و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

 أرجوك اهدأ. أنت في هذا العالم لست وحدك. هناك آخرون يرون رأيًا غير رأيك. لذلك؛ من فضلك، عندما تسمعهم، لا تبدأ بالصراخ في وجوههم، لا تستسهل اتهامهم. حاول أن توسع أفقك. لا تخش طرح الأسئلة الصعبة. لا تهرب من الإجابات، وتقذف السائل بالحجارة السؤال هو: هل نستطيع أن نلوم قطاعات واسعة من السوريين - وكذلك لبنانيين وعراقيين- لأنهم في أتون الحرب التي اشتعلت بين إيران وإسرائيل تمنوا هلاك الطرفين معًا؟!.
يا إلهي!.. كيف هذا؟!.. كيف نساوي بين الـ....؟ أعرف ما ستقوله مقدمًا، أكاد أسمع صراخك، لكن من فضلك واصل القراءة خلال الحرب، لفتت نظري على وسائل التواصل الاجتماعي تعليقات سوريين؛ عقلاء ليسوا طائفيين أو مؤدلجين، لم يهللوا للصواريخ الإيرانية ولا - بالطبع- للضربات الإسرائيلية، إنما سعدوا بالدمار الذي يحل على البلدين، فكلاهما عدو لهم.
سخر سوريون كثر من نظام الملالي في طهران سخرية مريرة، فقد أذاقهم صنوف العذاب لعقدٍ من الزمان، دعم وحمى رئيسهم السابق الفار، بالسلاح والميليشيات والخبراء، وكان الإيراني هو الحاكم الفعلي في أرضهم، فقهرهم وأذلهم وشردهم، خرَّب بلادهم وأعادها إلى الوراء عشرات السنين مثل هؤلاء، كان هناك لبنانيون انتهجوا ذات النهج، وإن يكن بالتلميح أو الصمت، استنادًا إلى ما فعله حزب الله - ذراع حكام إيران- من أسوأ الأفاعيل في بلادهم، إذ استغل شعار المقاومة فكان دولة - بسلاح ومؤسسات وأجهزة- داخل الدولة. وفي العراق أيضًا؛ نأى كثيرون بأنفسهم عما يحدث في البلد الجار، بسبب ممارسات سياسيين عراقيين وميليشيات، ولاؤهم الأكبر لطهران وليس بغداد.
في مصر، قال لي صديق صحفي إنه وجد في سخرية بعض المصريين من إيران - لا سيما في بدايات الحرب- دلالات نفسية مهمة، كأنهم يريدون إثبات الفشل للكل في مواجهة تل أبيب. وافقته، لكنني في المقابل أضفت؛ قلت إن تهليل البعض الآخر دعمًا لإيران له أيضًا دلالات أخرى عكسية، كأنهم يريدون إثبات إمكانية محو إسرائيل من الوجود ببساطة، بمجرد أن تتوفر الإرادة.

ضرب تل أبيب في العمق وهدم المباني


المؤكد عندي، أن إيران فعلت شيئًا لم يحدث من قبل، بضرب تل أبيب في العمق، وهدم المباني وإيقاع الخسائر وإثارة الذعر، لكن الواضح أيضًا لكل ذي عينين هو الخسائر العسكرية الإيرانية الكبيرة، في القيادات والعتاد، فضلًا عن الاختراق والخيانات، وأن تصريحات حكام طهران المتواصلة منذ سنين عن "الجحيم الموعود" لإسرائيل إن فكرت فقط في الاعتداء لا قوة عسكرية تسندها على الأرض، فلا جيوش دون سلاح طيران!.
كلا الأمرين حقيقي؛ ما فعلته إيران وما فُعِل بها، ومن يقرر ألا يرى إلا أمرًا واحدًا منهما فهو يفعل ذلك لأسباب في نفسه هو. لكن المهم أن السخرية - في مصر- من إيران أو من عدوها هي سخرية باردة.
لا أقصد هنا - يا صديقي- التقليل منها؛ فقد كانت لطيفة بالفعل في أحيان كثيرة، إنما أراها سخرية طرفٍ مستريح، مستقر، يده في ماء بارد. وسأشرح لك نحن في مصر، لم ترسل لنا إيران ميليشيات تحكم الأرض، تحرقها، تغتصب نساءنا، تقتل أبناءنا، تقهرنا وتذلنا. تخيل مجازًا إن كان قد حدث، ثم اندلعت الحرب، أكنا سنظل مستمسكين بالعقل؟!.. أكنا سنهلل لصواريخ إيران على فيسبوك؟!.. لا أعرف لأنه لم يحدث، لم أقف هذا الموقف.
موقفي في المواجهة أنني أساند الشعب الإيراني العظيم، الصامد منذ سنين؛ منذ ما يقرب من نصف قرن، ضد أعدائه وحكامه معًا. وأتمنى دون شك زوال إسرائيل من الوجود صباح الغد. لكن ماذا عن السوريين بالتحديد؟!.. أنا لا أستطيع لومهم؛ فالتجربة الشخصية - يا عزيزي- وليس الأفكار وحدها عنصر مهم في بناء المواقف ما رأيك أنت؟.. هل توجه إليهم اللوم؟.. ضع نفسك مكانهم، انظر من زاويتهم، ولا بأس بعدها أن تبقى على رأيك، لأنه عندئذ سيكون رؤيةً لا رأيًا؛ رؤية أشمل وأعمق.. بشرط.. أن تهدأ أولا.. اهدأ ثم فكِّر في الأمر.. والأمر لا يستلزم السباب بأي شكل.. فهو مجرد سؤال!.
 

تم نسخ الرابط