قسم مطالب بتحقيق 70 الف كل 8 ساعات
جشع جيل " التارجيت" بالمستشفيات الخاصة يهدم رسالة البالطو الابيض بدم بارد
كيف تسلل نظام “التارجيت” الى المستشفيات الخاصة فى غفلة من الرقابة ودون أى تدخل .. بات المقبلين على العمل فى أى مستشفى خاصة مديرين الاقسام وبخاصة قسم الطوارئ مطالب بتحقيق تارجيت معين خلال اليوم .. حتى يستمر فى عمله .. وبالتالى إذا دخل أحدهم المستشفى لمجرد ارتفاع او هبوط فى الضغط او اعراض سخونية او نزلت برد .. قد يتم إخضاعه للتحاليل والاشعة والاجراءات التى لا حاجة له بها ويجد فاتورة قد تتجاوز الـ5 الاف جنيه حتى يستطيع مدير القسم أن يفى بالتارجت و ينال رضا إدارة وملاك المستشفى.
العلاج والاسعافات من قبل المستشفيات الخاصة باتت تجارجة واستثمار لا يعرف الرحمة .. ففي الوقت الذي يُفترض فيه أن تكون المستشفيات ملاذًا للمرضى، وبيئة تُدار بروح الرحمة والمسؤولية، يجد عدد كبير من مديري المستشفيات أنفسهم عالقين بين رسالتهم الإنسانية وبين التزامات مالية صارمة تفرضها إدارات أو ملاك المستشفيات الخاصة، وخلف الأبواب المغلقة، يدور صراع يومي بين “التارجيت” والأخلاقيات المهنية… وبين الأرقام والآلام.
الكارثة الكبرى أن القابلين لهذا الوضع غالبيتهم من الاجيال الجديدة .. واذا استحكم هذا النظام الغير معلن فى هذا القطاع ستجد خلال 20 عاماً تقينياً قانونياً لهذا الوضع بحكم اعتياد من يقومون على ادارته .. وأصبح التارجيت يقال فى القطاع الطبى كما يقال فى اى قطاع تجارى أخر مثل المبيعات فى سوق العقارات أو السلع الاخرى.
تارجيت المدير
الدور التقليدي لمدير المستشفى يقوم على ضمان جودة الرعاية الطبية وتوفير بيئة آمنة للمرضى ومتابعة كفاءة الأطباء والتمريض هكذا بادرني بالقول عصام .ع طبيب تخصص جراحة في مستشفى اقتصادي يتبع جهة خيرية بالسيدة زينب، وقال أيضا ان ضمن مهامه التحكم في تشغيل المستشفى واستدامتها، لكن خلال السنوات الأخيرة، خصوصًا في بعض المستشفيات الخاصة والاقتصادية، تحوّل هذا الدور إلى نموذج إداري مشابه لإدارة الشركات الربحية وأهداف مالية شهرية، خطط بيعية، وضغط مستمر لتحقيق معدلات إشغال وأرباح تتوافق مع توقعات المُلّاك، وموضع المستشفى الخيرية لم يعد موجودا كما كان في الماضي بل اصبح له وجه اخر يعتمد على تحقيق التارجيت، وهو رقم 70 الف جنيه في كل شيفت والمستشفى هنا 3 شيفتات كل منهم مسئول عنه مدير اداري وطبيب لا يعتمد اختيار الطبيب على التخصص بل يعتمد على قدرته في إيجاد وسائل جديدة لاقناع المرضى بما يريد لتحقيق هامش ربح اكبر.
