
ربما أشرنا إلى مشكلة روسيا وحالة الإنغلاق التى تحياها في النصف الأول من القرن الماضى، وقضايا العمال التى باتت تؤرق المجتمع الروسى ، وبالطبع فإن اليهود لم يكونوا مسترحين فى روسيا، والحكومة الروسية بالرغم من وجود تجمعات يهودية فيها، فهى لم تكن تستريح للنشاط اليهودى فيها، وكثير من الكتابات الروسية تخطت مسألة تقدير اليهود ، وبينت مواطن الريبة من تصرفاتهم ، واليهود الروس أحسنوا استغلال الأوضاع في روسيا ، فقضايا العمال استدعت الكثير من إشعال المظاهرات.
وهى مشكلة قديمة بدأت بالحوار والشكوى ثم التظاهرات من عام 1905 ، فالنظام الامبراطورى لم يستطع حل مشاكل العمال والفلاحين، ولم يغير من أحوالهم، لذا ظلوا في أوضاعهم المزرية الأمر الذي شكل خطورة كبرى على النظام القيصرى.
واليهود آنذاك تبنوا مع الفلاحين والعمال مشكلاتهم ، ولكنهم لم يطرحوا حلولاً لها، بل نشروا رغبتهم في الرحيل عن روسيا إلى أرض اللبن والعسل التى يروجون لها في كل أرجاء البلاد التى يعيشون فيها كأقلية.
وكعادتهم – وبشهادة الغرب – فإن اليهود لا يمكن أن يضيفوا لأوطانهم شيئا، فكل بحثهم يدور في فلكهم وبناء كيانهم، ومستقبلهم ومدى الاستفادة التي يحققونها من حاضرهم.
بلد الشمس
وتحركت السينما الإسرائيلية نحو هدف الإنسلات اليهودى من روسيا، والتوجه إلى أرض الشمس المشرقة -فلسطين- وانتجوا في سبيل ذلك فيلم " بلد الشمس " وركزوا فيه على حتمية الهجرة إلى فلسطين للظروف التي يتعرض لها اليهود، مع مبالغة فجة في تصوير الأراضى الروسية بأنها "أرض الجليد الهالك".
ثم ساروا في طريق انتاج فيلم "هروب إلى الشمس" بانتاج إسرائيلي فرنسي مشترك، واستعان مخرجه اليهودى الشهير "مناجم جولان" بالنجم الإنجليزي الأشهر "لورانس هارفى"، والممثلة الإنجليزية "جوزفين شابلن" ابنة شارلى شابلن الأشهر في السينما العالمية آنذاك ، وتم تجنيد عدد من الممثلين الإسرائيلين ليقوما بأدوار تخدم الفكرة اليهودية . وقصة الفيلم تحكى مشاكل ثمانية من يهود روسيا، تضجروا من حياة الروس المغلقة، فقرروا الهروب إلى فلسطين، أرض الأمل المرتقب، ونجحوا في استقلال طائرة في مشاهد مشوقة تجذب تعاطف المشاهد، وتزيد من دقات قلبه حماساً لما يصنعون.
وبدهاء شديد لا تنقصه البراعة ألقت دعاية الفيلم الفكرة الإنسانية في حجر الأمم المتحدة ، لتبين إن الإنسان لابد وأن يعيش حرا طليقا بلا قيود، ومن حقه أن يختار الأرض التى يحيا فيها آمناُ على نفسه وفكره وعقيدته، ومن غير المعقول أن يعيش في سجن كبير محبوسا في أرض لا كرامة للإنسان فيها.. ولم يذكر الفيلم ولا الدعاية له اسم روسيا في شيئ، بل كان كل الحوار يصب في أنها روسيا بكل عنفوانها وبأسها واستبدادها اللاإنساني وبذلك فإنهم دولوا قضيتهم بذكاء شديد ، وكسبوا مساندة "بند" من بنود الأمم المتحدة بشان حماية الإنسان، ومطلق حريته..والأخبث في القضية أنهم ناقشوا فكرة الحدود الجغرافية باعتبارها السياج الذي يحمى صناعة البلاد وليس الذي يسجن فيها الإنسان بالرغم من رحابتها وحدودها الشاسعة.