معارك أكتوبر والنصر العظيم
ملحمة بورسعيد .. قصة إنقاذ أرض القمر وإسقاط 16 طائرة إسرائيلية

خاضت بورسعيد خلال حرب أكتوبر 1973 معركة دفاعية استثنائية، فقد مرت أيام 6 و 7 أكتوبر بهدوء على المدينة، لكن فجأة في يومى 8 و 9 أكتوبر، شنت القوات الجوية الإسرائيلية سلسلة غارات مكثفة وغير مسبوقة على المدينة الباسلة، حيث قامت إسرائيل يوم 8 أكتوبر وحده بـ 122 طلعة جوية على بورسعيد، وقصفت الأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس، في مناطق العرب، الحميدي، التجاري، والأفرنج.وكان الهدف من هذا الهجوم الشرس هو القضاء على الكتيبة 463 دفاع جوي، المتمركزة قرب مطار الجميل، والتي كانت تمثل خط الدفاع الجوي الأول للمدينة. وبالفعل، أصيبت الكتيبة إصابات بالغة وخرجت من الخدمة، مما دفع القيادة المصرية إلى اتخاذ قرار حاسم بنقل كتيبة جديدة للدفاع عن المدينة.
وجاءت الأوامر بسرعة بنقل الكتيبة 418 دفاع جوي من قليوب إلى بورسعيد، بقيادة الرائد آنذاك أيمن حب الدين. وصلت الكتيبة فى العاشر من أكتوبر إلى موقع تمركزها الجديد، وهو نفس الموقع الذي تعرض لقصف عنيف أدى لتدمير الكتيبة 463، وكان مليئًا بالحفر الناتجة عن القنابل، مما دفع الجنود لإطلاق اسم "أرض القمر" عليه. ورغم صعوبة التضاريس وخطورة الوضع، تمكنت الكتيبة من نصب الصواريخ وتجهيز غرف القيادة والتحكم خلال ليلة واحدة.فكانت جاهزة فى صباح 11 أكتوبر، وفي أول مواجهة مباشرة، اطلقت قوات العدو الاسرائيلى أربع طائرات باتجاه الموقع، لكن الكتيبة أسقطت طائرتين، بينما فرت الطائرتان الأخريان، هربا من الصواريخ.
دفاعات المدينة الباسلة
استمرت المواجهة لستة أيام، من 11 إلى 16 أكتوبر، كان فيها الطيران الإسرائيلي يحاول بكل وسيلة اختراق دفاعات المدينة، بينما تصدت الكتيبة 418 لهم ، وأسقطت طائرة تلو الأخرى.ففي يوم 11 أكتوبر، نُفذت أربع طلعات جوية على بورسعيد، وأسقطت الكتيبة ثلاث طائرات. وفي 12 أكتوبر، بلغت طلعات العدو 68 طلعة، وأسقطت الكتيبة خمس طائرات. وفي 13 أكتوبر، واجهوا من العدو 46 طلعة أخرى، وأسقطت الكتيبة خمس طائرات إضافية. وهدأ الوضع نسبيًا في 14 أكتوبر دون اى مواجهات . ثم عاد التصعيد في 15 أكتوبر ب24 طلعة، أسقطت الكتيبة خلالها طائرتين، وفي 16 أكتوبر، وهو اليوم الأخير، نفذ العدو 72 طلعة جوية في محاولة أخيرة لكسر الدفاع، وتمكنت الكتيبة من إسقاط طائرة واحدة، قبل أن تتعرض لتدمير شامل، اضطرها إلى مغادرة الموقع واخلاء أرض المعركة.
وبذلك، يكون إجمالي ما أسقطته الكتيبة 418 خلال 6 أيام فقط هو 16 طائرة إسرائيلية، رغم الفارق الهائل في الإمكانيات، ولم تكن الكتيبة 418 وحدها في مواجهة الهجوم الاسرائيلى ، فقد لعبت قوات الدفاع الشعبي دورًا محوريًا ، وساعدت في عمليات المراقبة، والتمشيط، وتقديم الدعم اللوجستي، وفي أسر عدد من الطيارين الإسرائيليين الذين سقطوا في أراضي بورسعيد بعد إسقاط طائراتهم.
وعلى الرغم من أن الموانع الطبيعية كانت تمنح بورسعيد ميزة دفاعية، إلا أن هذه الطبيعة نفسها فرضت تحديات كبرى. فقد كانت المنطقة تفتقر إلى الهيئات الأرضية المرتفعة اللازمة لنصب الدفاعات، كما أن المياه الجوفية المرتفعة منعت إقامة التحصينات الأرضية التقليدية. لهذا، جرى نقل تجهيزات هندسية من خارج القطاع، وإنشاء نقاط قوية فوق الأرض، مع توزيع القوات على نقاط متفرقة تغطي القطاع بالكامل، بدعم من مدفعية ومعدات مجنزرة واحتياطيات متحركة للهجمات المضادة. كما جرى تجهيز الكباري العائمة والمخاضات لاستخدامها في حال تدمير الكباري الرئيسية التي تربط المدينة بالغرب والجنوب، وتم تكديس كميات ضخمة من الذخيرة والمؤن داخل بورسعيد تحسبًا لأي عزلة مفاجئة.