و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

 أسئلة وأسئلة وأسئلة.. تقود إليها إجابة السؤال عن عنوان المقال.. هل رأيت فرحة أهل غزة اليوم؟!.. لكن السؤال ليس إجباريا، ليس على سبيل المزايدة كما حاول تيار "الإخوان" منذ سنين طرح سؤال آخر - في ملصقات ومنشورات- هو: هل صليت على النبي اليوم؟عليه أفضل صلاة وسلام في كل وقت وحين. لكن ما دخلك أنت كي تسألني ما إذا كنتُ قد صليتُ عليه اليوم أو أمس أو في أي وقت؟!. الإجابة بالبلدي: وانت ما لك؟!
كذلك؛ مقاطع الفيديو المنتشرة لفرحة أهل غزة بمجرد إعلان نجاح اتفاق وقف إطلاق النار برعاية مصرية مشرفة؛ أنا شخصيا لم أشاهدها.. لماذا؟!.. في الإجابة تكمن المسألة وسيل الأسئلة.
للدقة؛ لم أشاهد فيديوهات الفرحة لأنني لم أجرؤ. خفت. عجزت. ضعفت. ليس سهلًا أبدًا أن يشهد المرء اللحظة العابرة من الموت إلى الحياة، أو العكس، في دنيا البشر. لم أحتمل!ما أسهل الكلمات.. لكن تخيل!.. حاول!.. حاول أن تتمثل الأمر في حياتك أنت وحياة أبنائك وأحبابك!.. ليس من خلف شاشة مضيئة بحروف تسطرها أناملك على "كيبورد" ترى نفسك بعدها بطلًا!
لحظة الخروج من نفق معتم. لحظة الوقوف على أعتاب نهاية العالم؛ عالمك أنت، بالموت، لتجد بعدها أن قدمك لم تزِل؛ أنك بقيت؛ أنك حييت. عندئذ؛ تختلط الدموع بالفرحة؛ الابتسامة بالراحة، وبعدها يسود الصمت؛ صمت طويل عميق، تعجز معه كلمات الكٌتاب، إن كانوا يبحثون عن الحقيقة.. والصدق!
لم أشاهد فيديوهات الفرحة، هربًا من الأسئلة، ويا لخطورة الأسئلة! لكن.. يا لأهميتها أيضًا.. إن لم نطرحها الآن فمتى تُطرح؟!
سؤال الوقت، العنوان الواجب للمرحلة، ليس "من انتصر؟". دعكَ من هذا. إجابات السياسيين الكاذبة، في كل جانب، ستقودك إلى المتاهة. الكل سيرفع أمام وجهك أصابعه بعلامة النصر. ستود وقتها - بقباحة- أن تمسك بإصبع واحد، توجهه نحو صاحبه مدعي النصر، لكنك سريعًا ستُعدل تفكيرك، ستختار السبابة، لتسأل بالمواجهة، بأعلى صوت: لماذا إذًا كان كل هذا؟!
عملية السابع من أكتوبر 2023.. دعنا نطيل الكلمة قليلًا "على سبيل الفخر" - مؤقتًا- حتى لا يتهمنا تافه بالتصهين.. الساااااااابع من أكتوبر.. أهكذا لطيف؟!.. تمام.. لكن إليك السؤال: ماذا جرى بعده؟! ما نتائجه؟! من قرره؟! كيف خطط له صاحبه أو وضع حساباته؟!
النتائج في رأيي يمكن استخلاصها من فيديوهات الفرحة المتناثرة، التي هربتُ منها؛ فرحة الناس، البشر.. تُرى ماذا كان رأيهم - إن تم سؤالهم قبل السابع من أكتوبر- في الإقدام على العملية من عدمه؟!
قبل عام، في الذكرى الأولى للعملية، بينما كانت الصحف والقنوات الفضائية تعد موادها حول المناسبة، استشارني أصدقاء صحفيون في صحف عربية بشأن العناصر التي يمكن إثارتها بخلاف ذكر الأرقام والأحداث التي وقعت حتى ذلك الوقت. سريعًا رددت.
قلت إن السؤال الأهم الذي أحب - كقارئ- أن أعرف إجابته هو: ما رأي الناس في غزة؟ إن كان قد تم سؤالهم قبل العملية هل كانوا سيختارونها؟ هل قرروا هم أنفسهم القيام بها بما يعني قدرتهم على تحمل تبعاتها أم أن هناك من قرر بـ النيابة عنهم وحده؟. قلت لأصدقائي: دعوا مراسليكم يطرحون السؤال على الناس هناك، أبناء الأرض، أريد أن أعرف الحقيقة! ومن لطائف الأمور، أن يرى المرء إخوة من تيار اليسار، يعلون ويعلنون بإباء قاعدة أرستها فتوى دينية. الفتوى تقول: "لا يفتي قاعد لمجاهد". طيب خير والله. يريدون أن يخرسوا بها كل تحليل سياسي يذهب إلى خطأ العملية.
وأنا موافق.. أوافق على ما أعلنوه، وبالمنطق نفسه أتساءل: أليس أولئك البشر، الناس العاديون، الفرحون اليوم بنجاتهم؛ هم أيضًا في أرضهم المحتلة مجاهدون؟ أليس من حقهم أن يفتوا لأنفسهم في أمرهم؟ أم أن الفتوى بالجهاد العسكري حكر على فصيل واحد منهم فقط حَكَمَهم رغمًا عنهم أو بإرادتهم؟ ومن باب خلط الأمور، بهدف تخوين المخالفين، ترى كذلك أولئك السادة "المناضلين" يلقون في وجهك بالمبدأ والقاعدة: "طالما وُجِد الاحتلال في أي أرض فالمقاومة واجب وحق".
وأنا هنا موافق أيضًا، وبشدة، لكن لا بد أن تثور الأسئلة، بلا اتهام أو تخوين.. السؤال حق.. سمح به الله العلي القدير لإبراهيم الخليل فيما هو أعلى شأنًا وأهم، "وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ". الفكر والسؤال منبع الإيمان والاطمئنان، "قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي".

