الدكتور محمد خالد العقيد يكتب: مضمار التعليم عندهم

في الوقت الذى قامت فيه السينما الإسرائيلية بدور خبيث بشأن نشر الأفكار الصهيونية ، كان اليهود يكرسون جهودا أخرى على نطاق التعليم والتوجيه ، ولم يبدأ هذا الجهد منذ قيام الدولة سنة 1948 ، ولكن منذ وجود الاحتلال الإنجليزى الأخبث ، وتحديدا منذ وعد بلفور 1917 ، حين عقد اليهود عدة اجتماعات مع الإنجليز ، وتحديدا مع المسؤل عن الإدارة البريطانية في فلسطين ، وسمحت السلطات البريطانية لليهود بوضع المناهج التعليمية اللازمة للأجيال اليهودية الجديدة التي استفرغتها أوربا على فلسطين ، ومنعتها عن عرب فلسطين أهلها الشرعيين بالطبع ، ونصب اليهود مسؤلاً بريطانيا على إدارة المعارف ، بحيث يضع المناهج التعليمية التي تتوافق مع بنود وعد بلفور ، الوعد الذى مكن اليهود من فلسطين ، وتخدم الصك البريطاني الذى مكن اليهود من الانطلاق الاقتصادى ، والاجتماعى في فلسطين ، وبيان أهمية الوطن القومى اليهودى .
وهنا تبدو أهمية التعليم الأولى الذى من شأنه تشكيل العقول في بواكير حياتها ، والتعليم في الصغر كالنقش على الحجر ، يصعب للمتعلم النسيان ، على عكس التعليم في الكبر .
وفى 1948 حين قامت إسرائيل أعلن بن جوريون 1886 ـــ 1973م ، أول رئيس وزراء لإسرائيل أمام حشد من غلاة الصهيونية ما أسماه " وثيقة الاستقلال " وضع فيها منهجا فعالا للأمة اليهودية ، وألزم الجميع بالسير عليه ليضيىء لهم الطريق لتحقيق الأمانى التربوية والتعليمية اليهودية القادمة وفق نصوص ومعايير راسخة .
منها التركيز في التعليم والتربية على التشبع بمفهوم الحقوق التاريخية والقانونية والطبيعية في إقامة وبناء الدولة ، وهذا البند يلزم معنى الضرورة ، لأن أوربا حين تغوطت الأقلية اليهودية و ألقت بها على شعب فلسطين وأرضه ، فإن المهاجرين اليهود قد تركوا موطنهم الأصلى إلى أرض أخرى لم يعهدوها ، ولابد من تهيئة هذه الأجيال لتستقبل الحياة الجديدة ، دون أن تشعر بالغربة ، فلابد من وجود إعداد يدعم التغيير الجديد للوافد اليهودى ، وهؤلاء لهم ذرية تحتاج لتشكيل عقول تناسب الوضع الجديد .
وثيقة جوريون
أما النقطة الثانية من وثيقة بن جوريون فقد ركزت على إعلان الدولة اليهودية ومؤسساتها وجاء البند الثالث والرابع من أسس الإدارة للدولة لتناسب الشعب الإسرائيلي ، وتعزيز قيمة الوطن الجديد المدعم بالعقيدة والتشريع التلمودى ، وضبط آليات التعامل مع أبناء اليهود من الأجناس المختلفة ، ، وصرحت الوثيقة على بيان حدود إسرائيل الرهنة والمأمولة ، والسير على أساس السياسة التوسعية .
وفسرت الوثيقة دعوى هرتزل الصهيوني الأشهر الذى نشر فكرة قيام إسرائيل بتشجيع الهجرة إلى فلسطين وتأسيس كيان قومى لليهود ، ووضع فلسفة جديدة لتربية الناشئة الصهيونية ، ويمكن تركيز فلسفة التعليم اليهودى في بعض الأمور ..
أن اليهود أمة واحدة ، ولابد من جمع اليهود الذين هاجروا إلى فلسطين ، لابد وأن يتوحدوا على الدين اليهودى ، واللغة العبرية .
- أن أرض إسرائيل التي رسمتها الخرائط الدينية تكمن في أرض فلسطين ، ولابد من العودة إليها ـــ وفق عقيدة اليهود ، وقد حدث .
- اعتماد التوراة المصدر الرئيسى لأساس التاريخ القومى اليهودى وحدوده الجغرافية ، ولغته العبرية ، وهو الداعم للتقاليد الروحية والأخلاقية لليهود .
- الالتزام بالصياغة التي حددت الأمة اليهودية وتضمين ثقافة اليهود لكل الأجيال ، وفرض العبرية على كل أبناء اليهود .
- اعتبار الشعب اليهودى هو شعب الله المتار ، وأنه فوق كل الشعوب ، و أن الله قد سخر جميع الشعوب لخدمة شعب إسرائيل ، وأى تطور بلغ الحضارات إنما هو من وحى ّ شعب اليهود وعلومه ، وثقافته .
- تدريب كل أبناء إسرائيل على العسكرية الدائمة ، والجندية لمدد طويلة ، وفرض التدريبات العسكرية على المدراس ، وشحن أفكار العداء وغرس أفكار احتقار العرب .
- الغرس ــ الشيطانى ــ للناشئة اليهود بأن العرب يعملون على إبادتهم ، والتخلص منهم نهائيا ، وملء المناهج الدراسية بقصص مكذوبة وبطولات وهمية خارقة للشعب اليهودى ، ولأجل عظمة الجنس اليهودى الأسطورى جعلهم الله الشعب المختار ، ووعدهم بالاستخلاف في الأرض لآنهم تعرضوا للإذلال والمهانة ، وتعرضوا لمذابح مهولة من قبل الشعوب الأخرى عبر العصور المختلفة .
وفى هذا المضمون الذى تقدم وضعت وزارة المعارف والثقافة في إسرائيل آنذاك المرتكزات ، والقيم التربوية التي تبنى على أساسها كتب العلوم الإنسانية ( التاريخ ــ الجغرافيا ــ المواطنة ــ المدنيات ــ العقيدة اليهودية ــ المطالعة ) وهى مقررة على المراحل التعليمية المختلفة .
مع بلورة مفهوم الاحتلال الاستيطانى لفلسطين ، وأجزاء من العالم العربى وتبرير ذلك وجدانيا ، الأمر الذى يصور في وجدان الطالب اليهودى أن العرب يستحقون الفناء .