. فالوطن قبلتهم وآخرتهم.. أما الإبراهيميين فهم عابرون في غفلة من الزمن، لن تدوم لهم ذكرى ومقام، والنار التي يحاولون إشعالها ستكون برداً وسلاماً على دين المقاومة وعباده، وجحيماً عليهم.. أنصار دين المقاومة سيركبون سفينة نوح إن أجلاً أم عاجلاً، أما أنصار الإبراهيمية سيكون مصيرهم كمصير أصحاب موسى بأرض سيناء.. وكما قال القمص سرجيوس وهو أول رجل دين مسيحي يخطب من منبر الأزهر الشريف: "أنا مصري أولاً وثانياً وثالثاً.. ولا فرق بين مسلم وقبطي في وطننا".. وهكذا نحن مقامون نؤمن بالمقاومة سبيلاً وحلاً مليون أولاً، ومليار ثانياً، و40 تريليون ثالثاً.. ولا فرق بيننا بسبب الدين والعقيدة السياسية والمذهب الطائفي.