لمواجهة جرائم الأحداث
جدل حول سن «الطفولة الجنائية» ومطالب بتعديل القانون تثير مخاوف حقوقية
 
                            مع انتشار جرائم الأطفال، يشهد الشارع المصري جدلا حول «سن الطفولة الجنائية» إمكانية خفض سن المسؤولية الجنائية للأطفال لمواجهة جرائم الأحداث، وهو ما يصطدم بالمواثيق الدولية والمبادئ الحقوقية الرامية إلى حماية حقوق الطفل.
وفي الوقت الذي تم فيه تعديل قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996، كان أبرزها القانون رقم 186 لسنة 2023، الذي شدد العقوبات على بعض الجرائم المتعلقة بالأطفال، تستمر المطالبات بخفض سن الطفولة، وسط تحذيرات خبراء من مخاطر هذا الإجراء.
وأثار انتشار جرائم يرتكبها أطفال جدلًا حول سن المسؤولية الجنائية، حيث ينص قانون الطفل على أن المسؤولية الكاملة تبدأ من سن 18 عامًا. وتختلف العقوبات حسب السن، حيث لا تتم مساءلة من هم أقل من 12 عامًا، بينما يخضع من تتراوح أعمارهم بين 12 و18 عامًا لعقوبات مخففة وتدابير رعاية خاصة.
ويرى بعض المطالبين بخفض سن المسؤولية الجنائية للأطفال أن تشديد العقوبة يمكن أن يردع الأطفال عن ارتكاب جرائم خطيرة، بينما يرى حقوقيون أن خفض سن الطفولة الجنائية، يتنافي مع المواثيق الدولية ويمثل خطرا على هذه الفئة.
ويؤكد الخبراء أن الحل لا يكمن في العقاب، بل في إصلاح نظام قضاء الأحداث بشكل عام، وتوفير برامج إعادة تأهيل فعالة، إلى جانب معالجة الأسباب الجذرية لانحراف الأطفال، مثل الفقر والتفكك الأسري، بدلًا من معاقبتهم.
من جانبها، طالبت النائبة أميرة أبوشقة عضو اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس النواب، بتعديل قانون سن الطفل المصري، مشيرة إلى أن الطفل يعيش اليوم حالة من الاضطراب النفسي والاجتماعي العميق، نتاج تفكك أسري متزايد وغياب رقابة أسرية وتربوية حقيقية، جعلته فريسةً للتشتت والانفعال وصولًا إلى العنف. 
وأضافت أنه حين ينشأ الطفل في بيئة مجتمعية سلبية، يفقد الإحساس بالأمان، ويتحول ما بداخله إلى سلوك عدواني تجاه نفسه وتجاه والآخرين، مشيرة إلى أنه مع انشغال الأسرة بأعباء الحياة وغلاء المعيشة، وافتقار المدرسة لدورها التربوي، واندفاع الإعلام ومواقع التواصل و"الدارك ويب"، في ضخ نماذج مشوَّهة، تبني لدى الطفل منظومة قيم مختلة، تبرر العنف وتُغذّيه. 
المساءلة القانونية
وأوضحت عضو مجلس النواب أنه تلك الأسباب وغيرها، تدفع الطفل دفعًا إلى الشارع للبحث عن هوية مفقودة، مشددة على أن معاناة الطفل الآن ليست قدرًا، بل نتيجة طبيعية لإهمالٍ مجتمعي شامل، بدءًا من الأسرة التي تخلت عن دورها التربوي، وليس انتهاء بمؤسساتٍ لم تُدرك أن بناء الإنسان يبدأ من احتضان الطفل لا جعله فريسة للعنف.
وأشارت النائبة أميرة أبوشقة، إلى أنه حين تتحول براءة الطفولة إلى سلوكٍ إجرامي، وحين نجد في ساحات التحقيق أطفالًا لا تتجاوز أعمارهم أربعة عشر أو خمسة عشر عامًا، تجردوا من الرحمة والضمير، فلابد أن نقف جميعًا أمام الحقيقة الواضحة، وهي أننا بحاجة ماسَّة إلى تعديل دستوري وتشريعي عاجل يواكب واقعنا الجديد.
وتساءلت عن غياب دور المجلس القومي للطفولة، مشيرة إلى أن هذا "الطفل" الذي تم إيداعه مؤسسات الأحداث، قانونيًّا يعتبر «طفلًا»، في هذه السن، لكنه ليس فعليًّا وواقعًا مجرم، إضافة إلى وجود ثغرات قانونية، تتمثل في استغلال الكبار لبعض الأطفال لارتكاب جرائم بالإنابة عنهم، حتى لا يقعوا تحت طائلة المساءلة القانونية والمحاسبة.
وأضافت عضو اللجنة الدستورية والتشريعية في مجلس النواب ، أنه لم يعد من المنطق ولا من العدالة أن نعامل مَن يرتكب جريمة قتل أو اعتداء وحشي كطفل لا يُحاسب، فالمجتمع تغيّر، والظروف تبدّلت، ونُضج الوعي لدى بعض الأطفال يتجاوز مراحل أعمارهم بكثير، مؤكدة أن حماية المجتمع تبدأ أولًا من حماية الطفل، خصوصًا أن الطفل المصري أصبح ضحية، وبات يعاني كثيرًا من عدم الرقابة والتفكك الأسري.
وطالبت النائبة أميرة أبوشقة بتعديل سن الطفل في القانون المصري، تعديلًا دستوريًّا، يتناسب مع طبيعة الجريمة ومستوى الإدراك، حمايةً لأمن الوطن والمواطنين، وردعًا لكل من يتستر خلف قناع الطفولة ليعبث بدماء الأبرياء، في ظل تزايد أعداد الجرائم ونوعياتها وطرق ارتكابها البشعة، خلال الفترة الأخيرة.
 
    
 
 