 

 الترتيب والتنسيق 

والسؤال هنا: أليس للمقاومة أي حسابات؟ ألا تستوجب الترتيب والتنسيق والاستعداد؟ وبحساب النتائج؛ هل كان العدو يومًا في أقوى صوره كما أصبح اليوم عليه بعد الساااااااابع من اكتوبر؟! والأهم هو: هل للمقاومة وجه واحد؟.. أما كان يمكن أن.....؟ دعونا الآن ننتقل إلى عالم الأحلام لنسأل بحريتنا كما نحلم ونحب.. أما كان ممكنًا أن يتصالح الفلسطينيون أولًا لتجتمع الفصائل المتعددة على مبدأ المقاومة بشقيها السياسي والعسكري معًا؟ بالمناسبة؛ مقاومة الاحتلال تصلح بالسلاحين معًا إذا اجتمعا؛ بالسياسة والبندقية، بالتناوب بينهما، بالتنسيق المشترك، بشرط أن تصلح النوايا، وتغيب الامتدادات الخارجية، والأهم هو ضرورة غياب السلاح الأخطر؛ سلاح التخوين، الذي يمكن أن يُستخدم ضد الطرفين، فإذا اتهم العسكري السياسي بالتعامل مع العدو فإن الأخير يحق له عندئذ أن يضحك ساخرًا: انظر من يتكلم.. انظر من خدم مصالح العدو أكثر!
في الأحلام، ستغيب الفرقة، ويحل الوئام، ويتبادل الطرفان العمل تحت مظلة واحدة. "اضرب ولاقي"؛ اضرب بعملية عسكرية مُرتبة، ليلقى زميلك السياسي من جانب آخر نتيجتها، فيستثمرها سياسيًّا، لخدمة القضية، فنعلو معًا، نقاوم بالتدريج والتعقل، ليس بالفردية والعنترية والانتحار، فتكون النتيجة: أرض تضيع وشعب يباد!
في الأحلام؛ سيسلط المثقفون والمحللون والخبراء الأنظار على رؤية قديمة عاقلة، وضعها كاتب ذو ضمير، غير منحاز، اسمه أحمد بهاء الدين، الراحل العظيم، وذكَّرني بها في مقال بـ"الأهرام" الكاتب الصديق الدكتور محمد حسين أبو الحسن.. فماذا قال؟
يقول بهاء إن الصدام بيننا وبين إسرائيل ليس معركة عسكرية أو سياسية، شىء أعمق، إنه معركة حضارية كبرى، وإن نهاية الصراع لن تتحقق بالقوة العسكرية فقط؛ فالعرب لا يحاربون إسرائيل الموجودة على الخريطة، لكنهم يحاربون الحضارة الغربية التى تُمثِّل إسرائيل خنجرها المغروس في لحم المنطقة العربية، وسوف تمر فترات قتال وسكون، لزمن طويل، قبل حسم الصراع، يسبقها تقدُّمٌ حضاري لا بد منه في العالم العربي، ليس المهم الآن أن نغزو إسرائيل عسكريا، إنما إقامة "وضع متجمد"، يحاول العرب خلاله بناء الحد الأدنى من التوازن الحضاري والاستراتيجي.
في نهاية مقاله، يقول أبو الحسن: "سلام على بهاء"، وأقول: سلامٌ على غزة.. وأهلها.. سلامٌ نتمنى - في الأحلام أيضًا- أن يستمر لأطول فترة ممكنة.. لعل وعسى.. وسلامٌ علينا.. سلامٌ للعقل.. فلنفكر في الأمر.. "نهاية الصراع لن يتحقق بالقوة العسكرية فقط.. بناء حد أدنى من التوازن الحضاري والاستراتيجي أولًا.. وضع متجمد".. ليتنا نفكر!  
     
 

تم نسخ الرابط