يبدو أن ما يجري في أسواق قطاع غزة لم يعد مجرد فوضى عابرة أو انعكاسًا طبيعيًا لظروف الحصار، بل بات أقرب إلى سياسة اقتصادية ممنهجة تُدار بدقة وتتابع ، فالتدفق الغريب لبضائع غير أساسية—وفي مقدمتها الأجهزة الذكية والمقتنيات الحديثة—يقابله غياب ملحوظ للسلع الضرورية ونقص حاد في الفكة وفئات النقد الصغيرة، الأمر الذي يثير تساؤلات جدية حول الهدف الحقيقي خلف هذا المشهد الاقتصادي المضطرب .
إن إغراق الأسواق ببضائع لا تمت للحاجة اليومية بصلة، في ظل أزمة معيشية خانقة، لا يبدو سلوكًا بريئًا ، فهذه البضائع تسحب ما تبقى من سيولة في جيوب المواطنين، وتدفعهم نحو إنفاق غير محسوب، بينما تتآكل قدرتهم على تلبية احتياجاتهم الأساسية ، ومع غياب الفكة، تتحول أبسط عمليات البيع والشراء إلى وسيلة غير مباشرة لاقتطاع جزء من دخل المواطن، ما يعمق حالة الاستنزاف المالي بصورة ممنهجة .
السوق في غزه
من الواضح أن هناك من يقرأ المشهد الغزّي من زاوية اقتصادية بحتة، ويعيد هندسة حركة السوق بما يخلق حالة ضغط إضافي على السكان ، و يبدو أن هذا التضييق ليس مجرد انعكاس للواقع الأمني، بل يحمل في طيّاته أبعادًا سياسية، وهو بكل تأكيد مقدمة لمرحلة أكثر تعقيدًا ستلقي بظلالها الثقيلة على الغزّيين في الأيام والشهور القادمة إن ما يعيشه المواطن الغزي اليوم ليس فقط ضيقًا اقتصاديًا، بل محاولة لفرض نمط من السلوك المالي القسري، وإعادة تشكيل البيئة الاقتصادية بما يخدم أهدافًا تتجاوز حدود السوق، لتطال بنية الصمود المجتمعي ذاته .




