و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع

الحل في محاكم متخصصة

دراسة تكشف جذور أزمة الإيجار القديم من الحرب العالمية إلى حكم الدستورية العليا

موقع الصفحة الأولى

أكدت الدكتورة آلاء برانية، الباحثة ببرنامج السياسات العامة، في المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، أن أزمة الإيجار القديم تعود إلى زمن الحرب العالمية الثانية، حيث تدخلت الدولة في السوق العقاري لتجميد الإيجارات والسيطرة على أزمة السكن، بسبب نقص مواد البناء نتيجة لظروف الحرب، وهو تسبب بنقص شديد في المعروض من المساكن وارتفاع كبير في أسعار الإيجارات، وتحول إلى أزمة اجتماعية حادة.

وتدخلت الحكومة باستخدام صلاحيات حالة الطوارئ المعلنة بسبب الحرب، وأصدرت قرارا عسكريا بتجميد القيمة الإيجارية للعقارات المؤجرة، ومد العلاقة الإيجارية دون حق للمالك في استرداد وحدته بعد انتهاء العقد، على أن يكون ذلك التجميد إجراءً استثنائيًا مؤقتا، ينتهي بنهاية الحرب.

وبعد ثورة 23 يوليو 1952، تغير المشهد تمامًا، فتبني الزعيم الراحل جمال عبد الناصر نهجا اشتراكيا لترسيخ العدالة الاجتماعية، وأصبح السكن حقا اجتماعيا تكفله الدولة، وليس مجرد علاقة تجارية بين المالك والمستأجر، فصدرت قوانين جديدة لتخفيض القيمة الإيجارية، ومنع تحديد مدة زمنية لعقود الإيجار، مع جواز توريثها.

ولكن هذه السياسات أدت إلى إحجام المستثمرين عن البناء، وهو تسبب في أزمة سكن على المدى البعيد، وسعت الحكومات بعد ذلك إلى إدخال إصلاحات لمعالجة الأوضاع، لكن المشكلة زادت تعقيدا بسبب ترسخ أوضاع اجتماعية وقانونية لملايين الأسر.

وبعدها صدر القانون رقم 49 لسنة 1977، والذي ألغى القوانين السابقة، ومنح مزايا إضافية للمستأجرين، لكن مع الإبقاء على عقود الإيجار المحررة قبل صدوره، وفي عام 1981، صدر القانون رقم 136 والذي سار على ذات النهج، لتتجمد القيم الإيجارية لعقود الإيجار القديمة، حتى أصبحت في كثير من الحالات أقل من تكلفة صيانة العقار.

قانون الإيجار الجديد

وبعدها، حدث التحول الأهم مع صدور القانون رقم 4 لسنة 1996، المعروف باسم قانون الإيجار الجديد، والذي حرر العلاقة الإيجارية للعقود الجديدة، لتشجيع الاستثمار العقاري، المساهمة في تخفيف أزمة السكن، واستمرت مشكلة عقود الإيجار القديمة.

وقالت الدراسة إن العقود القديمة، التي يخضع لها الإيجار القديم، تتمثل في القانون 49 لسنة 1977 و136 لسنة 1981، وأبرز صفاتها عدم تحديد مدة العقد، وثبات القيمة الإيجارية، ووضع شروط صعبة لطرد المستأجر، بالمقارنة مع عقود الإيجار الجديدة، التي أبرمت بعد عام 1996، تتيح الاتفاق على مدة الإيجار وقيمته، كما لا تسمح بالتوريث.

وأصدرت المحكمة الدستورية العليا، برئاسة المستشار بولس فهمي، حكما تاريخيا في نوفمبر الماضي، بعدم دستورية الفقرة الأولى من كل من المادتين (1 و2) من القانون رقم 136 لسنة 1981 في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر، فيما تضمنتاه من ثبات الأجرة السنوية للأماكن المرخص في إقامتها لأغراض السكنى اعتبارا من تاريخ العمل بأحكام هذا القانون.

وقالت المحكمة الدستورية في حيثيات حكمها أن ثبات القيمة الإيجارية عند لحظة من الزمان ثباتًا لا يزايله مضى عقود على التاريخ الذي تحددت فيه "يشكل عدوانًا على قيمة العدل وإهدارًا لحق الملكية".

ويبدأ تطبيق أثر الحكم من اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي (الدورة البرلمانية الخامسة لمجلس النواب القائم)، حيث أعملت المحكمة سلطتها في ذلك لحاجة المشرع إلى مدة زمنية كافية ليختار بين البدائل لوضع ضوابط حاكمة لتحديد أجرة الأماكن السكنية.

وكشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن وجود حوالي 3 ملايين وحدة مؤجرة بنظام الإيجار القديم في مصر، يتركز معظمها في القاهرة والجيزة الإسكندرية والقليوبية، كما يزيد عدد الوحدات المغلقة على 513 ألف وحدة.

بينما أكد الدكتور إبراهيم صابر محافظ القاهرة، عن وجود حوالي 1.9 مليون وحدة سكنية إيجار قديم في العاصمة وحدها، 43% منها بقيمة إيجارية أقل من 50 جنيها شهريا، لافتا إلى القاهرة من أقدم العواصم على مستوى العالم، ويسكنها حوالي 11 مليون نسمة، خلاف الزائرين.

واستعرضت الدكتورة آلاء برانية، تجارب عدد من الدول في التعامل مع أزمات مشابهة تتعلق بالإيجار القديم، ففي فرنسا، اعتمد المشرعون على سياسة متدرجة لتحرير الإيجارات القديمة، مع دعم اجتماعي للفئات الأضعف وإتاحة مرونة للاتفاقات بين الملاك والمستأجرين.

وفي ألمانيا، تم الاعتماد على حلول تشريعية متكاملة، عبر إنشاء محاكم سكنية متخصصة للفصل في المنازعات، وربط زيادات الإيجار بمعدلات التضخم الرسمية، مع توفير بدائل سكنية مدعومة للمحتاجين، وفي إيطاليا، اعتمدت الدولة على مسار متدرج يوازن بين تحرير العلاقة التعاقدية وحماية حقوق المستأجرين، وتم السماح بتحرير العقد عند وفاة المستأجر الأصلي أو انتقال الملكية، مع توفير مدد انتقالية قبل الإخلاء.

وأكدت الدراسة أن جوهر الحلول الناجحة يعتمد على تحقيق توازن حقوقي، مع مراعاة الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، وعدم اللجوء إلى قرارات صادمة أو قسرية.

محاكم متخصصة

وأوصت الدكتورة آلاء برانية في دراستها، إنشاء محاكم متخصصة لقضايا الإيجارات القديمة، تشبه محاكم الأسرة، تكون مهمتها الفصل السريع في القضايا المتراكمة، وإصدار أحكام عادلة تستند إلى معايير اقتصادية وقانونية واضحة، على ان تضم المحاكم دوائر متخصصة، مع تعيين قضاة من ذوي الخبرة في التشريعات السكانية والقضايا العقارية، والاعتماد على خبراء من القطاع العقاري والاقتصادي لضمان الحسم العادل والمنصف والسريع للقضايا.

وكانت لجنة الإسكان والمرافق العامة والتعمير في مجلس النواب، وافقت على مشروع قانون الإيجار القديم المعدل الذي قدمته الحكومة، لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وإنهاء أزمة قانون ظلت عالقة لعقود، استجابة لحكم المحكمة الدستورية العليا.

وأعلن الدكتور أسامة عبد الحي، نقيب الأطباء، رئيس اتحاد المهن الطبية، رفض مجلس الاتحاد بشكل قاطع لعدد من المواد الواردة في مشروع قانون الإيجار القديم الذي وافقت عليه لجنة الإسكان في مجلس النواب، وقال إنها تمثل تهديدا مباشرا لاستقرار العيادات والصيدليات، وتنعكس سلبا على جودة واستمرارية الخدمة الصحية المقدمة للمواطنين.

وقال رئيس اتحاد المهن الطبية، إن المجلس، خلال اجتماعه، أكد تمسكه الكامل بالقانون رقم 6 لسنة 1997 باعتباره الإطار الحاكم لعلاقة الإيجار للوحدات المهنية، وأن أي تعديل يجب أن يكون قائما على التوافق والتوازن بين أطراف العلاقة الإيجارية، دون الإخلال بحقوق المرضى أو الكوادر الطبية.

وحذر "عبد الحي" من أن مضاعفة الإيجارات والزيادات السنوية الكبيرة المقترحة في مشروع القانون تمثل عبئًا كبيرًا على الأطباء والصيادلة، لأن هذه الزيادات سيتم تحميلها على المريض، أو قد تؤدي إلى إغلاق عدد كبير من الوحدات الطبية، خاصة في القرى والأحياء الشعبية، وهو ما يشكل خطرًا حقيقيًا على الصحة العامة.

وتحد نقيب الأطباء عن المادة الخامسة من مشروع قانون الايجار القديم، والتي وصفها بالكارثية، لأنها تنهي العلاقة الإيجارية بعد خمس سنوات بشكل تعسفي، وتلزم الأطباء والصيادلة بالانتقال إلى وحدات جديدة، ما يعني إعادة إجراءات الترخيص كاملة، وهو أمر غير منطقي ويشكل تهديدًا مباشرًا لاستمرار الخدمة الصحية.

تم نسخ الرابط