هياج شهوة المال والقيادة
«تصدع جدار البنا».. انقسامات بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان ببريطانيا حول «تورتة التبرعات»
انقسامات عميقة تعصف بـ التنظيم الدولي لجماعة الإخوان الإرهابية، وبالتحديد في المملكة المتحدة، بين عدد من قيادات الجماعة على خلفية حصد "تورتة التبرعات"، أو ما يسمى بأموال المخصصة للمراكز الإسلامية، ومحاولة كل فريق لبسط سيطرته على تلك المراكز التي يجنوا من خلفها أموال التبرعات، بأهداف شخصية بحثا عن حياة الرفاهية، وهي خلافات ليست جديدة على الجماعة التي لطالما عرفت بانقسامات داخلية حول النفوذ والمصالح المالية.
وترتكز الخلافات والصراعات الحالية بين صلاح عبد الحق، القائم بأعمال مرشد الجماعة والمسؤول عن جبهة لندن، وأنس التكريتي، مؤسس ورئيس مؤسسة قرطبة الإخوانية، المصنفة ضمن قوائم الإرهاب العالمية، والتي تعد الأداة التمويلية والداعمة الرئيسية للتنظيم الإرهابي في أوروبا.
ويركز النزاع بين القياديين على السيطرة على الموارد المالية للجماعة في المملكة المتحدة، من خلال المراكز الإسلامية المنتشرة هناك، حيث يسعى كل طرف إلى فرض نفوذه على هذه الأموال والمشروعات التابعة للتنظيم.
وفي هذا السياق، قام عناصر التنظيم في المملكة المتحدة الموالون لجبهة القيادي صلاح عبد الحق بتدشين وتأسيس رابطة تحمل اسم «MUSLIM UNION UK»، والتي جرى اعتمادها مؤخرا لدى الجهات البريطانية الرسمية، لتكون غطاءهم القانوني أمام الحكومة البريطانية، وتمكنهم من خلالها من الاستحواذ على إدارة دار الرعاية الإسلامية، أحد الكيانات التابعة للتنظيم الدولي، والمشرفة على نحو 40 مسجدًا ومركزا إسلاميًا في أنحاء المملكة المتحدة.

لم تقتصر الخلافات على الجوانب الإدارية فحسب، بل تصاعدت لتشمل اشتباكات مباشرة بين عناصر التنظيم في محاولات للسيطرة بالقوة على عدد من المراكز الإسلامية، وبلغت حدة النزاع حد وقوع اشتباكات متبادلة داخل أحد المراكز الإسلامية بمنطقة جلاسكو، حيث سعى كل طرف إلى فرض نفوذه بالقوة والدخول إلى المركز للسيطرة عليه.
ولا تُعد هذه الخلافات المالية والسياسية مجرد صراعات شخصية بين قيادات التنظيم، بل تعكس أزمة أعمق تضرب بنيته الدولية، التي لطالما اتسمت قياداته بالاتهامات المتبادلة والانقسامات حول النفوذ والمصالح والموارد المالية. ويكشف ذلك حقيقة الجماعة الإرهابية، وأن الهدف الأساسي لما يسمى بقياداتها هو المال قبل أي اعتبار آخر، كما يبرز هشاشة تنظيمها الدولي في مواجهة الضغوط القانونية والأمنية المتزايدة في أوروبا.
انقسامات في تركيا
أزمة انقسامات التنظيم الدولي في بريطانيا ليست الواقعة الأولى، فمن قبلها وجاهت جماعة الإخوان أزمة في تركيا تفجرت بفعل صراعات داخلية فضحت وقائع فساد مالي وإداري خطيرة، حيث كشفت الحقائق عن تحول مسار بعض قيادات الجماعة من العمل السياسي إلى ممارسة أنشطة غير مشروعة تتراوح بين النصب المنظم واستغلال أموال التبرعات، وصولاً إلى الضلوع في بيع الجنسية التركية.
وكشفت التسريبات الصوتية والتحقيقات التي طفت على السطح خلال السنوات القليلة الماضية عن صورة قاتمة لوضع التنظيم داخل الأراضي التركية، وشكلت التسجيلات الصوتية المسربة في عام 2019 نقطة تحول كبرى، حيث وثقت خلافات حادة بين القيادات حول مصير ملايين الدولارات التي تم جمعها كتبرعات لدعم القضايا الإسلامية والأسر المحتاجة.
