لا تكفى الأساسيات
دراسة اقتصادية تكشف حيل الأسر المصرية لمواجهة «تكاليف البقاء» بأجور هزيلة

كشفت دراسة حديثة بعنوان «الأجر الذي لا يكفي : العمال بين التفاوت في الدخل و تكاليف البقاء »، أن نسبة الفقر فى البلاد وصلت إلى متوسط 30 % ، مشيرة إلى أن النسبة فى ريف الوجه البحرى تمثل 25 % وفى ريف الوجه القبلى 55 %، بينما بلغت نسبة الفقر فى الحضر متوسط 17 %.
وأشارت الدراسة التى أعدها الباحث حسن البربري، إلى أن الزيادات الأخيرة في الأجور لم تعد قادرة على ملاحقة تكاليف الحياة اليومية، وأن ملايين الأسر المصرية تكافح من أجل البقاء وسط موجات تضخم متلاحقة، ما جعلها تلجأ لبعض الحيل لمواجهة هذه التكاليف.
وأوضحت أن الحد الأدنى للأجور الذي ارتفع في يوليو 2025 ليصل إلى سبعة آلاف جنيه شهريًا لا يغطي الحد الأدنى للاحتياجات الأساسية للأسرة المصرية، فبينما يقدّر خط الفقر القومي بنحو 5900 جنيه لأسرة مكوّنة من أربعة أفراد، تشير التقديرات المستقلة إلى أن خط الفقر الفعلي يتراوح بين 9 آلاف و 9500 جنيه، وهو ما يعني أن الأجر الرسمي أقل من تكاليف المعيشة الحقيقية.
وأبرزت الدراسة أن أكثر من 85 % من الأسر قلصت استهلاك البروتين الحيواني مثل اللحوم والدواجن، فيما اضطر 70 % لتقليص الإنفاق على التعليم سواء عبر الاستغناء عن الدروس الخصوصية أو نقل الأبناء إلى مدارس أقل كلفة، كما اضطر نحو 50 % من الأسر إلى تأجيل أو إلغاء فحوصات طبية ضرورية بسبب ارتفاع التكاليف، وهو ما يوضح أن تراجع الدخل لم يعد يؤثر فقط على مستويات الرفاه، بل مسّ بشكل مباشر عناصر أساسية في حياة المصريين مثل الغذاء والصحة والتعليم.
وأشارت الدراسة إلى بعض الحيل الاقتصادية التى يلجأ إليها أرباب الأسرلمواجهة هذا العجز الشهري، مؤكدة أن الأسر العاملة تلجأ إلى حلول مرهقة، منها عمل إضافي أو أكثر لأكثر من نصف العمال، والاقتراض من البنوك والجمعيات أو من تطبيقات التمويل الصغير، وكذلك الاستدانة من المحلات والأقارب، فضلًا عن شراء سلع أقل جودة حتى لو أثّرت سلبًا على الصحة.
النسيج الاجتماعى
وذكرت أن هذه الحلول لا تعالج جوهر الأزمة بل تزيد من الضغوط على الأسر، إذ تتحول الديون المتراكمة إلى عبء دائم، بينما يضيف العمل الإضافي ساعات طويلة ترهق العمال نفسيًا وجسديًا.
وحذرت من تجاوز الأزمة حدود الاقتصاد لتضرب النسيج الاجتماعي نفسه، إذ أبلغت 40 % من الأسر عن توتر في العلاقات الأسرية بسبب الضغوط المادية، فيما أشارت بعض الحالات إلى أن الخلافات الزوجية وصلت إلى حد الانفصال أو الطلاق، بينما يدفع تراجع الدخل بعض الأبناء إلى ترك التعليم مبكرًا والاتجاه إلى سوق العمل غير الرسمي، وهو ما يهدد مستقبل جيل كامل ويكرس حلقة مفرغة من الفقر.
وانتقدت الدراسة النظام الضريبي القائم، لافتة إلى أن الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة تستنزف دخول محدودي الدخل، بينما تظل أرباح الشركات الكبرى وتعاملات البورصة شبه معفاة، إذ لا تتجاوز مساهمتها 0.1 في المائة من إجمالي الضرائب، في مقابل أكثر من 154 مليار جنيه يتم تحصيلها من أجور العمال والموظفين، وهو ما يعكس خلل واضح في العدالة، حيث يدفع من يكسب أقل النسبة الأكبر، بينما يعفى أصحاب الدخول المرتفعة.
وأوصت الدراسة بمجموعة من السياسات المقترحة لإنقاذ الأسر العاملة من فخ الفقر، منها ربط الحد الأدنى للأجور دوريًا بخط الفقر ومعدلات التضخم، وتطبيق ضرائب تصاعدية عادلة على الدخول المرتفعة والأرباح الرأسمالية، إلى جانب توسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل العمالة غير الرسمية، وتمكين النقابات العمالية من التفاوض الجماعي ومراقبة تطبيق الحد الأدنى للأجور، فضلًا عن إطلاق برامج دعم نفسي واجتماعي لحماية الأسر من التفكك بسبب الضغوط الاقتصادية.