و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

 أصدر المشرع المصري القانون رقم 174 لسنة 2025، بإصدار قانون الإجراءات الجنائية الجديد، ليلغي بذلك القانون القديم رقم 150 لسنة 1950 ويؤسس لمرحلة جديدة في تاريخ العدالة الجنائية المصرية. هذا التشريع الضخم لا يمثل مجرد تعديل، بل هو إعادة هيكلة شاملة تهدف إلى تحقيق العدالة الناجزة، وتعزيز ضمانات المحاكمة العادلة، ومواكبة التطورات التكنولوجية.
فيما يلي، نستعرض أهم 7 ملامح ومستجدات جوهرية تضمنها القانون الجديد:
1-  استئناف الجنايات: نقلة تاريخية لضمانات المحاكمة
لأول مرة، يقر القانون مبدأ التقاضي على درجتين في مواد الجنايات، وهو الملمح الأبرز والأكثر أهمية. فبعد أن كانت أحكام محاكم الجنايات لا تقبل الطعن إلا بالنقض (وهو طعن قانوني لا موضوعي)، استحدث القانون "محكمة الجنايات المستأنفة" (المادة 350). يمنح هذا التعديل التاريخي الحق في إعادة نظر القضية بشكل كامل أمام هيئة قضائية أعلى، مما يعزز بشكل غير مسبوق ضمانات المحاكمة العادلة ويتوافق مع المعايير الدولية.
2- ثورة في منظومة الإعلانات القضائية: الربط بالرقم القومي والهاتف
في خطوة جريئة لحل مشكلة بطء الإعلانات وبطلانها، تبنى القانون آلية رقمية متطورة (المواد 230-232). حيث نص على إنشاء "مركز للإعلانات الهاتفية" في كل محكمة، يقوم بالاستعلام عن رقم هاتف الشخص المرتبط برقمه القومي. وفي حال تعذر الإعلان المادي، يتم إرسال رسالة نصية (SMS) خلال 24 ساعة، ويعتبر الإعلان منتجًا لآثاره بمجرد إثبات استلام الرسالة. هذا التحول يقضي على الإعلانات الشكلية ويضمن سرعة وصول الإعلان للمعني بالأمر.
3-  التحقيق والمحاكمة "عن بعد": مواكبة العصر الرقمي
استحدث القانون بابًا كاملًا لتنظيم إجراءات التحقيق والمحاكمة باستخدام تقنيات الاتصال الحديثة. يسمح هذا التنظيم بسماع أقوال الشهود والخبراء، ومناقشة المتهمين، ونظر تجديد الحبس الاحتياطي "عن بعد"، مما يسرّع وتيرة الإجراءات ويقلل من المخاطر والتكاليف اللوجستية، وهي ضرورة أثبتتها التحديات المعاصرة.


4- بدائل الحبس الاحتياطي: تقييد الإجراء الأخطر على الحرية

عزز القانون من الرقابة القضائية على الحبس الاحتياطي، جاعلًا الأصل هو "التدابير الاحترازية" كبديل للحبس (المادة 114)، مثل الإقامة الجبرية، والمنع من السفر، والتردد على قسم الشرطة. كما وضع سقفًا زمنيًا صارمًا لا يجوز تجاوزه في كافة مراحل الدعوى (المادة 124)، موازنًا بذلك بين ضرورات التحقيق وصون الحرية الشخصية.
5- توسيع نطاق التصالح والصلح: نحو عدالة رضائية
تبنى القانون فلسفة العدالة الرضائية عبر التوسع بشكل ملحوظ في قائمة الجرائم التي يجوز فيها التصالح أو الصلح بين المتهم والمجني عليه، والتي يترتب عليها انقضاء الدعوى الجنائية (المادة 21). شملت القائمة جرائم تمس الحياة اليومية للمواطنين مثل بعض صور القتل الخطأ، والضرب، والنصب، وخيانة الأمانة، مما يهدف إلى تخفيف العبء عن كاهل المحاكم وسرعة إنهاء الخصومات.
6-  حماية الشهود والمبلغين: تشجيع على كشف الحقيقة
إدراكًا لأهمية الشهادة في إثبات الجرائم، أفرد القانون بابًا خاصًا لحماية الشهود والمبلغين (المادة 524)، حيث أجاز إخفاء بيانات هويتهم في الحالات التي يُخشى فيها عليهم من الخطر، مع إنشاء ملف فرعي سري لضمان حقوق الدفاع. هذا المستجد التشريعي الهام يشجع الأفراد على الإدلاء بشهادتهم دون خوف، ويدعم جهات التحقيق في الوصول إلى الحقيقة.
7-  التعويض عن الحبس الاحتياطي: جبر الضرر باسم المجتمع
في سابقة تشريعية، أقر القانون حق من حُبس احتياطيًا ثم ثبتت براءته بحكم بات أو صدر أمر بألا وجه لإقامة الدعوى، في الحصول على تعويض عادل من خزانة الدولة (المادة 528). هذا النص يمثل اعترافًا من المشرع بالضرر الذي قد يلحق بالفرد جراء إجراء سالب للحرية يتبين لاحقًا أنه لم يكن له مبرر، ويرسخ مبدأ مسؤولية الدولة عن أعمال سلطاتها.
خاتمة:
يمثل قانون الإجراءات الجنائية الجديد خطوة جادة ومدروسة نحو تحديث البنية التشريعية للعدالة الجنائية في مصر، موازنًا بين فاعلية الإجراءات وتعزيز حقوق الإنسان، ومتبنيًا التكنولوجيا كأداة لخدمة العدالة. ويبقى الرهان الحقيقي على التطبيق الفعلي لهذه النصوص لضمان تحقيق أهدافها في الوصول إلى عدالة ناجزة ومنصفة.

تم نسخ الرابط