اعتراف بمكانة القاهرة كمركز إقليمي
الجراحة الدقيقة.. بريطانيا تستثني حقل ظهر المصري من العقوبات المفروضة على روسيا
قررت الحكومة البريطانية إدراج حقل ظهر المصري للغاز الطبيعي ضمن قائمة المشروعات المستثناة من العقوبات المفروضة على روسيا، رغم وجود مساهمة لشركة «روسنفت» الروسية بنسبة 30%، إلى جانب حصة لشركة «بي.بي» البريطانية تبلغ نحو 10%، بالإضافة إلى شركاء آخرين في المشروع.
وبحسب الحكومة البريطانية، شمل التعديل الجديد على الترخيص العام السماح باستمرار المعاملات المالية والأنشطة التجارية المرتبطة بحقل ظُهر حتى أكتوبر 2027، دون أن توضح لندن الأسباب التي دفعتها لمنح هذا الاستثناء.
ويأتي هذا القرار في وقت كانت فيه بريطانيا والولايات المتحدة قد فرضتا، خلال أكتوبر الماضي، عقوبات على شركتي «روسنفت» و«لوك أويل»، باعتبارهما من أكبر منتجي النفط في روسيا، على خلفية اتهامات بتمويل الحرب الروسية في أوكرانيا.
ووفق الترخيص المعدل، يُسمح بمواصلة تشغيل حقل ظهر والتعاملات المرتبطة به، في ظل هيكل ملكية يضم شركة «إيني» الإيطالية كمساهم رئيسي ومشغل للمشروع، إلى جانب «روسنفت» وشركاء دوليين آخرين، بينما لم تصدر الحكومة البريطانية تعليقًا رسميًا بشأن تفاصيل القرار حتى الآن.
ويمتد الإعفاء ليشمل مشروعات طاقة كبرى أخرى في روسيا وقازاخستان ومنطقة بحر قزوين، ضمن سياسة تعتمد على تراخيص عامة تتيح استمرار بعض أنشطة الطاقة الاستراتيجية رغم العقوبات المفروضة.
وفي السياق ذاته، تضمنت العقوبات الأمريكية التي أُقرت في أكتوبر تراخيص مماثلة سمحت بمواصلة العمل في عدد من مشروعات الطاقة العملاقة، من بينها مشروع «تينجيز» في قازاخستان، الذي تشارك فيه «لوك أويل»، ومشروع خط أنابيب بحر قزوين، الذي تعد «روسنفت» أحد المساهمين فيه.
ويرى خبراء قانونيون أن هذه التراخيص تمثل آلية قانونية لتنظيم الاستثناءات داخل منظومة العقوبات، بما يضمن عدم تعطل الإمدادات العالمية للطاقة، ويمنح الشركات مساحة للالتزام بالقوانين دون التأثير المفاجئ على الأسواق.
ويعد حقل ظهر أكبر حقول الغاز في البحر المتوسط، باحتياطيات تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، رغم تراجع إنتاجه عن أعلى مستوياته المسجلة في عام 2019.
واقعية اقتصادية
وكانت شركة «إيني» قد أعلنت التزامها بضخ استثمارات تقارب 8 مليارات دولار في السوق المصرية، بالتوازي مع إطلاق أنشطة تنقيب جديدة في البحر المتوسط، في خطوة تستهدف دعم الإنتاج وتعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة.
ويشكل القرار البريطاني باستثناء حقل ظهر من العقوبات الروسية حتى أكتوبر عام 2027 خطوة استراتيجية تعكس تقاطع المصالح الاقتصادية مع الحسابات الجيوسياسية، حيث يكشف القرار أن بريطانيا رغم تشددها في ملف العقوبات ضد موسكو، تدرك أن المساس بـ حقل ظُهر قد يؤدي إلى اضطرابات في سوق الغاز الإقليمي والدولي.
ويضمن الاستثناء تدفق الغاز المصري إلى الأسواق العالمية بما فيها أوروبا كبديل حيوي للغاز الروسي، مما يجعل الحفاظ على استقرار الحقل مصلحة أوروبية عليا تتجاوز الرغبة في معاقبة شركة روسنفت.
كما أن أحد المحركات الرئيسية للقرار هو حماية الاستثمارات البريطانية المباشرة. شركة "BP" شريك أساسي في حقل ظهر، وأي تعطل في العمليات أو التحويلات المالية بسبب العقوبات كان سيضع الشركة البريطانية في مأزق قانوني ومالي كبير. ويأتى الاستثناء بمثابة مظلة أمان قانونية تتيح للشركات البريطانية مواصلة نشاطها دون التصادم مع قوانين العقوبات الخاصة ببلادها.
كما يعكس القرار اعترافاً دولياً بمكانة مصر كمركز إقليمي لتداول الغاز، حيث أن فرض عقوبات تؤثر على إنتاج حقل ظهر كان سيؤدي لنتائج عكسية تضر بالاقتصاد المصري وحلفاء الغرب في المنطقة، ولذلك اختارت لندن مساراً يضمن بقاء مصر لاعباً مستقراً في شرق المتوسط، مع عزل حصة روسنفت إدارياً وتشغيلياً لضمان عدم توقف المشروع.
وبالتالي فالقرار ليس تراجعاً عن العقوبات، بل يمثل واقعية اقتصادية، حيث اختارت بريطانيا حماية أمن الطاقة العالمي ومصالح شركاتها الكبرى على حساب ممارسة ضغط كامل على حصة روسيا في مشروع يقع خارج الأراضي الروسية.








