لا يعلم أحد علي وجه الدقة مآلات التحقيقات الدائرة، حاليًا، في عدد من ملفات أراض بـ الساحل الشمالي، و هى ملفات اختلط فيها النفوز القديم بالفهلوة بأساليب التربح من كل شئ، خاصة أراضى الدولة، فكل شئ مباح ما دام متاحاّ في ظل تواطؤ متقن من موظفين عموميين يحللون الحرام، ويحرمون الحلال بجرة قلم، أو بمعاينة وهمية، كما حدث بقرية "لؤلؤة هليوبوليس"التى دخلت فاجأة دوامة التحقيقات بنيابة الأموال العامة بالإسكندرية .
من المؤكد أنا أو غيرى ، لا نملك اليقين عما إذا كان اللغط الدائر حول الوقائع محل التحقيق الجارى كيدية، أو أنها تستند إلى ادانات لا تقبل الشك، لكن ما بين هذا و ذاك لا يمكن إغفال ضياع مليارات الجنيهات علي الدولة أو أصحاب الحقوق من الملاك، الذين أودعوا مدخراتهم سواء في وحدة، شقة، أو شاليه فى الساحل الشمالي، وكونوا اتحاد ملاك ، لكن لا حول لهم و لا قوة، أمام نفوز وهمى، إلى أن تتحرك أجهزة الدولة لإنقاذ ما يمكن انقاذه قبل فوات الأوان.
علي مدار 3 عقود، شاء القدر أن أغوص بداخل ملفات و أوراق تخص أراضي الدولة، أمسكت خلالها بخيوط قادت لشبكات محترفة من المتربحين علي حساب المال العام، أثروا وأفلتوا من العقاب وينعمون و ذويهم بما جنت أياديهم، لكنني لم أجد بشاعة توازي ما يحدث في الواقعة التى نحن بصددها، ليس لأنها تخص نفوذ أو علاقات مصالح أو ما شابه ذلك ، إنما لأنها ، وهذه كارثة أخلاقية قبل أن تكون مادية ، لأنها تتعلق بهدم مسجد و الاستحواذ علي أرضه، و استقطاع جزء من الطريق لصالح مشروع خاص، لاحظ ، مشروع خاص، وليس مشروع قومى مثلاً الوقائع صادمة .. لكن علينا أن ننتبه جيداً، و نعلي من أهمية المقارنة بين ما يحدث بما كان، و يقيناً ،لن يجد أي أحد صعوبة في معرفة حقيقة دامغة، لا تقبل المواربة، مفادها أن الإرادة السياسية لمحاربة الفساد و الحد من طغيانه، وملاحقة الفاسدين، توافرت بالفعل، وليس هناك من هو فوق المساءلة، فقد شاهدنا، وشاهد الكثيرون، وزراء ومحافظون وشخصيات نافذة ، تم اقتيادهم إلى المحاكمة وهم مكبلون بالقيود الحديدية، لذا لم يكن من المستغرب أن تفتح الجهات الرسمية المعنية بمكافحة الفساد أبوابها و منافذها للمواطنين، لتلقي البلاغات والتحقيق فيها دون تستر علي أحد .
و البلاغ الذى يدور بشأنه التحقيق حالياً بنيابة الأموال العامة بالإسكندرية، لن يكون استثناء من القاعدة العامة، و مفادها أنه لن يفلت أحد من العقاب، ، لكن ربما وجدت هذه الواقعة حيزاً من الانتشار ، سواء في أحاديث النميمة بين رجال البيزنس ، أو علي جروبات اتحاد ملاك القرية، ربما لفجاجة الواقعة، باعتبارها محفزة علي الصراخ في وجه الجميع، من رأى و من سمع ،و خرس لسانه، فهل يفيق البعض من غفوتهم، وإجلاء الحقيقة حتى نزيح الظلم ان وقع علي مظلوم، و في ذات الوقت ندهس الاتهامات، ان كانت في غير محلها، لذا فإن هناك ضرورة لأن يتحرك من بيدهم الأمر ، إما لكشف الحقائق أو لفضح العبث والتصدى للعابثين، مهما كان نفوزهم، أو تنامى علاقاتهم .
و أما القصة التى نحن بصددها فتخص واحدة من القري السياحية الشهيرة بالساحل الشمالى ، وهى قرية لؤلؤة هليوبوليس، التى أنشئت قبل 30 عاماً و فالتفاصيل أحدثت دويا هائلًا، ربما لا ينقطع صداه علي المدي القريب، لأنها تتعلق بهدم مسجد تابع لوزارة الأوقاف، نعم مسجد تابع لوزارة الأوقاف المصرية وليس في دولة أخري، و الجريمة، هى استقطاع جزء كبير من مساحته وضمها لإنشاء مشروع استثمارى خاص .
أتحدث هنا عن هدم مسجد، و ما يحمله ذلك من دلالات معلومة، و الهدم ليس لتوسعة طريق عام مثلاً ، أو لدخوله في نطاق مشروع قومي مثلاً ، فما بالنا إذا كانت التحقيقات في القضية 4048 لسنة 2025 ، و المقيدة برقم 91 لسنة 2025 ، تتناول أرض المسجد و أرض الشارع معاً، بعد أن تم استقطاع 6 أمتار من عرض الشارع الذي يبلغ 19 متراً بطوله .
داخل قرية لؤلؤة هليوبوليس
المسجد مقام داخل قرية لؤلؤة هليوبوليس منذ عام 1994 على مساحة 1033 متر مربع ويخدم قري لؤلؤة هليوبوليس و هاسيندا ، ومرسيليا بيتش ، و المسجد يتبع وزارة الأوقاف، التى وافقت علي طلب الشركة بهدم المسجد لاعادة بناءه من جديد، دون علمها باستقطاع 885 متراّ و البناء على 150 مترا فقط ، لصالح مشروع سياحى ، ولم يتم توصيل أية مرافق للمسجد ، مما فتح الشهية لاحاديث النميمة .
و في إطار اللغط الدائر و ما تضمنته التحقيقات الجارية، تقفز معلومات مثيرة، و هي محل تحقيق، عن إصدار ترخيص المشروع الخاص الذي حمل رقم 1398 لسنة 2025 ، حيث تم انتداب مؤقت لمهندس بجهاز تنمية الساحل لتنفيذ مهمة وحيدة ، ثم العودة إلى محل عمله و ترقيته، و أثبت، المنتدب مؤقتاً، في تقريره أن الأرض فضاء، بل و خالية تماماً من المباني، رغم أن المسجد مقام منذ 30 عاماً .
و في هذا السياق متعدد الأوجه المتناقضة، تلقي اتحاد ملاك القرية خطاباً من خبراء الكسب غير المشروع، تشكيل لجنة فنية لمراجعة مستندات المشروع والمخالفات المثبتة على أرض الواقع ، لاتخاذ الإجراءات ضد المتورطين .
يبدو أن الخطوات الرسمية المتسارعة، ستكشف المزيد من أساليب التحايل والتربح علي حساب المال العام، وهنا لن نتوقف عند حدود تقدير المبالغ التى دخلت وستدخل جيوب الهليبة، فليس مهما سواء كانت المبالغ 100 مليون أو أكثر ، إنما المهم هو أن شعار الدولة ، لا تستر علي فاسد مهما علا شأنه .








