و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

 قال الحق سبحانه وتعالى (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) النساء 17 وإنما هنا كافة ومكفوفة ، فال (ما) تكف عمل (ان) وهي كافية ، بمعنى ان ما تجعل مبتدأ (ان) مرفوع وليس منصوب لان (ما) كفت عملها ، فمثلا في هذه الاية لو ان (ما) ليست موجودة تكون الاية (ان التوبةَ) منصوبة ولكن عندما دخلت (ما) اصبحت الاية (انما التوبةُ) فتكون مرفوعة.
إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ يعني أن التوبة النصوح (التي تقبلها الله) هي حق على الله تعالى تجاه عباده الذين يستوفون شروطها فهو يقبلها ويغفر الذنوب لهم، كما روي في تفسير الطبري أن الله يفرض على نفسه قبول التوبة لمن يتوب توبة صادقة ، هذا يدل على رحمة الله الواسعة، إذ لا يقبل التوبة إلا هو وحده ، والتوب لها شروط أولها الاقلاع عن الذنب وثانيها الندم على الذنب وثالثها العزم على عدم الرجوع الي الذنب ورابعها الاستغفار عن الذنب وخامسها في حق الناس استبراء ذمة المذنب في حقه ، والتوبة في هذه الاية مبتدأ مرفوع وشبه الجملة (على الله) جار ومجرور في محل رفع حال ، (للذين) اللام حرف جر والذين مجرور وشبه الجملة في محل رفع خبر المبتدأ (التوبة) 
وفي هذه الجملة فان الله سبحانه بلطفه على عبادة ورحمته التي وسعت كل شيء يخبرنا انه كتب على نفسه وألزم ذاته سبحانه وتعالى انه يقبل التوبة عن عباده الذين يعملون السوء (بجهالة) ، والسوء هنا هو كل فعل يحضّ عليه الشيطآن ويوسوس به لابن آدم ولنتدبر قوله سبحانه وتعالى في سورة البقرة: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ (168) إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاء وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (169). 
ولأن الشيطان  يريد ان يقع ابن ادم في المعصية لقوله سبحانه وتعالى: إِن يَدْعُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ إِنَاثًا وَإِن يَدْعُونَ إِلاَّ شَيْطَانًا مَّرِيدًا (117) لَّعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا (118) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا (119) يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا (120) النساء ، فان الله كتب على نفسه الرحمة وكتب على نفسه قبول التوبة لمن تاب 
ونأتي لقوله سبحانه وتعالى (بجهالة) والجهالة قد تكون في الاعتقاد على نحو قوله سبحانه وتعالى: وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (21) قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (22) قَالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِندَ اللَّهِ وَأُبَلِّغُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ (23) الأحقاف ، وقد تكون في العمل على نحو قوله سبحانه وتعالى: وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ (55) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (56) القصص
ففي الاولى في الاعتقاد والثانية في العمل ولذلك عندما قال موسى لقومه ان الله يأمركم أن تذبحوا بقرة ، قالوا له : اتتخذونا هزوا؟ قال لهم (معاذ الله ان اكون من الجاهلين).

 

وجهالة الاعتقاد

وجهالة الاعتقاد تكون في الغالب عن يقين بانه على الحقّ رافضا للحق ولواحين رب العالمين الواحد الاحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا احد ، فينكر بالكلية او يدعوا معه إله آخر وفي الحالين تكون التوبة بمعرفة الحق وقبوله ، اما في جهالة الفعل قد تكون بظن من الفاعل بصحة فعله او تكون بارتكاب الذنب لضعف الإرادة وانهيار العزم تحت وطأة وسوسة الشيطان ، لذلك تكون التوبة بالاقلاع عن فعل السوء والندم عليه والعزم على عدم العودة مع الاستغفار ، وتكون مقبولة حتى لو وقع في الفعل بعد ذلك عن ضعف عزم وقلة ارادة وليس عن استهزاء والعياذ بالله
والله سبحانه وتعالى يقبل التوبة عن كل انواع الجهالة بشرط النية والعزم الحقيقي على التوبة ، وان يكون ذلك من قريب ، ونأتي هنا لقول الله سبحانه وتعالى (من قريب) دون تحديد ماهية القريب يعني ان الانسان عندما يخرج من غفلته التي ارتكب بها الفعل فإنه يتخذ قراره ويأخذ طريق التوبة شرط عدم زيارة ملك الموت ، اي يجب الاستعجال في التوبة، أي الرجوع إلى الله فورًا دون تأخير أو استمرار في الذنب. “من قريب” يعني في زمن قريب من الوقت الذي شعرت فيه انك ترتكب ذنباً تريد التوبة منه ، دون أن يسترسل الإنسان في المعصية أو يعتادها لان في ذلك تمييز بين الجهالة والعناد ، اما الذي يستمر في السوء الي ان يأتيه الموت فيقول تبت الان ، فان الحق سبحانه استدرك بالآية التالية فقال سبحانه وتعالى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (18) ، لذلك لم يقبل الله من فرعون عندما جاءه الغرق فقال عز من قائل: وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) يونس ، وهذا دأب كل المجرمين فقد قال سبحانه وتعالى: أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) يونس ، ولأن الله سبحانه وتعالى استنكر ان يكون المسلمين كالمجرمين وقال سبحانه وتعالى (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (35) القلم  ، فان وعده نافذ في كل البشر منذ خلقهم الي يوم يبعثون فقال سبحانه وتعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لاَ يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِن قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا قُلِ انتَظِرُواْ إِنَّا مُنتَظِرُونَ (158) الانعام 
صدق الله العظيم

تم نسخ الرابط