و الأخيرة

رئيس مجلس الإدارة
أحمد عصام فهمي
رئيس التحرير
محمود الضبع
موقع الصفحة الأولى

  يمثّل القطاع الخاص ركيزة أساسية للنمو الاقتصادي في مصر، ويعد هذا القطاع من أبرز المستفيدين من توجه البنك المركزي إلى خفض أسعار الفائدة خلال الفترة الأخيرة. إذ يسهم تراجع تكلفة الاقتراض في تحفيز الشركات على التوسع في استثماراتها وتمويل مشروعات جديدة، بما يدعم النشاط الإنتاجي ويخلق المزيد من فرص العمل إلا أن الفاعلية الفعلية لهذا التوجه تتوقف على قدرة القطاع الخاص على الاستفادة من التيسير المالي، إلى جانب وجود بيئة مؤسسية وتشريعية داعمة، وهو ما سنحاول نقاشه في المحاور التالية.
المحور الأول: أثر خفض الفائدة على تكلفة التمويل
1- تأثير خفض أسعار الفائدة على تكلفة التمويل للشركات الخاصة
عندما يقرّر البنك المركزي خفض أسعار الفائدة، فإن ذلك يترجم مباشرة إلى تراجع تكلفة الاقتراض في البنوك التجارية، بشرط أن تنقل البنوك هذا التخفيض إلى أسعار القروض الممنوحة للقطاع الخاص. في مصر، قام البنك المركزي بخفض أسعار الفائدة عدة مرات خلال العام 2025: خفض بمقدار 225 نقطة أساس في أبريل، ثم خفضات إضافية في مايو وأغسطس، وأُخِذت في أكتوبر خفض إضافي بمقدار 100 نقطة أساس
هذا الخفض يُعد استجابة لتراجع معدل التضخم السنوي إلى مستويات يُمكن معها السماح بمزيد من التيسير النقدي
من الناحية النظرية، هذا التخفيض يُفترض أن ينعكس على هامش الفائدة التي تدفعها الشركات على القروض، فيقلل من الفجوة بين تكلفة الاقتراض والعائد المطلوب للمستثمرين.
يؤدي خفض أسعار الفائدة إلى انخفاض تكلفة الاقتراض للشركات، مما يسهل الحصول على التمويل اللازم للتوسع في الأنشطة الإنتاجية. فإن خفض الفائدة بنسبة 1% يمكن أن يقلل تكلفة التمويل للشركات بنسبة تصل إلى 8-10%، خاصة للشركات متوسطة وكبيرة الحجم.
2- مدى تخفيف الأعباء التمويلية على القطاع الصناعي والإنتاجي
القطاع الصناعي والإنتاجي يعتمد بدرجة كبيرة على التمويل لسلسلة المدخلات لرؤوس الأموال، وتحديث المعدات، والتوسع إلى خطوط إنتاج جديدة. بذلك، أي انخفاض في تكلفة الاقتراض يُترجَم بصفة مباشرة إلى خفض تكاليف التمويل الرأسمالي، مما يحسن العائد الداخلي للمشروعات.
كما أن خفض الفائدة يخفف الضغط على ميزانيات الشركات التي تتحمّل خدمة الدين، خصوصًا تلك التي لديها التزامات تمويلية كبيرة. وهذا بدوره يمنحها مجالًا أكبر للاستثمار في التوسع أو التحديث بدلاً من سداد فوائد مرتفعة.
كما أن خفض الفائدة سيعكس نفسه إيجابًا على التمويل العقاري وقروض السيارات، الأمر الذي قد يؤدي إلى تحفيز الطلب المحلي والنشاط الصناعي المرتبط بهما
3- الطلب على القروض الاستثمارية: سرعة الظهور والتحديات
من المتوقع أن يؤدي خفض الفائدة إلى زيادة في الطلب على القروض الاستثمارية، لكن الأثر قد يحتاج إلى بعض الوقت للظهور، لعدة أسباب:
• توقيت الاعتماد والتخطيط البنكي: الشركات قد تؤخر قرارات الاقتراض حتى تتأكد من استقرار مستوى الفائدة وتوقعاتها المستقبلية.
• مخاطر الائتمان والضمانات: البنوك قد تفرض شروطًا صارمة أو ضمانات كبيرة، ما يحد من رغبة بعض الشركات في الاقتراض العشوائي.
• التوقعات التضخمية: إذا توقع المستثمرون أن الفائدة سترتفع لاحقًا أو أن التضخم سيرتفع، قد يترددون في الاقتراض لفترات طويلة.
في الدلائل المصرية، رقابة السياسة النقدية تشير إلى أن خفض الفائدة يُتبع تدريجيًا وفي ضوء تطورات التضخم والنشاط الاقتصادي لضمان عدم اختلال الاستقرار  
بالتالي، قد لا نرى طفرة فورية في الاقتراض، بل زيادة تدريجية خلال الأشهر التالية، مع تنامي ثقة القطاع الخاص بأن هذا المسار سيستمر.
المحور الثاني: القطاعات الأكثر استفادة


