و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

تمثل كلمات الرئيس عبد الفتاح السيسي الأخيرة بشأن ضرورة صون إرادة المصريين وتعزيز شفافية العملية الانتخابية نقطة تحول مهمة في إدارة المشهد السياسي، ليس فقط لأنها تؤكد تمسك الدولة بمبادئ العدالة والمصداقية، بل لأنها ترسم إطارا جديدا لعلاقة الدولة بالمجتمع في لحظة انتخابية حساسة، فالرئيس لم يكتف بالتأكيد على أهمية المشاركة، بل شدد على مبدأ أساسي هو أن احترام الإرادة الشعبية هو جوهر الشرعية، وأن المؤسسات يجب أن تقف موقفا محايدا يضمن للمواطن أن صوته هو الأساس الذي تبنى عليه النتائج.

الانتخابات الحالية تأتي في ظل حالة من التفاعل السياسي المتزايد داخل المجتمع، فقد شهدت الدوائر الفردية تنافسا ملحوظا بين المرشحين، تجلى فيه حراك شعبي نسبي وتدافع انتخابي جزئي يعكس ارتفاع مستوى الوعي لدى المواطنين، لكن هذه الحيوية السياسية جاءت مصحوبة بحالات من الجدل والملاحظات في بعض الدوائر، وهو أمر طبيعي في كل المجتمعات التي تمر بنظام انتخابي أكثر صرامة وأكثر دقة.

اللافت في المشهد هو أن المواطن اليوم لم يعد مجرد متابع، بل طرف أصيل في عملية التقييم والمراجعة والاعتراض والتوثيق، وهذا التحول يعكس نضجا سياسيا متقدما، ويضع الدولة أمام مسؤولية التعامل مع هذا الوعي الجديد بجدية كاملة وشفافية مطلقة.

الهيئة الوطنية للانتخابات، بصفتها الجهة المستقلة المخولة قانونا بإدارة العملية الانتخابية، أمام اختبار سياسي وقانوني بالغ الأهمية، فجهدها في تنظيم المراحل الانتخابية، وفحص الطعون، والتحقق من سلامة الإجراءات، لم يعد مجرد دور إداري، بل أصبح جزءا من عملية بناء الثقة العامة في الدولة، وكل قرار تتخذه الهيئة في هذه المرحلة سيشكل ملامح المرحلة المقبلة من المسار الديمقراطي.

إن فحص الأحداث التي شهدتها بعض الدوائر أعتقد أنه تم وفق أعلى درجات التدقيق، وبمنهجية واضحة وعلنية أعادت للمواطنين يقينهم بسلامة المسار، فإعلان القرارات، سواء بالرفض أو القبول، ليس مجرد خطوة قانونية، بل رسالة سياسية تؤكد أن الدولة لا تتردد في تصحيح المسار إذا كان ذلك ضروريا للوصول إلى الحقيقة.

ويجب التأكيد هنا أن تسليم صور محاضر الفرز لمندوبي المرشحين ليس فقط حقًا قانونيًا، بل الضمانة الأساسية لإغلاق أي باب للتشكيك. فعندما تتوافر لدى كل طرف نسخة من محاضر اللجان، تتساوى المعلومات، ويصبح النقاش مبنيًا على وثائق لا على روايات متضاربة.

واحدة من النقاط الجوهرية التي أثارت النقاش هي المخالفات المرتبطة بالدعاية الانتخابية. فالعملية الانتخابية ليست فقط صناديق ونسب أصوات، بل هي سلوك عام وبيئة سياسية يجب أن يحكمها القانون لضمان تكافؤ الفرص. ومن هنا تأتي أهمية إعلان الهيئة الوطنية للانتخابات عن الإجراءات المتخذة بشأن أي تجاوزات حدثت في الدعاية، لأن هذا الإعلان يحمل بعدين، يعيد ضبط الإطار القانوني للمنافسة في الجولات المقبلة، وبعد يؤكد أن الدولة تقف على مساحة واحدة من جميع المرشحين دون أي تمييز.

إن الإعلان عن تلك الإجراءات لا يحقق الردع فقط، بل يرفع من مستوى الانضباط في الجولة التالية، ويمنح المجتمع ثقة أكبر بأن العملية الانتخابية تسير في الاتجاه الصحيح، أصبح المواطن المصري اليوم أكثر وعيا بحقوقه السياسية، وأكثر مطالبة بالشفافية، وأكثر إصرارا على أن تكون العملية الانتخابية معبرة عنه حقا، وهذا الوعي ليس تحديا للدولة، بل عنصر قوة يدفع مؤسساتها لتطوير أدائها وتحديث أدواتها في إدارة المشهد الانتخابي.

الوعي الشعبي

فالوعي الشعبي لا يضعف السلطة، بل يعزز من مشروعيتها، والدولة القوية هي التي تنفتح على مطالب مواطنيها، وتستجيب لها بصدق ووضوح، وتعتبرها جزءا من مسار التطور السياسي.

المرحلة السياسية المقبلة تتطلب برلمانا قويا يمثل المصريين تمثيلا حقيقيا، ويكون قادرا على صياغة تشريعات تتناسب مع حجم التحديات الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية التي تواجه الدولة، ولذلك فإن أي شك في شرعية تشكيل البرلمان لن يكون مجرد مشكلة إجرائية، بل مشكلة سياسية قد تنعكس على أداء الدولة في ملفات حيوية، ومن ثم، فإن ضمان أن كل نائب يصل إلى قبة البرلمان عبر إرادة ناخبيه الحقيقية هو شرط أساسي لاستقرار الدولة وقوة مؤسساتها. 
الحقيقة أن الهيئة الوطنية للانتخابات أظهرت أعلى درجات الشفافية، وأعلنت للرأي العام مسار الطعون ونتائج التحقيقات، وأتخذت القرار الصحيح حتى وإن كان صعبا، سواء بإعادة الانتخابات في بعض الدوائر وإلغاء النتائج التي ثبت اختلافها مع الإرادة الحقيقية للناخبين.

إن اللحظة الانتخابية التي تعيشها مصر اليوم ليست لحظة إجرائية عادية، بل لحظة سياسية تؤسس لمستقبل المشاركة الشعبية والديمقراطية، وما أكده الرئيس السيسي بأن حماية إرادة المصريين هي أساس شرعية الدولة يجب أن يكون القاعدة التي تبنى عليها كل القرارات في هذه المرحلة.

هذه ليست مجرد انتخابات… 
هذه لحظة تأسيس لمرحلة جديدة، تؤكد فيها مصر أن إرادة شعبها هي الكلمة الأولى والأخيرة، وأن الشرعية لا تأتي إلا من صندوق واضح وشفاف، وأن الدولة القوية هي التي لا تخشى المراجعة والتصحيح، لأنها واثقة من مؤسساتها، ومن شعبها، ومن المستقبل الذي تبنيه بإرادة الجميع.

تم نسخ الرابط