في العاشر من ديسمبر من كل عام، يحتفل العالم باليوم العالمي لحقوق الإنسان، إحياءً لذكرى اعتماد "الإعلان العالمي لحقوق الإنسان" عام 1948، الذي مثّل نقطة تحول تاريخية في مسيرة الإنسانية نحو صون الكرامة وحماية الحقوق الأساسية. هذا الإعلان، الذي شاركت مصر في صياغته وصوتت لصالحه، فتح الباب أمام بناء منظومة دولية متكاملة لحماية حقوق الإنسان وتعزيزها.
منذ العصور القديمة، ربط فلاسفة القانون الطبيعي بين مبادئ حقوق الإنسان والقانون الطبيعي، مؤكدين أن الطبيعة خلقت البشر متساوين دون تمييز، وأن هذه الحقوق تسبق الدولة وتعلو عليها. وقد تجسدت هذه الأفكار في إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي عام 1789، الذي نص في مادته الأولى على أن "يولد الأفراد ويعيشون أحرارًا ومتساوين في الحقوق"، ليصبح أساسًا للدساتير الحديثة.
وفي مصر، حرصت الدساتير المتعاقبة منذ دستور 1923 على ترسيخ مبدأ المساواة أمام القانون، معتبرة إياه حقًا أصيلًا من حقوق الإنسان. فقد نصت المادة الأولى من دستور 1923 على أن "المصريون لدى القانون سواء"، وهو ما تكرر في دستور 1930 والدساتير اللاحقة، وصولًا إلى دستور 2014 الذي أكد في مادته الأربعين أن المواطنين متساوون في الحقوق والواجبات العامة دون تمييز بسبب الجنس أو الأصل أو الدين أو العقيدة.
هذا الالتزام الدستوري الذي سبق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948، انعكس في إطلاق الإستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان عام 2021 بمبادرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، لتكون إطارًا شاملاً لتعزيز الحقوق السياسية والمدنية، والحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية، إضافة إلى حقوق المرأة والطفل والشباب وذوي الإعاقة وكبار السن، وتشارك في تنفيذها مختلف الوزارات والجهات الوطنية بالتعاون مع منظمات المجتمع المدني، بما يعكس الإرادة السياسية القوية والإلتزام الوطني الجاد، بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، لقد أنشأت وزارة العدل عام 2002 إدارة عامة متخصصة لشئون حقوق الإنسان، تتولى إعداد التقارير الدورية لمصر أمام اللجان الأممية والإقليمية، ودراسة توافق التشريعات الوطنية مع الاتفاقيات الدولية، وتنظيم دورات تدريبية للقضاة والكوادر الإدارية.
منصب مساعد وزير العدل لحقوق الإنسان
وفي عام 2003 صدر قرار بإنشاء منصب مساعد وزير العدل لحقوق الإنسان، كما شُكلت اللجنة الرئيسية لحقوق الإنسان بمشاركة وزارات وهيئات حكومية متعددة، لتنسيق إعداد التقارير الدولية وضمان تكامل المعلومات الوطنية.
وقد أصدرت اللجنة "الموسوعة المصرية لحقوق الإنسان"، وشاركت في إعداد كوادر قضائية متخصصة بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، وأسهمت في الرد على استفسارات الآليات الدولية. ومع تعاظم الاهتمام بملف حقوق الإنسان بعد ثورتي 2011 و2013، تم توحيد الجهود وقصر العمل على اللجنة الرئيسية بوزارة العدل، باعتبارها الجهة القانونية المسؤولة عن إعداد الردود الرسمية وإخطار الجهات الدولية عبر وزارة العدل، وفي عام 2018 تم إنشاء اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان، كأحد المؤسسات الوطنية التنفيذية لتضم الأطراف المعنية مباشرة بحقوق الإنسان على المستوى الوطني؛ تعبيرا عن الإرادة الحقيقة لإحداث تغيير منهجي في أداء الدولة وتعاملها مع هذا الملف، بمتابعة المكون الحقوقي على مستوى التشريعات الوطنية، والعمل الوفاء بالالتزامات الدولية، وبناء قاعدة بيانات لرصد وتسجيل الجهود الوطنية عبر آلية منضبطة واستبيانات دورية.
لقد حققت مصر تقدمًا كبيرا في تنفيذ مستهدفات الإستراتيجية الوطنية، عبر مسارات مؤسسية وتشريعية وتثقيفية، انعكس أثرها الإيجابي على مختلف مناحي الحياة. ويؤكد هذا التوجه أن مصر تستحضر اليوم المبادئ السامية التي قامت عليها الوثائق الدولية لحقوق الإنسان، لتجدد التزامها بالعمل البنّاء في إطار المنظومة الدولية والإقليمية، جنبًا إلى جنب مع جهودها الوطنية لتعزيز قيم المواطنة والمساواة والديمقراطية وسيادة القانون.