1- أبرز القطاعات المتوقع أن تستفيد مباشرة

بعض القطاعات تتسم بحساسية عالية لتكلفة التمويل، وهي التي ستستفيد بصورة مباشرة من خفض الفائدة: حيث تُعد قطاعات الصناعة التحويلية والعقارات والطاقة المتجددة من أبرز المستفيدين من خفض الفائدة. ففي قطاع الصناعة، يمكن أن يؤدي انخفاض تكلفة التمويل إلى زيادة الاستثمارات بنسبة 12% وفقاً لوزارة التجارة والصناعة وذلك على النحو التالي : 
• الصناعات التحويلية: خاصة التي تحتاج رأسمال كبير لتجهيز خطوط الإنتاج أو لتوسيع القدرة الإنتاجية.
• الإنشاءات والعقارات: المشاريع العقارية تحتاج تمويلًا طويل الأجل، لذا فإن خفض تكلفة القروض العقارية يسهم في تنشيط الطلب.
• قطاع السيارات والمركبات: يعتمد على التمويل لتمكين المستهلكين من الشراء بالتقسيط. بالفعل صرّح بعض العاملين بأن خفض الفائدة سيحفّز مبيعات السيارات 
• الزراعة والصناعات الغذائية: خاصة في تمويل التوسّع الزراعي أو تجهيزات التصنيع الغذائي.
• المشروعات الصغيرة والمتوسطة (SMEs): لأنها غالبًا ما تتردد في الاقتراض بسبب تكلفة الفائدة العالية، فتخفيضها قد يخفق في خفض حاجز الدخول لتمويل جديد.
2-   كيف يمكن لقطاعَي العقارات والطاقة المتجددة الاستفادة؟
قطاع العقارات: يستفيد من تراجع تكلفة التمويل على جبهتين: الأولى هي المطورين الذين يستطيعون تمويل مشروعاتهم بتكلفة أقل، ما ينعكس على انخفاض محتمل في أسعار البيع أو زيادة هوامش الربح. الثانية هي المشترين عبر انخفاض تكلفة التمويل العقاري (الرهن)، ما يزيد القدرة الشرائية ويدعم الطلب.
الطاقة المتجددة: هذه المشروعات، مثل الطاقة الشمسية والرياح، تتميز بضخامة الاستثمار الأولي وانخفاض تكاليف التشغيل. خفض الفائدة يقلل بشكل كبير من التكلفة الرأسمالية للمشروع على مدى عمره التشغيلي الطويل، ما يجعلها أكثر جاذبية للاستثمارات المحلية والأجنبية.
3-   التأثير على القطاع التصديري والاستثمارات الأجنبية
يساهم خفض الفائدة في تنشيط القطاع التصديري بشكل غير مباشر عبر مساهمته في دعم النشاط الاقتصادي عموماً وزيادة الطاقة الإنتاجية، وهو ما يتيح المزيد من المنتجات القابلة للتصدير. أما فيما يخص الاستثمارات الأجنبية المباشرة (FDI)، فإن استمرار دورة التيسير النقدي، خاصة إذا اقترنت بضمان استقرار سعر الصرف، يرسل إشارة إيجابية للمستثمر الأجنبي بأن تكلفة الاقتراض المحلي لدعم مشروعه في مصر أصبحت تنافسية، ما يزيد من جاذبية السوق المصري كوجهة استثمارية.
مع ذلك، يجب أن تُرافق هذه الخطوة إصلاحات هيكلية في التشريعات، وتحسين مناخ الأعمال والبنية التحتية، لتعظيم جذب الاستثمارات الأجنبية.

 

