و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع

الوفد حصل على 195 مقعد من بين 264

3 أحزاب و2.7 مليون ناخب يشكلون أول برلمان فى مصر بعد دستور 1923

موقع الصفحة الأولى

في 12 يناير 1924، شهدت مصر أول انتخابات برلمانية في تاريخها. هذه الانتخابات جاءت بعد ثورة 1919، التي طالبت بالكثير من الحريات والحقوق التي كان يفتقدها الشعب المصري آنذاك. ونجحت الثورة في تأسيس حياة نيابية استمرت حتى اليوم، وبلغ عمرها 100 عام.
أجريت الانتخابات في عهد الملك فؤاد الأول بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، في وقت طالبت فيه الثورة بجلاء الإنجليز عن مصر واعتبارها دولة ذات سيادة مستقلة. وبدأ تحقيق ذلك تدريجيًا مع صدور تصريح 28 فبراير 1922، الذي اعترف بمصر دولة مستقلة مع وجود أربعة تحفظات، كما تضمن إنهاء الحماية البريطانية على مصر. وفي نهاية المطاف صدر في 1923 دستور جديد للبلاد، نص على ضرورة تأسيس حياة نيابية من خلال نظام برلماني يقوم على أساس الفصل والتعاون بين السلطات.

وكان من أبرز أهداف النظام البرلماني تنظيم العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. إذ سمح للبرلمان بالمراقبة، بينما احتفظ الملك بحق حل البرلمان ودعوته للانعقاد، مع منح البرلمان الحق في الانعقاد بموعده المحدد وفق الدستور حال تخلف الملك عن ذلك. وبدأت الحياة النيابية رسميًا في يناير 1924 بتشكيل مجلس النواب ومجلس الشيوخ. كانت مدة عضوية النواب خمس سنوات وجميعهم منتخبون، أما مجلس الشيوخ فكان ثلاثة أخماس أعضائه منتخبين والخمسان الآخران معينين.

المعركة الانتخابية

مع مطلع عام 1924، كان سعد زغلول يسيطر على المشهد السياسي في مصر بلا منازع. كان زعيم الأمة وبطل ثورة 1919، بعد كفاح الشعب المصري وصموده في مواجهة الاحتلال البريطاني. شهدت البلاد في تلك الفترة ارتفاعًا غير مسبوق في الوعي السياسي، حيث تابعت الأمة بلهفة إجراءات التمهيد للانتخابات، وتم تشكيل اللجان الشعبية في المدن والقرى، في دلالة واضحة على نضج الشعب السياسي ورغبته في المشاركة الفعّالة في صناعة القرار.
بدأت المعركة الانتخابية في أبريل 1923، أي بعد صدور الدستور وقانون الانتخاب مباشرة، واستمرت حتى 12 يناير 1924. وكانت هذه الانتخابات الأولى التي يظهر فيها النظام الحزبي بشكل واضح، فبرزت على الساحة ثلاثة أحزاب رئيسية: حزب الوفد، الحزب الوطني، والأحرار الدستوريون. وكانت المنافسة شرسة وحامية، تراوحت الحملات بين الخطب الجماهيرية والاجتماعات السياسية الكبيرة، وامتلأت الصحف بالمقالات والتحليلات، وكانت أغلب الصحف المستقلة تميل لصالح الوفد.
أسفرت الانتخابات عن فوز ساحق لحزب الوفد بنسبة 90% تقريبًا من مقاعد النواب، بعد حصوله على 195 مقعدًا من أصل 264 في مجلس النواب. فيما نجح عدد قليل من الأحرار الدستوريين، وتمكن من الحزب الوطني بعض الأعضاء مثل: عبداللطيف الصوفاني، عبدالرحمن الرافعى، عبدالحميد سعيد، وعبدالعزيز الصوفاني، بينما تمكن من الأحرار الدستوريين محمد محمود باشا، محمود عبدالرازق باشا، عبدالله بك أبوحسين، عبدالجليل أبوسمرة، عبدالحليم العلايلي بك، وتوفيق بك إسماعيل.
ومن أبرز الأحداث التاريخية، سقوط رئيس الوزراء يحيى إبراهيم باشا في دائرة منيا القمح أمام مرشح الوفد. وقد اعتبر المؤرخون هذا نموذجًا على النزاهة والالتزام بالقواعد الديمقراطية، إذ لم يتدخل في سير الانتخابات أو يضغط على الناخبين.
أما انتخابات الشيوخ، فقد جرت في 23 فبراير 1924، حيث فاز أغلب المرشحين الوفديين، في عملية انتخابية تركتها الحكومة حرّة دون تدخل، ما عزز مصداقية العملية الديمقراطية.
افتتح البرلمان المصري الجديد يوم 15 مارس 1924، ليكون أول برلمان حديث منتخب منذ الاحتلال البريطاني لمصر عام 1882، ويشكل بداية حقيقية للعهد النيابي الذي يمارس فيه نواب الأمة التشريع والمراقبة، بينما تتولى الحكومة التنفيذ بسلطة حائزة على ثقة الأغلبية.