آفة القطاع الطبي
وقال كل من مدحت .ش م نائب المدير في مستشفى شهير في منطقة التجمع الخامس وإسلام.ط طبيب في نفس المستشفى أن أصحاب المستشفيات يطالبونهم بتحقيق نسب إشغال أسرّة معينة وحجم دخل محدد من العمليات، بل وأيضا زيادة إيرادات العيادات الخارجية، والسيطرة الصارمة على المصروفات ورفع معدل التعاقدات مع شركات التأمين، وفي حال عدم تحقيق هذه الأرقام، قد يتعرض المدير لتحذيرات متتالية قد تنتهي بإنهاء التعاقد، بغض النظر عن جودة الخدمة الطبية أو رضا المرضى، هذا الضغط يخلق مخاوف جدّية داخل القطاع، أبرزها تأثير محتمل على قرارات العلاج لأن وجود تارجيت مالي قد يدفع بعض الإدارات لتفضيل عمليات ذات ربح أعلى، أو زيادة فحوصات غير ضرورية، والضغط على الطاقم الطبي فعندما يُحاسب المدير على الأرقام، تنتقل الضغوط تلقائيًا إلى الأطباء والتمريض، ما يؤثر على الأداء وجودة الخدمة.
وتقول سيدة.س مسؤول التمريض بمستشفى خاص بمصر الجديدة أن المديرين والأطباء مطلوب منهم تارجيت يومي بالفعل في كل شيفت والمراقبة صارمة ولا تهاون في الأرقام بصرف النظر عن كفاءة الأطباء لذلك يتغير الأطباء سريعا ويتنقلون بين المستشفيات وفي نفس الوقت التمريض أيضا مطلوب منه تارجيت يومي مسؤول عنه رئيس القسم يوميا، والامر يتطور في معظم الاحيان إلى توتر الموظفين لأن شعور العاملين بأن الإدارة تبحث عن الربحية يخلق بيئة عمل غير مستقرة مع فقدان الجانب الإنساني في الإدارة الذي يعد بوصلة القطاع الصحي التي يفترض أن تشير دائمًا إلى المريض لا إلى الايراد، وتبدأ معظم الشيفتات بالمشكلات لهذا السبب، ويتعامل التمريض بالتدريج باريحية وهم يفقدون جزءا هاما من انسانيتهم لصالح تحصيل أموال.
يؤكد خالد.م طبيب مسؤول قسم التخدير بمستشفى خاص بالتجمع الخامس أنه بالتأكيد ليس كل المستشفيات تتبع هذا النهج ولكن هناك مؤسسات خاصة ما بين الجامعية والخيرية ما تزال تُدار بمعايير مهنية صارمة تضع حياة المريض فوق أي اعتبار، أما المستشفيات الخاصة، فتختلف من مجموعة لأخرى لأن بعضها يُحافظ على التوازن، بينما يبالغ البعض الآخر في تحويل المدير إلى مدير مالي أكثر من كونه مسؤولًا عن منشأة تستقبل مرضى وآلام.
وأضاف أن مديري المستشفيات الذين يتعاملون بحكمة مع هذا التحدي يعترفون بأن المستشفى تحتاج إلى دخل لتعمل لكن لا يجب أن يكون الدخل على حساب المريض، وأن نجاح المدير الحقيقي هو تحقيق أرباح دون المساس بأخلاقيات الطب، وأن الإدارة الناجحة للقطاع الطبي هي التي تعرف كيف توازن بين الميزانية وحياة الإنسان والأمانة في تلقيه العلاج والنصائح الطبية بوجه عام.
والخلاصة هنا نستطيع ان نوجزها في ان القطاع الصحي ليس قطاعًا تجاريًا في جوهره، لكنه أيضًا ليس مؤسسة خيرية بالكامل والفاصل بين الجانبين دقيق للغاية، اليوم، يواجه مديرو المستشفيات تحديًا صعبًا ليجدوا طريقا يساعدهم على كيفية المحافظة على إنسانية الدور، بينما يلاحقهم أصحاب المستشفيات بأهداف مالية صارمة، وكيفية ضمان أن “التارجيت” لا يصبح معيارًا يطغى على صحة المرضى وحقهم في الرعاية السليمة، والسؤال الأهم هل يمكن لمؤسسة طبية أن تحقّق ربحًا… دون أن تخسر إنسانيتها؟!