وأشارت التسريبات بوضوح إلى قيام بعض القيادات مستغلين مناصبهم، باختلاس مبالغ طائلة واستثمارها في مشاريع شخصية، وشراء عقارات وسيارات فارهة في مناطق راقية بإسطنبول. هذه الفضائح أدت إلى انقسام عميق داخل الصفوف، بين من يطالب بالشفافية ومن يدافع عن رموز الجماعة المتهمين بالفساد، مما أفقد الجماعة الكثير من مصداقيتها أمام عناصرها .
التطور الأخطر يتمثل في فتح الأجهزة الأمنية التركية تحقيقات موسعة حول تورط عناصر وقيادات إخوانية في تشكيل «مافيا عقارية»، حيث استغل الاخوان برنامج الحكومة التركية لمنح الجنسية مقابل الاستثمار العقاري لجني الأرباح بطرق غير مشروعة.
وقامت هذه الشبكات بالاحتيال على أعضاء آخرين في التنظيم أو تسهيل حصول سوريين وجنسيات أخرى على جوازات سفر تركية عبر تلاعب في قيمة العقارات وإجراءات التملك، مقابل عمولات ضخمة ومبالغ مالية غير مسجلة رسميا، هذه الأنشطة لم تقتصر على النصب، بل امتدت لتشمل شبهات حول عمليات غسل أموال واسعة النطاق.

لم تتوقف الاتهامات عند الفساد المالي المنظم، بل شملت حالات نصب فردية موثقة، حيث وجهت اتهامات مباشرة ضد سلامة عبد القوي بالاستيلاء على مبلغ 200 ألف دولار أمريكي من أفراد داخل التنظيم، مما دفع الضحايا إلى اللجوء للقضاء التركي.
وكشف عدد من النشطاء فى تركيا عن شبكة لبيع الجنسيات التركية بين أعضاء تنظيم الإخوان، يتزعمها حمزة زوبع الذى وصف بأنه المتحكم بشكل رئيسى فى منح الجنسية التركية للعاملين فى قنوات الإخوان قبل عام 2020.
وقال ناشط إخوانى يدعى سمير زكى أن زوبع كان يبيع الجنسية التركية مقابل آلاف الدولارات قبل ينكشف أمره لدي السلطات التركية .
وجاءت واقعة سحب الجنسية من محمود حسين المرشد العام للجماعة فى تركيا و46 آخرين من عناصر من التنظيم فى ديسمبر عام 2023، بسبب مافيا للتلاعب في العقارات، وتمكنت السلطات التركية وقتها من حصر وضبط عناصر هذه المافيا التي تضم مصريين وسوريين من أعضاء التنظيم.
وكان مرشد الإخوان قد حصل على ما يسمى بـ«الجنسية العقارية»، والتي تنص على إمكانية الحصول على الجنسية التركية من خلال شراء عقار بمبلغ معين، ويظل مملوكاً لطالب الجنسية لمدة لا تقل عن 3 سنوات، مع عدم البيع مستقبلاً إلا لمواطن تركي الجنسية.
إلا أن محمود حسين باع العقار عدة مرات لمصريين وسوريين للحصول على الجنسية، وهو نفس النهج الذى اتبعه عدد من أعضاء الجماعة للتربح.
كانت أشهر قضايا سرقة التبرعات، بعد فضيحة مرشد الجماعة فى تركيا، ما عرف بقضية«وقف الأمة»، حيث اتهمت حركة حماس عدد من أعضاء التنظيم الدولى للإخوان فى تركيا باختلاس تبرعات لإغاثة قطاع غزة وصلت إلى نحو 500 مليون دولار تم جمعها من مختلف دول العالم منذ بداية العدوان الإسرائيلي على غزة فى أكتوبر 2023.
الفضيحة الاخلاقية تورط فيها عدد من قادة التنظيم الدولي للإخوان وحلفاؤهم في تركيا والأردن وقطر، بعد جمع ما يقارب نصف مليار دولار تحت اسم «وقف الأمة» لدعم وإغاثة أهل غزة.
وقف الأمة
وأصدرت حركة حماس، بيانًا رسميًا رفعت فيه الغطاء بالكامل عن جمعية «وقف الأمة» والقائمين عليها، مؤكدة أن حملة جمع التبرعات لا تمثلها، وأن الأموال التى تم جمعها تحت مزاعم إغاثة أهل غزو، جرى التصرف فيها خارج غزة وخارج أهداف الإغاثة. وشدد بيان حماس على أن تنظيم الإخوان استخدم مؤسسة وقف الأمة لجمع الأموال باسم القدس وغزة واستولى عليها.
