و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع

في عيد ميلادها 146

أحزاب مصر.. من الأيديولوجية والعمال والفلاحين إلى مقرات للبيزنس والأجهزة والمصالح

موقع الصفحة الأولى

في ذلك الشهر (نوفمبر 2025) يمر 146 أعوام على التجربة الحزبية في مصر، والتي عرفت 5 أحزاب أو 5 تجارب،  كانت البداية في الرابع من نوفمبر عام 1879، بتأسيس جمعية مصر الفتاة، وكان من أبرز أعضائها عبد الله النديم.. والحزب الوطني الأهلي، والذي ضم محمود سامي البارودي وأحمد عرابي، وهي التجربة التي مهدت للثورة العرابية، وانتهت مع الاحتلال الإنجليزي لمصر عام 1882، وكان البرنامج السياسي للجمعية والحزب يركز على مطلبين هما حل أزمة الدين الخارجي من خلال مشروع وطني يضع حداً للتدخل الأجنبي في إدارة شؤون البلاد، ونظام نيابي دستوري يأتي بحكومة مسؤولة أمام البرلمان.
ثم عادت الحياة الحزبية مرة ثانية في سنة 1907، والذي يعتبره المؤرخون عام تأسيس الأحزاب، ففي ذلك العام تم تأسيس أحزاب موالية للاحتلال البريطاني، في 26 يوليو أعلن محمد وحيد بك الأيوبي تأسيس "الحزب الوطني الحر"، أعقبه تأسيس الصحفي حافظ أفندي عوض "الحزب الوطني"، وفي التاسع من ديسمبر أسس الشيخ علي يوسف صاحب جريدة "المؤيد" حزب "الإصلاح على المبادئ الدستورية" وهو حزب موالي للخديوي عباس حلمي الثاني.. وشهد ذلك العام تأسيس أحزاب وطنية منها: "الحزب الجمهوري الحر"، الذي دعا لإنهاء حكم أسرة محمد علي، وفي 21 سبتمبر 1907، تم تأسيس "حزب الأمة"، وكان من أبرز قادته ومفكريه أحمد لطفي السيد مُصدر جريدة "الجريدة"،وفي 27 ديسمبر أعلن مصطفى كامل صاحب جريدة "اللواء" عن تأسيس الحزب الوطني.. وينتهي عام 1907، بتأسيس تسعة أحزاب، ولكل حزب صحيفة تعبر عنه. 
وتوالى تأسيس الأحزاب في مصر، وهنا يذكر المؤرخون أنه في سبتمبر عام 1908، أسس أخنوخ فانوس "الحزب المصري" وكانت فسلفته أن الحصول على الاستقلال يكون بالصداقة المصرية البريطانية.. وفي يوليو 1908، تأسس "حزب العمال" برئاسة الصحفي محمد أحمد، وفي أكتوبر تم تأسيس"حزب النبلاء"، فيما أسس الدكتور حسن فهمي جمال الدين في أكتوبر 1909، "الحزب الاشتراكي المبارك"، وفي 1911، أسس إدريس راغب "الحزب الدستوري".
وتذكر المراجع التاريخية الخاصة بتاريخ الأحزاب المصرية أن عدد الأحزاب وقت قيام ثورة يوليو 1952، كان قد تجاوز 11 حزباً رئيسياً وهم: حزب الوفد/ حزب الأحرار الدستوريين/ الحزب السعدي/ الحزب الوطني/ حزب الكتلة الوفدية/ حزب الأمة/ الحزب الليبرالي الدستوري/ الحزب الفيدرالي/ حزب الشعب/ حزب الاتحاد، إلى جانب 27 جمعية سرية من أهمها جماعة الإخوان المسلمين،والحركة الشيوعية التي تعددت فصائلها، والتي غلب عليها العمل السري.. وأحزاب صغيرة لا تمتلك صحف تعبر عنها.


