صفحة جديدة من الحوار
رحلة بين الجفاء والمصالحة.. خلافات تاريخية رسمت مسار العلاقة بين الأزهر والفاتيكان
فى زيارة رسمية، توجه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، رئيس مجلس حكماء المسلمين، إلى العاصمة الإيطالية روما، في زيارة رسمية للمشاركة في أعمال المؤتمر العالمي الذي تنظمه منظمة سانت إيجيديو تحت عنوان «إيجاد الجرأة للسعي لتحقيق السلم»، بحضور البابا لاون الرابع عشر، بابا الفاتيكان، والرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا، والملكة ماتيلد، ملكة بلجيكا، إلى جانب نخبة من رموز الأديان والمفكرين من مختلف أنحاء العالم.
وبعيدا عن الخلاف العقائدي، شهدت العلاقة بين الأزهر الشريف والفاتيكان فترات من التوتر والجفاء بسبب بعض المواقف والتجاوزات التى اعتبرها الإمام الأكبر مسيئة ولا تعبر عن إرادة مخلصة للحوار .
تتمثل أبرز هذه التجاوزات؛ في خطاب ألقاه بابا الفاتيكان الأسبق بنديكت السادس عشر في جامعة ريجنسبورج الألمانية في سبتمبر 2006، واستشهد باقتباس من إمبراطور بيزنطي قديم يعود للقرن الرابع عشر، وهو الاقتباس الذى اعتبره الأزهر الشريف ومختلف والمؤسسات الإسلامية العالمية بأنه مسيئًا للإسلام ونبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وهجوما على الإسلام يعكس تعصبا مقيتا .
وفى مواجهة الاحتجاجات، قدم البابا بنديكت اعتذارًا، موضحًا أنه لم يكن يتبنى وجهة نظر الاقتباس، وأن الاقتباس لا يعكس قناعاته الشخصية. وأضاف أن الغرض من الاستشهاد به كان لإظهار أن الدين والعنف لا يتفقان.
ورغن اعتذار البابا الأسبق، قام الأزهر الشريف بتجميد الحوار مع الفاتيكان، واستمر هذا التجميد لسنوات، حتى تم استئنافه في عهد البابا فرنسيس.
وجاءت السقطة الثانية للفاتيكان، بعد الهجوم الذي استهدف كنيسة القديسين بالإسكندرية ليلة رأس السنة عام 2011، عندما أصدر البابا بنديكت السادس عشر تصريحات دعا فيها قادة العالم إلى الدفاع عن المسيحيين في الشرق الأوسط، مما أثار غضبًا في مصر، واعتبره الأزهر تدخلًا غير مقبول في شؤونها الداخلية.
ففي قداس رأس السنة في كاتدرائية القديس بطرس، دعا بابا الفاتيكان قادة العالم إلى التصدي للتوترات التي تستهدف المسيحيين، وقال إنه أمام التمييز والإساءة والتعصب الديني الذي يضرب المسيحيين اليوم بشكل خاص، أجدد دعوتي الملحة لعدم الاستسلام لليأس والاستقالة.
ولم يكتفى بندكت السادس عشر بذلك، ففي كلمة أمام السلك الدبلوماسي المعتمد لدى الفاتيكان، قال إن الهجوم على كنيسة الإسكندرية يُظهر الحاجة الملحة لحكومات المنطقة لتبني إجراءات فعالة لحماية الأقليات الدينية.
واعتبر الإمام الأكبر شيخ الأزهر، أن تصريحات البابا تدخل غير مقبول في الشؤون الداخلية لمصر، مؤكدا أن حماية المسيحيين هي مسؤولية الحكومة المصرية.
تجميد الحوار
تسببت هذه الواقعة في توتر كبير بين المؤسستين، وقرر الأزهر الشريف تجميد الحوار مع الفاتيكان إلى أجل غير مسمى، وهو الحوار الذى تم استئنافه بعد انتخاب البابا فرنسيس عام 2013.
ورغم هذه القطيعة، جاء لقاء الإمام الأكبر شيخ الأزهر، بالبابا فرنسيس عام 2016 بمثابة بداية مرحلة جديدة وخطوة إيجابية لاستئناف الحوار بين الأزهر، أكبر مؤسسة دينية في العالم الإسلامي، والفاتيكان التي تمثل أعلى سلطة دينية في الغرب.
كان اللقاء إيجابيا، خاصة وأن الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر بعث ببرقية تهنئة باسم الأزهر، بعد ترسيم فرانسيس الأول بابا للفاتيكان وهي الرسالة التي اعتبرتها الفاتيكان «مبادرة سلام» من قبل الأزهر وجددت الدعوة لاستئناف الحوار بين المؤسستين الدينيتين الأزهر والفاتيكان في أعقاب الزيارة التي قام بها البابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، إلى الفاتيكان نهاية مايو عام 2013.
وأكد الأزهر الشريف وقتها، أن عودة العلاقات المُجمدة مع الفاتيكان مرهونة بما تقدمه من خطوات إيجابية جادة تُظهر بجلاء احترام الإسلام والمسلمين.
وفى عام2019، تم توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية التي تدعو إلى السلام والتعايش المشترك، وتركز على القضايا الإنسانية المشتركة، مثل السلام ونبذ الكراهية، دون التعرض للاختلافات العقائدية الجوهرية.
وخلال هذه الفترة قام الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، بزيارة الفاتيكان مرة واحدة في 23 مايو 2016، في لقاء وصفته الصحافة العالمية بالتاريخي مع البابا فرنسيس، بوصفها الزيارة الأولى من نوعها في تاريخ العلاقة بين المؤسستين بعد فترة من التوتر.
فيما جاءت كافة اللقاءات الأخرى خارج الفاتيكان، مثل لقاء أبوظبي عام 2019 ولقاء البحرين عام 2022.