المحور الثالث: التحديات أمام استفادة القطاع الخاص

دور الضمانات والإجراءات المصرفية في الحد من الاستفادة بالرغم من قرار التيسير النقدي، فإن متطلبات الضمانات أو الإجراءات المصرفية قد تشكل تحدياً في الحد من استفادة القطاع الخاص، خاصة المنشآت الصغيرة والمتوسطة. البنوك، في سعيها لإدارة المخاطر، قد تشدد من شروط الإقراض والضمانات المطلوبة، ما يُصعّب على الشركات التي ليس لديها سجل ائتماني قوي أو ضمانات عينية كافية الحصول على التمويل، حتى مع انخفاض سعر الفائدة. المطلوب هنا هو تفعيل آليات ضمان المخاطر التي يدعمها البنك المركزي، وتشجيع البنوك على تقييم المشاريع على أساس دراسات الجدوى والتدفقات النقدية المتوقعة بدلاً من الاقتصار على الضمانات التقليدية و تلك العقبات تفصيلاً :
• متطلبات الضمانات: البنوك غالبًا ما تطلب ضمانات كبيرة أو تأمينات على القروض الاستثمارية، مما قد يكون عائقًا أمام الشركات الصغيرة أو تلك التي ليس لديها أصول كافية.
• الإجراءات البيروقراطية: عمليات الموافقة على القروض قد تكون بطيئة، وضوابط الائتمان قد تكون متشددة، مما يبطئ من الاستفادة الفورية من التخفيض.
• المخاطر الائتمانية والعناصر النوعية: البنوك قد تقيّد القروض لقطاعات معينة أو تضع شروط جودة ائتمانية صارمة في ظل عدم الاستقرار الاقتصادي.
• المنافسة مع القروض الاستهلاكية أو الاستثمارات منخفضة المخاطر: قد تميل بعض البنوك إلى التركيز على القروض ذات السيولة العالية أو قصيرة الأجل بدل الاستثمار في المشاريع ذات الأفق البعيد.
تلك العقبات تتطلب تضافر الجهود بين البنوك، والمشرّعين، والقطاع الخاص ليتم تبسيط الإجراءات، وضمان وجود أدوات ضمان ميسرة للشركات.
المحور الرابع: التوقعات المستقبلية
1- التأثير المتوقع لاستمرار دورة خفض الفائدة على الاستثمار والنمو
إن استمرار دورة خفض الفائدة، بفرض استمرار السيطرة على معدلات التضخم، ستكون له رؤية إيجابية داعمة للنمو الاقتصادي والاستثمار خلال العام المقبل. التخفيضات المتتالية تخلق بيئة من التفاؤل لدى المستثمرين، وتُحرر جزءاً من رؤوس الأموال من الاستثمار في الأوعية الادخارية الحكومية ليتجه نحو الاستثمار الإنتاجي. هذا التحول المتوقع سيدعم معدلات النمو في الناتج المحلي الإجمالي، خاصة في القطاعات التي تتمتع بمرونة عالية للاستجابة لتكلفة التمويل
لكن يجب التنويه إلى أن الأثر الكامل لن يتحقق في عام واحد، بل يحتاج إلى سنوات لتحقيق الاستدامة.


2- الخطوات المطلوبة لضمان استدامة النمو في بيئة فائدة منخفضة
لضمان استدامة النمو في ظل بيئة فائدة منخفضة، يجب اتخاذ خطوات متكاملة تتجاوز السياسة النقدية، ومن أهمها:
1. الإصلاحات الهيكلية: تسريع تنفيذ الإصلاحات الهيكلية التي تستهدف تحسين مناخ الأعمال، وتسهيل إجراءات التراخيص، وتسوية النزاعات التجارية، ما يقلل من المخاطر غير المالية.
2. تعميق الشمول المالي: زيادة وصول الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى التمويل عبر تفعيل آليات التمويل البديل مثل التأجير التمويلي والتخصيم.
3. دعم تنافسية المنتج: العمل على خفض تكاليف الإنتاج غير التمويلية (مثل الطاقة والنقل) وتعزيز القدرة التنافسية للمنتج المصري في الأسواق العالمية.
4. إدارة التضخم بفعالية: الحفاظ على استقرار الأسعار لضمان أن تبقى أسعار الفائدة الحقيقية (المعدلة حسب التضخم) جذابة للاستثمار، وتجنب العودة لدورة التشدد النقدي.
5. تعزيز أدوات التمويل البديلة: مثل السندات الخضراء، التمويل التشاركي، الصكوك، وتعزيز دور سوق رأس المال في تمويل المشاريع.
6. تنمية القدرات المؤسسية والبنية التحتية: تعزيز الكفاءة اللوجستية، أوصلات الطاقة والمواصلات، لتقليل التكاليف التشغيلية على المستثمرين.
7. مراقبة التضخم والسيولة النقدية: يجب أن تُرافق السياسة النقدية التيسيرية سياسات مالية حذِرة لمنع عودة الضغوط التضخمية.
8. الترويج للاستثمار الأجنبي والتكامل الإقليمي: تقديم حوافز مستدامة للاستثمارات الأجنبية في القطاعات ذات القيمة المضافة.
9. تعزيز الشفافية والمساءلة: تشجيع الشفافية في ممارسات البنوك في نقل خفض الفائدة إلى العملاء وضمان أن الفائدة الفعلية التي تحصل عليها الشركات تناسب التوقعات.
يظل خفض الفائدة أحد الأدوات الفعالة لتحفيز النمو الاقتصادي من خلال دعم القطاع الخاص، لكن نجاح هذه السياسة يتطلب معالجة التحديات التمويلية والإجرائية لضمان وصول آثاره الإيجابية إلى جميع الشركات، خاصة الصغيرة والمتوسطة.

تم نسخ الرابط