** ديمقراطية الشعب ومعارضة لا تحتمل


الأحزاب قبل ثورة يوليو 1952، كانت تنقسم لأربعة توجهات، هي الليبرالية يمثلها الوفد والأحرار الدستوريين والسعدي والكتلة الوفدية.. والإشتراكية يمثلها مصر الفتاة، وحزب العمال الإشتراكي الشيوعي، والحزب الشيوعي المصري، وحزب الفلاح المصري، والحركة الديمقراطية، وأحزاب موالية للقصر الملكي وهي الشعب والاتحاد، وأحزاب وجماعات دينية نذكر منها الإخوان المسلمين وحزبي الرخاء والإصلاح الإسلامي.
ثم ألغت ثورة يوليو 1952، الأحزاب في 16 يناير عام 1953، وهي المرحلة الثالثة في تاريخ الأحزاب المصرية حيث اعتمدت الثورة ما أطلق عليه "ديمقراطية الشعب" من خلال "هيئة التحرير" التي تضم كافة طوائف الشعب، التي تحولت في 16 يناير 1956، إلى "الاتحاد الإشتراكي".. وفي 29 أكتوبر 1962، أصدر الرئيس جمال عبد الناصر قراراً بتشكيل "الاتحاد الإشتراكي العربي"، الذي منح الطبقة العاملة نصف مقاعده. 
ثم جاءت الحقبة الساداتية، ومواكبةً للانفتاح الاقتصادي، كانت فكرة المنابر داخل الاتحاد الإشتراكي، التي أعلن عن تأسيسها في مارس 1976، بتأسيس ثلاثة منابر  تمثل اليسار "التجمع الوطني التقدمي" واليمين "الأحرار الاشتراكيين" والوسط "مصر العربي الإشتراكي".. وفي نوفمبر من ذات العام صدر قرار بتحويل المنابر لأحزاب سياسية، وأعقب ذلك صدور قانون تنظيم الأحزاب في يونيو 1977، وعقب صدور القانون أعلن الرئيس السادات عام 1978، عن تأسيس حزب جديد هو "الحزب الوطني الديمقراطي" والذي ضم أعضاء من "حزب مصر الاشتراكي"، وشهد ذات العام تأسيس "حزب العمل الإشتراكي" برئاسة المهندس إبراهيم شكري ، و"حزب الوفد الجديد الذي جمد نشاطه نتيجة لتعرض أعضاء الحزب لمضايقات أمنية وسياسية، ثم عاد للساحة الحزبية عقب تولي الرئيس حسني مبارك مقاليد الحكم في أعقاب اغتيال الرئيس السادات في السادس من أكتوبر عام 1981، لكن هيئة قضايا الدولة أقام دعوى قضائية بعدم جواز عودة الوفد، على اعتبار أن الحزب حل نفسه، وطعن الوفد في الحكم قائلاً إنه جمد نفسه ولم يحل الحزب، فقررت محكمة القضاء الإداري رفض دعوى الحكومة، والحكم بشرعية عودة الوفد، ليعود إلى ممارسة نشاطه السياسي بشكل رسمي في عام 1984.   


وفي عام 1981، قام الرئيس السادات بتعديل قانون الأحزاب بمنح لجنة شؤون الأحزاب سلطة مطلقة بالموافقة على التأسيس أو تجميد أوحظر النشاط، أو إلغاء الترخيص. وينتهي العهد الساداتي بوجود 6 أحزاب ( حزب مصر العربي الاشتراكي، حزب الأحرار الاشتراكيين، حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، حزب الوفد الجديد "المجمد نشاطه"، الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم، حزب العمل الاشتراكي) واصطدم الرئيس السادات مع الأحزاب لرفضها اتفاقية السلام مع إسرائيل، مما أدى لفرض القيود الأمنية على نشاط الأحزاب وصحفها، واعتقال أكثر من 1500 من رموز المعارضة من مختلف الأطياف السياسية والدينية، وإلغاء إصدار الصحف المعارضة في سبتمبر 1981. 

ومع تولي الرئيس حسني مبارك، توالي تأسيس الأحزاب حتى وصل عددها إلى 21 حزب، واللافت أن الحزب الوطني ظل المهيمن والحاكم على الحياة السياسية المصرية منذ تأسيسه عام 1978. 

