و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

 في قمة شرم الشيخ الأخيرة، لم تكن الكلمات وحدها هي التي نطقت باسم مصر، بل كان للجسد أيضًا لغته ورسائله. الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي جمع بين الحزم والمرونة في حضوره، قدّم نموذجًا لدبلوماسية الجسد المتوازن التي تترجم الثقة الوطنية إلى حوار صامت بين الزعماء.

في لقائه بالرئيس الأمريكي  دونالد ترامب، ظهر الرئيس المصري بثباتٍ واتزانٍ واضحين. جلسته المستقيمة وابتسامته الهادئة أمام إشارات ترامب الجسورة عكست قدرة على ضبط الإيقاع النفسي للموقف، وتأكيد أن مصر تتعامل بندّية واحترام متبادل حتى في أحاديث القوة. كانت نظرات السيسي مركزة، توحي بالإنصات الواعي دون انفعال، في مقابل لغة ترامب الحركية المبالغ فيها، بما يبرز الفارق بين ثقافة الأداء السياسي الأمريكي الصاخب والأسلوب المصري الهادئ الواثق.

أما لحظة العناق مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فكانت مشهدًا إنسانيًا بامتياز، حمل بين ذراعيه دلالات أكبر من البروتوكول. ذلك العناق العفوي نقل رسالة دفء وشراكة تتجاوز السياسة الباردة. ففي لغة الجسد، العناق المتكافئ يعني تقارب الرؤى والثقة المتبادلة. لقد بدا ماكرون مبادرًا بالعناق، بينما استجاب السيسي بحضور وابتسامة متبادلة، في ما يمكن وصفه بأنه “تحالف إنساني” في زمن تتراجع فيه حرارة العلاقات بين القادة وفي الجلسة الجماعية التي جمعت قادة العالم في شرم الشيخ، جلس الرئيس المصري في موضع مركزي، متحدثًا أكثر بالعينين من اللسان. كانت يداه ثابتتين، بينما تميزت ملامحه بالتركيز والانفتاح، مما يعكس خبرة في إدارة الحوار المتعدد الأطراف دون ضجيج أو استعراض. إنها لغة قيادة تعرف متى تتكلم، ومتى تترك الصمت يؤدي الدور الأعمق.

 العرب عادوا

لكن الرسالة الأهم جاءت من خلف هذه الصور — فبعد أكثر من ٤٨ عامًا على زيارة الرئيس السادات للقدس، يبدو أن العرب قد عادوا مجددًا إلى حضن الرؤية والقيادة المصرية. لم تعد القاهرة مجرد طرفٍ في معادلة الشرق الأوسط، بل عادت لتكون مركز الاتزان الاستراتيجي للعالم العربي لقد نجحت مصر في أن تنقل القضية الفلسطينية من مربع العمليات والصراع إلى مربع التعاون والتنمية، ومن منطق البندقية إلى منطق البناء، في لحظة إقليمية كانت فيها الأصوات تتنازع، فجعلت القاهرة من صوتها مرجعًا وممرًا للحل.

ولأول مرة منذ توقيع معاهدة السلام عام 1979، تصل مصر إلى مرحلة تحييد الجانب الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ليس عبر المواجهة، بل عبر ترسيم رقعة الشطرنج السياسية من جديد، بحيث تمسك القاهرة بخيوط المبادرة وتعيد ترتيب الأوراق على أساس من الواقعية والاحترام المتبادل إن قراءة لغة الجسد في القمة ليست ترفًا بصريًا، بل مفتاحًا لفهم ما تغيّر في موقع مصر من العالم. ففي قمة شرم الشيخ، لم يكن السيسي مجرد رئيسٍ حاضر في الصورة، بل كان صانع مشهدٍ جديدٍ للشرق الأوسط — مشهدٌ تتحدث فيه مصر بثقة، ويستجيب فيه العالم.

تم نسخ الرابط