وزارة الشعب

تمكن سعد زغلول بعد ذلك من تشكيل وزارته الوحيدة المعروفة باسم وزارة الشعب، التي استمرت من 28 يناير حتى 24 نوفمبر 1924. لكن الوزارة واجهت حادثة صعبة تمثلت في مقتل السير لي ستاك باشا، قائد الجيش المصري وحاكم السودان، في 19 نوفمبر 1924، ما هز البلاد وأثار توترًا شديدًا مع الحكومة البريطانية، ودفع زغلول لتقديم استقالته في 23 نوفمبر 1924.
ومع أن تجربة وزارة الشعب استمرت نحو عشرة أشهر فقط، إلا أنها تركت أثرًا بارزًا في تاريخ الديمقراطية والبرلمان المصري، وكانت شهادة على بداية ممارسة الشعب المصري حقوقه السياسية بعد عقود من الاحتلال والنضال.
ومع إعلان النتائج، بدأت ردود الفعل تتوالى بين الأحزاب والشخصيات السياسية، وكشف بعضها عن مفاجآت كبيرة لم يكن أحد يتوقعها.
جلس الدكتور محمد حسين هيكل باشا، رئيس حزب الأحرار الدستوريين، فى مكتبه يتلقى الاتصالات الخاصة بنتائج الانتخابات، وكتب في مذكراته بدأت التليفونات تدق، يالها من ليلة ما كان أعجبها وما كان أقساها! لقد كنا على ثقة من نجاح أشخاص بذواتهم فى دوائرهم، فلما وصلت النتائج فوجئنا بسقوط مرشحين متوقع نجاحهم أمام خصوم غير معروفين.
ومن أبرز المفاجآت سقوط وزير المالية السابق، إسماعيل صدقي باشا، أمام محمد نجيب الغرابلي فى طنطا، وانتخاب مصطفى بك النحاس على حساب على بك المنزلاوى فى سمنود، ما أثار دهشة الجميع.

حسب المؤرخ يونان لبيب رزق، بلغت نسبة المشاركة فى التصويت 58.4%، حيث أدلى نحو 2.7 مليون ناخب بأصواتهم من أصل 12.4 مليون نسمة.
أما أساليب الدعاية، فقد كانت المؤتمرات الجماهيرية هى الأبرز، حيث عقد حزب الوفد أكبر مؤتمر له فى نادى سيروس يوم 23 ديسمبر 1923، بحضور نحو 14 ألف شخص، ألقى فيه سعد زغلول خطبة هاجم فيها منافسيه من الأحزاب الأخرى. وفي المقابل، نظم الأحرار الدستوريون مؤتمراتهم فى سرادق بجوار مقر الحزب، واتهموا سعد باشا بمحاولات التأثير على نتائج الانتخابات لصالح الوفد، بينما ركز الحزب الوطني على مبادئه والتحذير من محاولات الإنجليز لفصل السودان عن مصر.
كما أشار أحمد شفيق باشا إلى أن نتائج الانتخابات عكست قوة حزب الوفد ونزاهة الوزارة المصرية والتزامها الحياد، حيث فشل العديد من السياسيين البارزين في الفوز بما فيهم رئيس الوزراء يحيى إبراهيم باشا.

تم نسخ الرابط