تفتيت الساحة الحزبية 

مع قيام ثورتي يناير 2011، و30 يوليو 2013، وهي المرحلة الخامسة من عمر الأحزاب، توالت التعددية وأصبح تأسيس الأحزاب بالإخطار، وليس بالموافقة من قبل لجنة شؤون الأحزاب، مما دفع بالكثير لتأسيس أحزاب حتى بلغ عددها إلى 104 أحزاب.. ويمكن أن نطلق على هذه الفترة، تفتيت الساحة الحزبية، حيث قام عدد كبير من المعارضين لسياسات أحزابهم بتأسيس حزب لهم، مما أدى لتفريغ الأحزاب التي كانت قائمة من كوادرها، فضلا عن توزيع الحزب الوطني الحاكم على عدة أحزاب للإستفادة من تجربتهم. 
من خلال القراءة الموجزة لتاريخ الأحزاب في مصر، نجد أننا عدنا لفترة ما قبل الثورة حيث كان تأسيس الأحزاب قاصر على كبار ملاك الأراضي الزراعية، وكبار العائلات، وأصحاب رأس المال فى الشركات والمصانع الذين حرصوا على أن تكون السلطة فى يدهم يتصرفون وفق مصالحهم وضد مصلحة أبناء الطبقة الوسطى والعمال والفلاحين، كما كان من بين المؤسسين بعض العسكريين، وبعض رجال السياسة والقانون والصحافة.. واليوم بنظرة واحدة للأحزاب ستجد أن غالبية الأحزاب خاصة الحديثة منها، مثل (مستقبل وطن، وحماة وطن، والجبهة الوطنية، والشعب الجمهوري) قام بتأسيسها رجال أعمال، وعسكريين ورجال شرطة، ورجال قانون، وساسة وصحفيين موالين للأجهزة الأمنية، التي تقف خلف معظم هذه الأحزاب. 
الأمر الثاني: أن التعددية الحزبية الحالية لا تختلف عن التعددية الساداتية، التي كانت مجرد ديكور لاستكمال الإنقلاب على الإشتراكية، والتجربة الناصرية، والتي بدأها السادات في 15 مايو 1971 تحت مسمى "ثورة التصحيح"، والانفتاح الاقتصادي عام 1975، ديكور لم يحتمله السادات لمعارضته بتوقيع اتفاقية كامب ديفيد، وسياساته الإنقلابية على التجربة الناصرية، وتحوله للمعسكر الأمريكي، فقمع الأحزاب بمصادرة صحفها، وتكبيل نشاطها واعتقال رموزها وقياداتها.. اليوم تم تفتيت الأحزاب، والاستعاضة عن الحزب الوطني الحاكم بأربعة أحزاب تتقاسم المجالس النيايبية، والمئة حزب الأخرى بما فيها الأحزاب القديمة ذات الأيديولوجية مثل "الوفد والتجمع والناصري"، أصبحت مقرات خاوية على أطلالها، ويتم إرضائها بعدد زهيد من المقاعد من باب الديكور، وكذلك الأمر مع بعض الأحزاب الناشئة. 
الأمر الثالث: كانت الأحزاب الصغيرة مثل "الأمة والأحرار" في عهد الرئيس الراحل حسني مبارك، كما وصفها المفكر اليساري الراحل الدكتور رفعت السعيد "أكشاك لبيع تراخيص الصحف".. أصحبت الأحزاب اليوم محلات لبيع عضوية المجالس النيابية، وهو ما كشفت عنه انتخابات مجلسي الشيوخ والنواب 2025،  وفقاً لتقارير صحفية وتصريحات المنشقين عن الأحزاب، هناك تسعيرة تحصل عليها صناديق خاصة لضمان المقعد البرلماني، 30 مليون جنيه لمقعد بالقائمة في انتخابات الشيوخ، و70 مليون جنيه لمقعد بقائمة انتخابات مجلس النواب.. ومن أجل التزكية والدعم على المقاعد الفردية يسدد المرشح لتلك الصناديق من 10 إلى 30 مليون للمقعد الفردي بالشيوخ، ومن 10 إلى 50 مليون جنيه للمقعد الفردي بالنواب.. ذلك بخلاف ما يدفعه المرشح للحزب للترشح تحت لافتته، وهي تسعيرة تختلف من حزب لأخر فالأحزاب الكبيرة تبدأ من 10 إلى 70 مليون جنيه، والأحزاب الأخرى تتراوح الأسعار ما بين 5 إلى 40 مليون جنيه.
الخلاصة 
التجربة الحزبية المصرية منذ أعادها الرئيس السادات في عام 1976 وحتى وقتنا ذلك ما هي إلا ديكور تتجمل به الدولة.. فإذا كان السادات قد أعاد إنشاء الديكور ثم هدمه، فقد قام الرئيس حسني مبارك بتأميم الأحزاب عن طريق تحديد كوتة بالمجالس النيابية للأحزاب، وضمان وصول قادتها للقباب البرلمانية إما بترشيح الحزب الوطني الحاكم الذي يحصل على الأغلبية، مرشحين ضعاف مضمون سقوطهم، أو أن يقوم بتزوير الانتخابات لصالحهم، أما في الوقت الحالي فقد تم تفتيت التربة الحزبية وتفكيك الحزب الوطني الحاكم لأربعة أحزاب.. فضلا عن أن الأحزاب تسير على نهج سياسي واحد، على عكس الفترة المباركية التي شهدت هامش من الحرية السياسية يتيح للمعارضة التنفس.
الملاحظ أيضاً أن الأحزاب منذ عودتها للحياة في 1976، كانت تمتلك صحف تعبر عن رأيها ومواقفها السياسية والفكرية، فيما الآن لاتوجد للأحزاب صحف خاصة بها، وذلك بسبب ضيق مساحة الحرية، علماً [ان موقف الأحزاب مختلف عما كانت عليه قبل 2011، حيث كانت تسعى لهدم سيطرة وسطوة الحزب الوطني الحاكم، أما حالياً فمعظمها داعم لسياسات الدولة.  
وبات من الواضح أن زواج رأس المال والسياسة قد عاد للواجهة بقوة، كما كان قبل ثورة يوليو 1952، ولم يعد زواج بين رأس المال والسلطة فحسب بل استحواذ رأس المال على السلطة التشريعية والمناخ السياسي بسيطرته على الأحزاب.

تم نسخ الرابط