وفي يناير 2024 أصدرت حركة حماس كذلك بياناً، أعلنت فيه تبرؤها من ثلاث مؤسسات وهي مؤسسة « وقف الأمة»، ومؤسسة «منبر الأقصى»، ومؤسسة «كلنا مريم »، ومسئولى هذه المؤسسات؛ سعيد أبو العبد، وفؤاد الزبيدي، وعبدالله سمير، وخلدون حجازي، وأحمد العمري، وزيد العيص.
وأكدت أن هذه المؤسسات باتت تعمل بعيداً عنها، بعد أن استولى عليها خارجون عن الصف الذين يستخدمون تزكيات قديمة لجمع التبرعات بشكل يضر بأهل غزة والقدس.
وبحسب الموقع الإلكترونى لـ وقف الأمة؛ فهي مؤسسة خيرية تعمل من تركيا منذ عام 2013، وتحظي بدعم عدد كبير من الشخصيات المحسوبة على تنظيم الإخوان الدولى، وعلى رأسهم «على قرة داغي» الأمين العام لما يسمي اتحاد علماء المسلمين.
مالك والشاطر
الخلافات المستمرة داخل تنظيم الاخوان حول حصد الأمول و "تورتة التبرعات"، لم تكن في التنظيم الدولي فحسب بل كان متجذرا في التنظيم الأساسي للجماعة منذ العقود الماضية خاصة فيما يتعلق بأقطاب الإخوان الإستثماريين، وعلى رأسهم خيرت الشاطر وحسن مالك، فعقب الثورة في 2011، توسعت صلاحيات الشاطر، نائب المرشد، عقب الإفراج عنه من محبسه، وأدار من خلال مكتبه في شرق القاهرة، الكثير من المهام التنظيمية ثم أصبح لاعباً أساسيا في حكم البلاد، عقب وصول الجماعة للحكم في 2012.
وكشفت مصادر في مكتب الشاطر، لاحقا عن أن الشاطر كان متداخلا في كل الأمور، سواء في البيزنس أو الأمور الداخلية للتنظيم،و كان يحرك الجميع لأنهم يخافونه ومبعث هذا الخوف «بطش» الشاطر المعهود عنه تجاه أي شخص يغضبه أو ينازعه صلاحياته.
وقال مساعد سابق في إحدى الوزارات الاستثمارية لـ صحيفة «الشرق الأوسط» إن «الوفود الأجنبية كانت دائماً تلتقي الشاطر قبل لقاء الوزير المُختص، وهو ما كان يستدعي استغراب الوزير غير السياسي الذي كان يغيب عنه دور الرجل».
وكشفت المصادر أيضا عن أن "حدة وتحكمات" الشاطر أدت بمرور الوقت إلى تبدل العلاقة بينه وبين مالك إلى «خلاف دائم»، انعكس على العلاقات الأسرية وصلات أبناء الرجلين ببعضهما البعض، كما يقول مصدر آخر عمل مع مالك وعلى صلة مصاهرة بعائلته.

وأقر مالك بهذا الخلاف خلال تحقيقات النيابة العامة، مشيراً إلى أنه بدأ عقب صعود الشاطر إلى منصب نائب المرشد في 2006 ثم انفصال شراكة الرجلين عقب خلافات كان محورها الرئيسي تجاهل الشاطر رأي مالك بإبعاد الاجتماعات التنظيمية عن مقار الشركات المملوكة لهما، ما أدى إلى «انقطاع» علاقتهما، وإنهاء الشراكة بينهما بحلول 2011.
الانقسامات بسبب شهوة المال والسلطة تسببت في شروخ وتصدع في جدار الجماعة التي أسسها حسن البنا منذ قرن من الزمان، ولا يزال الصراع مستمرا في وقت تواجه فيه جماعة الإخوان الإرهابية قيودا متزايدة على نشاطاتها في العديد من الدول الأوروبية وأمريكا، حيث تتصاعد الإجراءات القانونية لمكافحة تمويل الإرهاب ومراقبة المراكز الإسلامية التابعة للجماعة الإرهابية، وهو ما يزيد من حدة المنافسة بين قيادييها على الموارد المتاحة.








