و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

شاركت بداية هذا الأسبوع  في حفل تكريم السفير الدكتور كريم حجاج، الذي نظمته مكتبة الإسكندرية برئاسة الدكتور أحمد زايد مدير المكتبة، وذلك بحضور نخبة من رموز الفكر والتفكير في مصر.

تمثل الإنجازات الأخيرة لكوادر مصرية شابة في مؤسسات دولية رفيعة المستوى نموذجًا حيًا على القوة الناعمة المصرية وقدرتها على التأثير عالمياً. فمن تولي السفير الدكتور كريم حجاج إدارة معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) لأول مرة لدبلوماسي شاب من دول الجنوب العالمي، إلى انتخاب الشاب مينا رزق رئيسًا للمجلس التنفيذي لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو)، يثبت المصريون أنهم قادرون على المنافسة والقيادة في أرفع مواقع القرار الدولي، وأن الكفاءة والخبرة يمكن أن تكون أدوات القوة الناعمة الملموسة لمصر في الساحة العالمية.

يشكل تولي الدكتور كريم حجاج منصب مدير SIPRI لحظة فارقة، فالمعهد يعد من أبرز مراكز الفكر العالمية في مجالات الأمن والتسلح والسلام، واختياره يعكس قدرة مصر على تقديم قيادات مهنية تحظى بالثقة الدولية. والأهم من ذلك أن هذه هي المرة الأولى التي يتولى فيها عربي هذا المنصب، بما يمنح الحدث بعدًا رمزيًا يتجاوز مصر إلى المنطقة بأسرها.

إنجاز مصري اخر 

 

وتتوازى هذه اللحظة مع إنجاز مصري آخر لا يقل أهمية، تمثل في انتخاب الدبلوماسي الشاب مينا رزق رئيسًا للمجلس التنفيذي لمنظمة الفاو. فقد أصبح أصغر من يتولى هذا المنصب في تاريخ المنظمة بعمر 38 عامًا، وأول مصري يصل إليه منذ تأسيسها عام 1945، بعد منافسة قوية مع مرشحين من مختلف القارات، قبل أن يحظى بثقة الأعضاء ويتم انتخابه بالإجماع لمدة أربع سنوات. هذا الإنجاز يعكس حجم التقدير الذي تحظى به الكفاءات المصرية داخل المؤسسات الدولية، ويؤكد قدرة الأجيال الشابة على تحقيق اختراقات نوعية في دوائر العمل متعدد الأطراف.

وعلى مسار موازٍ، قدمت مصر عبر العقود نماذج بارزة في مؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. ويأتي في مقدمتهم الدكتور بطرس بطرس غالي، الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة، والدكتور محمد البرادعي، المدير العام الأسبق للوكالة الدولية للطاقة الذرية والحائز على جائزة نوبل للسلام، تقديرًا لجهوده في تعزيز نظام منع الانتشار النووي. ومن الأسماء المعاصرة الوزيرة السابقة غادة والي، التي تولت منصب وكيل السكرتير العام للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة، ومدير مقر المنظمة في فيينا، وكذلك الدكتور محمود محيي الدين، المبعوث الخاص لأجندة التمويل لعام 2030، والدكتورة هبة هجرس، المقررة الخاصة المعنية بحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة لدى الأمم المتحدة، والدكتور هاني الشاعر، المدير الإقليمي للاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN) لغرب آسيا.

هذه النماذج تؤكد الحاجة إلى إنشاء شبكة تنسيقية تضم المصريين العاملين في المناصب الدولية المختلفة، بحيث تتحول النجاحات الفردية إلى قوة جماعية تعزز صورة مصر وتزيد من تأثيرها في دوائر صنع القرار. ومن هذا المنطلق، يصبح من الضروري أن تقوم وزارة الخارجية، بالتعاون مع الوزارات الأخرى، بحصر جميع المصريين العاملين في مؤسسات دولية، سواء بترشيح رسمي من الدولة أو بصفتهم الفردية، لتسهيل التواصل بينهم وتوظيف خبراتهم في دعم السياسات الوطنية وتعزيز القوة الناعمة المصرية.

إن التحدي الحقيقي أمام مصر اليوم لا يقتصر على الاحتفاء بإنجازات أبنائها في الخارج، بل يتمثل في تحويل هذه النجاحات الفردية إلى مشروع وطني متكامل لبناء شبكة نفوذ مصرية فاعلة داخل المؤسسات الدولية. فحين تتكامل جهود الدبلوماسيين والباحثين والخبراء المصريين في الخارج تحت رؤية واحدة، فإن تأثير مصر العالمي سيزداد رسوخًا ويصبح أكثر استدامة. والأهم أن هذه النماذج يجب أن تكون مصدر إلهام للأجيال الجديدة في مصر، لتدرك أن الطريق مفتوح أمامها إذا امتلكت الإرادة والعلم والانضباط. فالمستقبل الدولي لمصر لا يُبنى فقط بما حققه جيل اليوم، بل بما ستقدمه أجيال الغد من إسهامات جديدة تعزز مكانة الوطن وتعمّق حضوره على الساحة العالمية.

تم نسخ الرابط