توفى عن عمر 88 عاما
صنع الله إبراهيم .. قصة أديب تمرد على الجوائز والأنظمة

الإسم: صنع الله إبراهيم
الميلاد: ١٩٣٧
الكلية: الحقوق
ولد صنع الله إبراهيم في القاهرة عام 1937، لأب موظف من الطبقة الوسطى، وأم ممرضة، وقد اختار والده هذا الاسم عندما فتح المصحف ووضع أصابعه على إحدى السُّوَر، فوقع على آية "صُنع الله الذي أتقن كل شيء" من سورة النمل، فسمّاه صنع الله٬ وهو الإسم الذي سبب متاعبا كبيرة لصاحبه مع رفاقه في المدرسة٬ ولعلّ تفرد الاسم كانت نذيراً بتفرد الحياة التي سيعيشها الكاتب الذي سيلمع في عالم الأدب العربي في النصف الثاني من القرن العشرين.
يُعرف عن إبراهيم أنه قرر أن يصبح كاتبًا أثناء سجنه السياسي (1959-1964) تحت نظام جمال عبد الناصر، بسبب انتمائه إلى المنظمة الشيوعية المصرية"حدتو"٬ في السجن عاش مع سياسيين، ومفكرين واساتذة جامعات وعمال اقترب وتعلم منهم٬ كان يدون مذكراته على أوراق السجائر المهربة، والتي أصبحت أساس كتاب "يوميات الواحات" 2002 هذا الكتاب الذي يُعتبر من أكثر الروايات دقة عن الحياة في السجن،حيث يصفه بأنه مكان مليء بالملذات اليومية الصغيرة، ويقول فيه "السجن هو جامعتي ففيه عايشت القهر والموت ورأيت بعض الوجوه النادرة للإنسان".
يُقارن إبراهيم أحيانًا بكتاب غربيين مثل جوناثان سويفت (للهجاء الاجتماعي) ومانويل بويغ (للأسلوب السردي البسيط)، لكنه تأثر بشكل أعمق بالأدب الوثائقي السوفييتي أثناء إقامته في موسكو (1971-1974)، حيث درس التصوير السينمائي لكنه تخلى عنه لصالح الكتابة٬ هناك تعاون مع المخرج السوري محمد ملاس في فيلم عن السجناء السياسيين المصريين، لكنه شعر أن السينما تقيد الحرية، بينما الكتابة تمنحه "حرية مطلقة" للانعزال في غرفة واحدة٬ كما أن تجربته في برلين الشرقية (1968-1971) كمحرر في وكالة أنباء ألمانية، جعلته يرى كيف تُشكل الإعلام السياسي الرأي العام، مما دفعته إلى دمج مقتطفات صحفية حقيقية في رواياته كأداة لـ"تنوير" القارئ دون خطابة مباشرة.
أعماله الروائية تتميّز بالبعد التوثيقي لمراحل مفصلية في التاريخ المصري المعاصر، حتى أن بعض رواياته تضمنت أجزاء مستقلّة من قصاصات صحفية وإعلانات تأخذ القارئ إلى يوميات الحقبة التاريخية التي تجري فيها أحداث الرواية٬ لذلك ظلّت أعمال صنع الله تحمل بصمة "الصحفي المؤرخ"، حيث تتداخل السرديات الشخصية مع المراجع الواقعية، ما يجعل من رواياته أرشيفاً حيّاً للّحظة التاريخية، وشهادة على زمنها لا تقلّ أهمية عن التأريخ الرسمي.
موقف سياسي
وفي لحظة استثنائية عام 2003، رفض صنع الله إبراهيم تسلُّم جائزة الرواية العربية، في دار الأوبرا٬ معلناً أن السبب هو أنها "صادرة عن حكومة تقمع شعبنا وتحمي الفساد"٬ وفي الكلمة التي ألقاها على مسرح دار الأوبرا المصرية خلال حفل تسليم الجائزة، انتقد صنع الله أيضاً سياسة القاهرة الخارجية، وعلى رأسها التطبيع مع إسرائيل، متهمًا الأخيرة بـ"القتل وتشكيل تهديد فعلي لحدودنا الشرقية". كما ندد بـ"الإملاءات الأمريكية، والعجز في السياسة الخارجية المصرية، وسائر مناحي الحياة".
وبعد عقد من الزمان، علّق إبراهيم على ثورة يناير قائلاً إن ما جرى في ميدان التحرير "لم يكن ثورة بالتأكيد، فالثورة لها برنامج وهدف: تغيير كامل للواقع أو إزاحة طبقة اجتماعية بأخرى٬ ما حدث كان انتفاضة شعبية مطلبها الأساسي هو تغيير النظام، رغم أن معنى هذا لم يكن واضحاً، باستثناء الإطاحة بأبرز رموز النظام القديم".
في مقابلات نادرة، يصف إبراهيم نفسه بـ"المنعزل"، مدافعًا عن وقته بشراسة، حيث رفض زيارات غير مخططة من أصدقائه في شبابه٬ كما أنه كتب قصصًا للأطفال، مثل "العدو" (ترجمة لجيمس دروت)، وهو جانب يتناقض مع صورته ككاتب سياسي قاسٍ٬ تأثيره يمتد إلى كتاب أصغر سنًا مثل أحمد ناجي، الذي يرى في مذكرات إبراهيم عن السجن صدى لتجاربه الخاصة.كان إبراهيم أحد أبرز رموز "جيل الستينيات" في الأدب العربي، وأحد أكثر الكتاب انتقادًا للأنظمة السياسية والاقتصادية في مصر والعالم العربي.ومن أشهر أعماله: رواية "شرف" التي تحتلُّ المرتبةَ الثالثة ضمن أفضل مائة رواية عربية، و"اللجنة"، و"ذات"، و"الجليد"، و"نجمة أغسطس"، و"بيروت بيروت"، و"النيل مآسي"، و"وردة"، و"العمامة والقبعة"، و"أمريكانلي"، وغيرها من الأعمال الأدبية التي تحظى بمكانة متميزة في عالم الأدب.
في روايته "أمريكانلي" لم يتناول فقط مجرد هجاء للتأثير الأمريكي، بل محاكاة لغوية لكلمة "عثمانلي" (تشير إلى الحكم التركي في العصور المظلمة)، وتترجم حرفيًا إلى عبارة عربية "شؤوني كانت لي"، تعبر عن فقدان السيادة الشخصية والوطنية. كذلك، في "وردة" ، يروي حلقة تاريخية نادرة عن نشاط اليساريين والشيوعيين في اليمن وعمان خلال الستينيات والسبعينيات، مستندًا إلى وثائق حقيقية، مما يجعلها رواية "تاريخية وثائقية" أكثر من خيالية.أثير حوله الكثير من الجدل بسبب رفضه استلام "جائزة الرواية العربية" التي يمنحها المجلس الأعلى للثقافة، عام 2003م، نال العديد من الجوائز العربية المهمة، مثل "جائزة ابن رشد للفكر الحر، و"جائزة كفافيس للأدب".
وقد أعادت فترة مرض صنع الله الأخيرة الأديب الذي كان قد اقترب من عامه التسعين إلى الأضواء، لا سيما بعد مناشدة عدد من الكتاب للدولة المصرية في شهر مارس الماضي بالتدخل والمساعدة في تغطية تكاليف علاجه٬ وهو ماحدث بالفعل حيث تدخل الكاتب أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام وتم علاج صنع الله ابراهيم على نفقة الدولة حتى وفاته.