لم تعد القيادات الفلسطينية التي تعاقبت على المشهد السياسي تمثل أحدًا سوى نفسها ومصالحها الضيقة ، فقد تحولت إلى طبقة منفصلة تمامًا عن نبض الشعب، تمارس دورها من أبراجٍ تنظيمية وحزبية مغلقة، بينما يدفع المواطن الفلسطيني ثمن فشلها وتخبطها وصراعاتها على النفوذ والمحاصصة .
ولعل أخطر ما أنتجته هذه القيادات هو تعطيل المسار الوطني، وتحويل القضية من مشروع تحرر إلى ساحة تنازع ومراكز قوى فقدت البوصلة والشرعية معًا لقد سئم الشعب الفلسطيني الوجوه ذاتها التي استنفدت كل ما لديها من شعارات واحتكرت القرار على مدى عقود، حتى غدت عبئًا على القضية نفسها ، ومع مرور الوقت، باتت هذه القيادات تعتمد على شبكة من المنتفعين والمصفقين، بينما تتسع الهوة بينها وبين التمثيل الحقيقي للجماهير، إلى الحد الذي لم يعد فيه التجميل السياسي قادرًا على إخفاء حقيقة سقوط شرعيتها وانتهاء صلاحيتها التاريخية .
دائرة التكرار العقيم
إن اللحظة الراهنة تفرض الانتقال من دائرة التكرار العقيم إلى ولادة قيادة جديدة تنبع من عمق التجربة الشعبية، من المخيمات والساحات والميادين، لا من المكاتب المطلية بالامتيازات ، قيادة تعرف آلام الناس لأنها عاشتها، وتدرك معنى الكرامة الوطنية لأنها دفعت ثمنها، لا قيادة تتاجر بالوجع وتستخدمه خطابًا للاستهلاك .
وفي هذا السياق، فإن المطالبة بالإفراج عن المناضل مروان البرغوثي لم تعد موقفًا عاطفيًا، بل هي تعبير صريح عن رغبة شعبية وحقيقية للخلاص من حالة الركود والتآكل السياسي ، فخروج مروان قادر على إعادة ترتيب المشهد، وإسقاط كثير من “الكيانات” والوجوه التي نصبت نفسها قيادات، وقدمت قوة السلطة على قوة الشرعية، وفرضت حضورها بالفراغ لا بالإجماع إن استعادة القرار الوطني تبدأ بإسقاط الوهم بأن هذه القيادات تمثل الشعب، فلكل زمن رجاله، ورجال هذا الزمن يجب أن يكونوا على قدر وجع الفلسطينيين وعلى قدر آمالهم، لا على قدر امتيازات السلطة ومكاسبها .




